آخر الأخبار

لا انتخابات سليمة إن لم يقترع المغتربون لنوابهم الـ 128

شارك
لا استقرار سياسيًا مستدامًا إن لم تستقم الحياة السياسية في لبنان . وبداية الاستقامة لا تكون إلاّ بإنتاج سلطة تمثّل فعلًا الشعب اللبناني بكل أطيافه الطائفية والمذهبية والحزبية والفئوية والمناطقية والاغترابية. وهذا التمثيل لا يكون صحيحًا إلاّ إذا اكتملت عناصره الكّلية وغير المجزأة وفق أنماط موسمية أو وفق مصالح هذا الفريق أو تلك الفئة لكي تضمن أن يكون تمثيلها في الندوة البرلمانية أكثر فعالية وحضورًا بالكّم والنوع.
قد لا يكون القانون الانتخابي المعمول به حاليًا والقائم على مبدأ النسبية الخيار الأفضل، لكنه يبقى أفضل من قانون الستين، أو بما يُعرف بـ "قانون غازي كنعان"، الذي لم يراعِ التمثيل الصحيح للمكون المسيحي، إذ كان أكثر من نصف النواب المسيحيين ينتخبهم غير المسيحيين، فكانت النتيجة الحتمية لهذا القانون تغييب الصوت المسيحي الحقيقي، وضمان أكثرية نيابية، ومن بينهم نواب مسيحيون، محسوبة على النظام السوري على مدى عقود من الزمن.
وقد جاء القانون النسبي بصيغته الحالية، التي تحتاج حتمًا إلى تعديلات تقنية حتى يكون التمثيل الشعبي صحيحًا إلى الحدود المقبولة نسبيًا، غير متطابق مع الواقع، الذي استدعى تعديل المادة الخاصة باقتراع المغتربين في دورة العام 2022. وكان من المفترض أن تأتي صيغة التعديل بصفة الديمومة، وليس عبر تعبير "لمرّة واحدة"، وهو تعبير غير دستوري.
وفي تبرير لما كان عليه القانون النسبي من صيغ ملتبسة في الشكل والمضمون أن النواب المسيحيين، الذين وافقوا على هذه الصيغة الملتوية، كان جلّ همهم أن يمرّ أي قانون غير القانون القديم، وغير القانون الذي لم يكن ليراعي التمثيل المسيحي الصحيح. وهكذا وقع بعض القوى المسيحية في فخّ الدائرة السادسة عشرة الخاصة بالمغتربين.
فالرئيس نبيه بري ، الذي يصرّ على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري على أساس القانون الحالي النافذ، ينطلق من حرصه على أن عدالة التصويت الاغترابي، بمعنى أن تُعطى بيئة "الثنائي الشيعي" في الخارج حرية الحركة ذاتها المعطاة للآخرين، على رغم أن المطالبين بحقّ المغتربين بالتصويت مثلهم مثل أي لبناني آخر مقيم يرون أن العدالة في حرية التصويت والاختيار لا يمكن أن تكون مجزأة، أي أن المغترب الذي لا يستطيع أن يضمن حقّه في الاختيار الارادي من دون أن يتعرّض لأي ضغط معنوي أو مادي في عملية التصويت لـ 128 نائبًا لن يستطيع أن يصوت بحرية إلى النواب الستة في الدائرة السادسة عشرة، لأن الضغوطات، في حال وُجدت،ستكون هي ذاتها في كلا الحالتين. من هنا فإن هذه الحجة بالنسبة إلى ما تراه هذه الجهة المطالبة بعدالة المساواة بين اللبنانيين كافة كفله الدستور، الذي يبقى كمفعول أقوى من أي قانون، هي حجة ساقطة في المفهوم العلمي للعملية الانتخابية في الخارج.
آخر ما تمّ تسريبه من أجواء "عين التينة" عن أتجاه لإلغاء التصويت في الخارج، سواء بالنسبة إلى الـ 128 أو بالنسبة إلى الستة نواب، والافساح في المجال أمام المغتربين الذين يحقّ لهم أن ينتخبوا في لبنان مثلهم مثل أي لبناني آخر، مع إمكانية تأجيل إجراء هذه الانتخابات إلى شهري تموز أو آب مثلًا، لكي يتمكن المغتربون، الذين يقصدون وطنهم الأم لتمضية فصل الصيف في ربوعه، من ممارسة حقهم الطبيعي في الاقتراع، كل في دائرة نفوسه.
وهنا لا بدّ حيال هذه الفذلكة غير القانونية وغير المنطقية من إبداء بعض الملاحظات:
أولًا، أن هذه الفذلكة تحتاج أولًا إلى تعديل القانون الحالي. وهذه الامكانية غير متوافرة لها ظروف اتمامها في الشكل المطلوب، وذلك نظرًا إلى التفاوت في نظرة القوى السياسية إلى الموضوع من زوايا مختلفة.
ثانيًا: هذا الطرح يخلو، من حيث المبدأ، من معادلة اجتماعية ذهبية، وهي أن ليس في قدرة أغلبية المغتربين تحمّل أعباء وتكاليف السفر كغيرهم من المغتربين الميسورين، التي تسمح لهم ظروفهم الاقتصادية بالسفر أكثر من مرّة في السنة إلى لبنان وإلى غيره من البلدان.
ثالثًا: ثمة عدد كبير من اللبنانيين الموجودين خارج لبنان هم حيث هم بفعل ما تعرّضوا له في وطنهم الأمّ من تهديدات ومضايقات، خصوصًا أولئك الذين لا تتوافق آراؤهم السياسية مع آراء بعض القوى السياسية، التي لها نفوذ مناطقي معين. وهؤلاء المغتربون يشعرون بأن "أمنهم الانتخابي" غير متوافرة له الظروف المناسبة، كتلك التي يتمتعون بها في الخارج، ولديهم بالتالي حرية الاختيار والتصويت، بعيدًا عن أي تهديد أو وعيد، أو حتى أي ترغيب.
رابعًا: هذا الطرح قد يسمح للقوى، التي لديها فائض من التمويل، بأن تلجأ إلى "لعبة" التكّفل بشراء بطاقات السفر للمغتربين المحسوبين عليها سياسيًا، في محاولة للتأثير في نتائج بعض الدوائر غير المضمونة، مع العلم أن الرقابة الرسمية عن هذه العملية، في حال حصولها، ستكون غائبة عن السمع كليًا.
من هنا، فإن هذا الطرح يُعتبر ساقطًا وقبل أن يتبلور في صيغة اقتراح قانون أو مشروع قانون.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا