وقد القى وزير العدل
كلمة في المناسبة استهلّها بعبارة للمحامي والسياسي الشهير "إبراهام لنكولن " قال فيها: "إذا ألفتم قيود العبودية، فأنتم تهيئون أطرافكم لارتدائها» موضحاً بأن "اللامبالاة ليست حيادًا. حين يُعرِض مجتمعٌ عن قيود الآخرين، فإنه يضعف حريته ويخون إنسانيته."
وأضاف : إن ما نشهده
اليوم يتجاوز عرض وثيقة تقنية؛ إنه إعلانُ قيمٍ، والتزامُ مؤسساتٍ، ووعدٌ لكل ضحية وناجٍ عاشا رعب الاتجار بالبشر.
إنه تأكيدٌ جماعي على أن
لبنان يرفض اختزال الإنسان إلى سلعة، وأن استجابتنا كدولة يجب أن تكون متماسكة، إنسانية، وثابتة.
إن الاتجار بالبشر ليس جريمةً فحسب، بل اعتداءٌ مباشر على الكرامة الإنسانية، والحرية، والأسس الأخلاقية لمجتمعنا.
وغالبًا ما يكون الضحايا من أكثر الفئات هشاشةً، عالقين في فقرٍ أو إكراهٍ أو خداعٍ أو عنفٍ.معاناتهم صامتة في أغلب الأحيان، وقصصهم مخفية، وكرامتهم أول ما يُنتهك.
لقد اتخذ لبنان خطوات قانونية مهمة لمواجهة هذه الجريمة. فمع إقرار القانون رقم 164 لعام 2011، جُرِّمَت جميع أشكال الاتجار بالبشر، وتوائمت التشريعات
اللبنانية مع المعايير الدولية، بما فيها بروتوكول باليرمو.
ومع ذلك، لا يزال التطبيق قاصرًا، ولا تزال الفئات الضعيفة – ولا سيما العمال المهاجرون، والنساء، والأطفال – تفتقر إلى الحماية الكافية.
وفي بعض الحالات، لا يزال الضحايا يُعامَلون كمذنبين، أو يتعرضون للتوقيف والترحيل.
وهذه الثغرات تذكّرنا بأن إقرار القوانين لا يكفي، فالتنفيذ هو المعيار الحقيقي للعدالة.
من هنا، يجب أن تتمحور استجابتنا حول الضحية لا الجريمة فحسب.
فالعدالة لا تتوقف عند الملاحقة، بل تمتد إلى الحماية والمساعدة وإعادة التأهيل والتمكين.
توفر إجراءات التشغيل الموحدة (SOPs) إطارًا موحدًا وعمليًا لتحقيق ذلك، إذ تُوضّح الإجراءات، وتقوّي التنسيق بين المؤسسات، وتضمن ألا يسقط أي ضحية في فجوات البيروقراطية أو تضارب الصلاحيات.
تؤكد وزارة العدل اللبنانية التزامها الثابت بأن تُحقّق جرائم الاتجار تحقيقًا كاملاً، وأن تُلاحَق وتُحاكَم وفق أعلى معايير العدالة، انسجامًا مع التزامات لبنان الدولية.
لكننا ندرك أيضًا أن الملاحقة وحدها لا تكفي.
فالاسترقاق الحديث يزدهر حيث يسود الصمت، والضعف، والإفلات من العقاب.
ولا يمكن
القضاء عليه إلا عبر مقاربة وطنية شاملة وتعاونية تجمع بين القضاء والأمن والخدمات الاجتماعية والمجتمع المدني والشركاء الدوليين.
وفي هذا السياق، أود أن أُثني على الدور الأساسي الذي تؤديه
قوى الأمن الداخلي ، وعلى الجهود المخلصة للمؤسسات الاجتماعية، وعلى الإسهام القيّم للمنظمات غير الحكومية والعاملين في الصفوف الأمامية الذين يعملون يوميًا لحماية الناجين ودعمهم.
أنتم الواجهة الإنسانية لهذه المعركة. أنتم أول من يسمع صرخة الاستغاثة، وأول جسرٍ بين اليأس والعدالة.
لن يكون لإجراءات التشغيل الموحدة التي نُطلقها اليوم معنىً ما لم نُنفّذها بإيمانٍ راسخ وبما تنص عليه بنودها.
وهذا يتطلّب تدريبًا، وموارد، وتنسيقًا، وفهمًا مشتركًا بأن الضحايا لا يُعامَلون كمذنبين، وأن سلامتهم وكرامتهم يجب أن تكون في صميم كل إجراء وكل مقابلة وكل قرار نتخذه.
السيدات والسادة،
إن هذه اللحظة محطة مفصلية، لكنها أيضًا بداية.
مهمّتنا الآن أن نحول هذا الإطار إلى ممارسة يومية، وأن نضمن أن يتحدث كل قاضٍ، وكل ضابط، وكل عامل اجتماعي، وكل مؤسسة بلغةٍ واحدة: لغة الحماية والإنسانية والمساءلة.
معًا، يمكننا بناء منظومة لا يجد فيها المتّجرون مأمنًا، ويجد فيها الناجون العدالة والأمان وفرصة لحياةٍ متجددة.
وباسم وزارة العدل اللبنانية، أجدّد التزامنا الكامل بهذه المهمة المشتركة، وأتوجه بالشكر إلى
وزارة الداخلية والبلديات، ووزارة الشؤون الاجتماعية، وشركائنا في المنظمة الدولية للهجرة (IOM) على دعمهم القيّم،
كما أعبّر عن امتناننا للمملكة الهولندية على دعمها السخي والتزامها المستمر بحماية الكرامة وحقوق الإنسان في لبنان.
فلنتقدّم معًا، متّحدين في الهدف، ثابتين على المبدأ، مؤمنين بأن لكل إنسان
الحق في أن يعيش بحريةٍ وأمانٍ وكرامة.