تقاطعت على طاولة مجلس الوزراء امس كل الملفات ذات الصلة بالعدوان الاسرائيلي المستمر على لبنان اضافة الى جدول اعمال حافل، من البنود العادية الى قضيتي التقرير الثاني لقيادة الجيش بشأن حصرية السلاح فضلاً عن تقرير اللجنة الوزارية للانتخابات في ما خص اقتراع المنتشرين اللبنانيين .
وكتبت" النهار": المجريات المفاجئة التي طرأت أمس اتخذت طابعاً مباغتاً خطيراً بفعل تطورين متعاقبين لا يمكن تجاهل ارتباطهما، بمعنى أن أحدهما استدرج الآخر، أقله من حيث التوقيت. التطور الأول، تمثّل في "الكتاب المفتوح" لـ" حزب الله " إلى الرؤساء الثلاثة "والشعب اللبناني" حاملاً ذروة الرعونة في توجيه التحذيرات لرئيس الجمهورية من خيار التفاوض، كما في إمعانه الكارثي في رفض قرارات الحكومة بحصرية السلاح وتمسّكه بالسلاح و"بالمقاومة"، الأمر الذي رسم معالم بالغة السلبية حيال الخدمة المجانية التي وفرتها خطوة الحزب لإسرائيل التي لا تعوزها أساساً الذرائع لشنّ حرب جديدة واسعة على الحزب وعبره على مناطق لبنانية. والتطور الثاني، برز بعد ساعات قليلة من البيان الانقلابي للحزب على الدولة وخياراتها، عبر انقضاض إسرائيل بموجة جديدة من التحذيرات لاهالي بلدات جنوبية ومن ثمّ شن غارات على مواقع مختلفة، ولو أن الجيش الإسرائيلي لم يوجّه إنذارات بإخلاءات شاملة "بعد". وفيما أشاعت الإنذارات والغارات أجواء ذعر واسعة وطلائع نزوح من العديد من البلدات الجنوبية، فيما أعلنت إدارات المدارس في قضائي صور والنبطية تعليق الدروس اليوم، بدا واضحاً أن الحكم والحكومة وقعا تحت وطأة وضع لعلّه الأخطر إطلاقاً منذ بداية العهد وسط كماشة العدوانية الإسرائيلية والرعونة الكارثية لـ"حزب الله" التي تثير التساؤل المريب حول مآرب إيران التي تقف حتماً وراء تعنّت الحزب وتحديه السافر للحكم والحكومة وغالبية "الشعب اللبناني" الذي توجّه إليه بكتابه أمس. واعتبر هذا البيان بأنه ضرب بعرض الحائط لقرارات ومواقف الدولة، بدءاً بكلام رئيس الجمهورية جوزف عون في شأن التفاوض وأن لا خيار غيره، إذ اعتبره الحزب "انزلاقاً إلى أفخاخ ومكتسبات للعدو"، وصولاً إلى قرار حصر السلاح بيد الدولة الذي وصفه الحزب بـ"القرار الخطيئة ".
وفي "أدبيات" الحزب عبر البيان أن "التورط والانزلاق إلى أفخاخ تفاوضية مطروحة، فيه المزيد من المكتسبات لمصلحة العدو الإسرائيلي الذي يأخذ دائماً ولا يلتزم بما عليه، بل لا يعطي شيئاً"، واعتبر أن "لبنان ليس معنياً على الإطلاق بالخضوع للابتزاز العدواني والاستدارج نحو تفاوض سياسي مع العدو الصهيوني على الإطلاق، فذلك ما لا مصلحة وطنية فيه وينطوي على مخاطر وجودية تهدد الكيان اللبناني وسيادته". واشار الى ان "موضوع حصرية السلاح لا يبحث استجابة لطلب أجنبي أو ابتزاز إسرائيلي وإنما يناقش في إطار وطني يتم التوافق فيه على استراتيجية شاملة للأمن والدفاع وحماية السيادة الوطنية". وأعلن أن "بصفتنا مكوّن مؤسس للبنان الذي التزمناه وطناً نهائياً لجميع أبنائه، نؤكد حقنا المشروع في مقاومة الاحتلال والعدوان ".
واعتبر رئيس الجمهورية جوزف عون أن ما قامت به إسرائيل أمس "يعد جريمة مكتملة الأركان، ليس فقط وفقا لأحكام القانون الدولي الإنساني، بل يعد كذلك جريمة سياسية نكراء، فكلما عبّر لبنان عن انفتاحه على نهج التفاوض السلمي كلما أمعنت إسرائيل في عدوانها على السيادة اللبنانية ". وختم موقفه قائلاً: "وصلت رسالتكم ".
وكتبت" الديار": رئيس الجمهورية جوزاف عون وضع «النقاط على الحروف» بالتاكيد ان «اسرائيل» تعتدي على لبنان رفضا لكل الدعوات الى التفاوض، واعتبر ان «الرسالة» قد وصلت .
وذهب قائد الجيش العماد رودولف هيكل الى ابعد من ذلك، واقترح على مجلس الوزراء تجميد العمل بخطة «حصر السلاح» طالما ان «اسرائيل» مستمرة في اعتداءاتها، دون ان تأخذ الحكومة بأقتراحه، وقد اكد في تقريره الشهري على استمرار تعاون حزب الله فيما تعيق قوات الاحتلال عمل الجيش الذي رفضت قيادته، في «رسالة» تحدي، اخلاء ثكنة الشهيد محمد فرحات في بلدة كفردونين على الرغم من الحاح قوات «اليونيفيل» على ذلك بعد انذار اسرائيلي، علما انها لم تكن بعيدة اكثر من 200 متر عن موقع الغارة الاسرائيلية .
وربطا بهذه التطورات، كان حزب الله قد اصدر صباحا «كتابا» مفتوحا وجهه الى الرؤساء الثلاثة، والشعب اللبناني، يوضح موقفه من ملف التفاوض المقترح مع «اسرائيل»، محذرا من الافخاخ التي تنصب للبنان، ووفق مصادر مطلعة، لم يكن البيان تصعيديا بوجه احد، وانما يعبرعن موقف الحزب غير المعني باي تفاوض سياسي، وقد اختارت قيادة المقاومة اعتماد هذه «الالية» لتكون وثيقة دقيقة غير قابلة للتأويل، في ظرف شديد الدقة والخطورة .
وأوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ» اللواء» ان الإعتداءات الإسرائيلية على الجنوب خيمت على جلسة مجلس الوزراء الذي ناقش بالتفصيل تقرير قيادة الجيش بشأن تطبيق حصرية السلاح والتقدم الذي انجز على هذا الصعيد والعائق الاساسي المتمثل في مواصلة اسرائيل اعتداءاتها، وقالت ان قائد الجيش العماد رودولف هيكل تناول هذا الأمر في كلمته من دون الإشارة الى تعليق مهمة حصرية السلاح التي كلف بها والتي تعد مهمة اساسية .
واشارت الى ان قيادة الجيش لن تخرج عن قرار السلطة السياسية المتخذ في هذا المجال .
وبرأي جهات سياسية رصدت بدقة كتاب الحزب الى الرؤساء والشعب اللبناني، ان الحزب رفض في كتابه صيغة التفاوض التي يطرحها الاميركي والاسرائيلي، بقوله: «إن لبنان معني راهناً بوقف العدوان بموجب نص إعلان وقف النار والضغط على العدو الصهيوني للالتزام بتنفيذه، وليس معنياً على الإطلاق بالخضوع للابتزاز العدواني والاستدارج نحو تفاوض سياسي مع العدو الصهيوني على الإطلاق، فذلك ما لا مصلحة وطنية فيه وينطوي على مخاطر وجودية تهدد الكيان اللبناني وسيادته»... وإن كان هناك تفاهم اوتناغم بينه وبين الرئيسين جوزاف عون ونبيه بري على الاقل، إن لم يكن ايضاً مع الرئيس نواف سلام حول موضوع التفاوض بشكل خاص، لجهة ان الدولة اعتمدت رسمياً إطار لجنة الاشراف الخماسية على اتفاق وقف الاعمال العدائية (الميكانيزم) دون غيرها للتفاوض مع اتجاه لقبول تطعيمها بتقنيين وفنيين وخبراء وليس سياسيين عند اللزوم. اما ملف السلاح فهو يسيروفق الخطة التي اعدها الجيش وتتم متابعته بالحوار القائم بين الرئيس عون وحزب الله بما لا يمس قرار الدولة ولا يؤدي الى استهداف الحزب .
وترى الجهات السياسية ان موقف الحزب من التفاوض يساند عملياً ولا يعرقل موقف الحكم، لأنه موقف رافض للتفاوض المباشر وبخاصةالسياسي منه، كما هو موقف لبنان الرسمي، ورافض لكل الاملاءات والشروط الاسرائيلية، ومايُسرّب عن املاءات وشروط اميركية، وهو امر يُعزّز ما تردّد عن موقف مصري أبلغه مديرالمخابرات اللواءحسن رشاد الى لبنان برفض الشروط الاسرائيلية والتمسك بمواقفه لتقوية وضعه خلال التفاوض اذا تم .
وكتبت" الشرق الاوسط": بحسب مصادر سياسة، تؤشّر الجلسة إلى محاولة متوازنة بين التهدئة الميدانية والتثبيت السياسي، إذ حرصت رئاسة الجمهورية على التأكيد على «أن خيار التفاوض لا يُعدّ تنازلاً، بل أداة لإنهاء الاحتلال وفق المرجعيات الدولية»، فيما يقدّم الجيش اللبناني خطة متدرجة لحصر السلاح وتعزيز سلطته في الجنوب، وسط إشادات داخلية ودولية بانضباطه وقدرته على ضبط الميدان .
أما في الداخل، فيبدو أن الحكومة تسعى إلى إظهار تماسكٍ مؤسساتي قبيل الدخول في مرحلة التحضيرات الانتخابية، بعدما وضعت المسألة التشريعية في عهدة البرلمان، بانتظار ما ستؤول إليه مداولات الكتل السياسية حول الصيغة النهائية لقانون 2026 .
وكتبت" الاخبار": لم يبدِ حزب الله تحفّظاً في التعبير عن موقفه، وقال صراحة إنّ كل المبادرات إنما تدور وتدور لأجل إلزام لبنان التنازل عن اتفاق 27 تشرين الثاني، وإنّ المصريين، مثل الأميركيين وغيرهم، لا يملكون القدرة على إقناع إسرائيل بمجرد حصول هدنة، فكيف سيضمنون التزامها بأي اتفاق، وإنّ تجربة سوريا واضحة للعيان، وليس فيها ما يشجّع أحد على المضي بأي مبادرة، وطبعاً، لم يكن حزب الله يحتاج لأن يقول لمن يهمّه الأمر، إنّ أميركا نفسها، لم تضمن سلامة قطر من العدوان الإسرائيلي، فكيف ستضمن أميركا أو مصر أو غيرها سلوك العدو في لبنان ..
عملياً، وجد حزب الله، أنه بات لزاماً عليه إطلاق الموقف الواضح والمناسب، وبطريقة توضح الآتي: أولاً: إنّ الحزب ملتزم اتفاق وقف إطلاق النار، وهو ليس في وضع هجومي، وإنه يجيد قراءة ما ورد في الاتفاق الذي وقع في 27 تشرين الثاني. وبالتالي، فمن العبث مطالبته إعلان أي التزامات لأجل مراضاة إسرائيل. ثانيا: إنّ الحزب الذي كان شريكاً في التفاوض حول الترسيم البحري، لا يعارض فكرة توسيع عمل «الميكانيزم»، لكنه يريد ذلك ضمن إطار لا يدفع لبنان نحو اتفاق سلام أو تطبيع مع إسرائيل .
ثالثا: إنّ المقاومة، لا تتحدّث أبداً عن عملها، وهي اتخذت قراراً واعياً بالانتقال إلى «المجهول»، ولا يوجد أي شخص في حزب الله، يتحدّث عن الجانب العسكري، وأنّ الحزب غير مسؤول على الإطلاق من كل كلام يقوله محبّون أو خصوم، بل هو متضايق من كثير من هذا الكلام. رابعاً والأهم، إنّ المقاومة ذكّرت الجميع، بأنها ستمارس حقّها في العمل الدفاعي، وربما هذا ما كان مصدر الغضب الأميركي – السعودي – الإسرائيلي الذي تُرجم أمس، في إطلاق مرحلة التصعيد الجديدة ...
وكتبت" نداء الوطن": يرقى كتاب «حزب الله» المفتوح الذي وجهه إلى الرؤساء الثلاثة والشعب اللبناني إلى مستوى الانقلاب على الدولة اللبنانية ومؤسساتها الدستورية والشرعية و «خطاب القسم» و «البيان الوزاري» والقرارات الدولية واتفاق وقف الأعمال العدائية .
بكل صراحة ووقاحة رفض «الحزب» نزع السلاح والتفاوض الدبلوماسي مع إسرائيل والالتزام بكل «مندرجات» القرار 1701 .
خطورة الكتاب لا تكمن فقط في لغة الرفض والعصيان العلني، بل في الرسالة الضمنية التي تقول إن قرارات الحرب والسلم لا تزال تفرض من خارج مؤسسات الدولة بحجة المقاومة. وفي هذا السياق تقول مصادر مطلعة، إن مثل هذه الرسائل، تضع لبنان اليوم على شفير فقدان الدولة ومؤسساتها من الوجود على خارطة المجتمعين الدولي والعربي. والحرص على السيادة لا يترجم بتجاوز الدولة اللبنانية، بل بالتسليم باستقلالية مؤسساتها وقدرتها على اتخاذ القرارات والخيارات سواء أكانت تفاوضية أو عسكرية والتي تصب في المصلحة العليا للدولة .
إذًا، ما تضمّنه كتاب «الحزب» يعد بمثابة تمرّدٍ صريح على الدولة اللبنانية. فالتفاوض مع إسرائيل، إن جرى، هو من صميم صلاحيات الدولة ومؤسساتها الشرعية، فيما الانزلاق الحقيقي هو احتكار «حزب الله» قرار الحرب والسلم، ورفضه تطبيق الدستور والقرارات الدولية، وإصراره على الإمساك بسلاحٍ بات أداة لابتزاز الدولة وتعطيلها .
أما ادعاء «الحزب» بأن اتفاق 27 تشرين الثاني 2024 يقتصر على جنوب الليطاني، فباطل ومخالف لنص الاتفاق نفسه، الذي يشير بوضوح إلى نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة بدءًا من جنوب الليطاني .
كما أن ادعاء «الحزب» التزامه بالقرارات والهدنة هو تضليل، إذ لم يُسلم سلاحه يومًا ولم ينهِ جناحه العسكري والأمني، فيما كوادره تُفاخر علنًا بإعادة بناء قدراته .
أما الحديث عن قرار الحكومة المتسرّع بشأن حصرية السلاح، فهو مرفوض شكلًا ومضمونًا، لأن ما أقدمت عليه الحكومة تأخر عقودًا ولم يأتِ استجابة لضغوط خارجية، بل التزامًا صريحًا بالدستور وباتفاق الطائف .
وتلفت مصادر إلى أن إصرار «الحزب» على مصادرة قرار الدولة وتوريط لبنان في مواجهات لا قرار له فيها، يستوجب ردًّا عمليًا حاسمًا وحازمًا في ملفي السلاح والتفاوض من السلطة التنفيذية .
وأشارت مصادر إلى أن الرد الواضح على بيان «الحزب» حول المفاوضات أتى من رئيس الجمهورية في خلال جلسة مجلس الوزراء، حيث أكد الاستمرار بالمفاوضات. وأوضح المصدر أن ثمة قناعة لدى المسؤولين جميعًا وليس عون وحده بأن لا حل إلا بالتفاوض، وما حصل من غارات في الجنوب يؤكد أن الحل الدبلوماسي هو الخيار الأفضل. وبالتالي ينتظر في الأيام المقبلة كيف ستتصرف الدولة في هذا الملف وما هي الآليات التي ستعتمد للتفاوض .
المصدر:
لبنان ٢٤