13 تشرين الأول من العام 2025 بالنسبة إلى غزة مختلف كليًا عن 13 تشرين الأول من العام 1990 لبنانيًا. في التاريخ الأول تُطوى صفحة حرب مدّمرة لتُفتح صفحة جديدة يؤمل في أن تكون بداية لمرحلة تمهيدية لسلام دائم في المنطقة. أمّا في التاريخ الثاني فكانت بداية توالي الانهيارات
اللبنانية . ويبقى ما رُبط بين
لبنان وغزة في 8 تشرين الأول قبل سنتين من الآن لجهة "توحيد الساحات الجهادية" خارج معادلة السلام الأميركية، التي "تجتاح" المنطقة، غير مستثنية الساحة اللبنانية، التي كانت حتى الأمس القريب ساحة مفتوحة ومكشوفة، وهي ستبقى كذلك إذ أن في لبنان من لا يزال يرفع راية النصر بعيدًا عن التعامل مع الوقائع كما هي لا كما يُراد لها من خارج الحدود.
ويعتقد أكثر من محلل سياسي واستراتيجي أن لبنان لا يمكنه أن يبقى طويلًا خارج المعادلة الدولية والإقليمية. هذا هو منطق الأشياء، وهذا هو المسار الطبيعي، الذي على لبنان أن يسلكه عاجلًا أو آجلًا. فالتسوية الأميركية التي أصبحت اليوم واقعًا على أرض غزة لا بدّ من أن تشمل في مرحلة لاحقة لبنان وسوريا الآيلة علاقتهما الديبلوماسية إلى تحسنّ مضطرد.
فلبنان، برأي هؤلاء المحللين، الذي عانى الأمرين، ولا يزال يعاني، نتيجة ربط ساحته بساحة غزة، لا بدّ أن يلقى اهتمامًا مشابها لما لاقته غزة من اهتمام قد وضعها على طريق التعافي والنهوض من كبوتها، خصوصًا إذا صدقت النوايا، ولم يستجدّ ما من شأنه عرقلة مسيرة التعافي هذه، خصوصًا بعدما فُك الارتباط العميق بين غزة وطهران، التي لم يعد لديها القدرة على تحريك الداخل الغزاوي من على مسافة آلاف الأميال.
فلبنان لا يحتاج إلى الكثير لكي يدخل إلى مرحلة الاستقرار الدائم. فما لديه ليس متوافرًا لغيره. فالدولة اللبنانية موجودة بمؤسساتها الدستورية والأمنية والعسكرية، وهي مقبلة على مرحلة متقدمة من "لبننة" أمنها عبر تنفيذٍ كامل لخطّة "حصرية السلاح" في المنطقة الجغرافية الواقعة جنوب نهر الليطاني، واستتباعًا في كل الأراضي اللبنانية، وذلك كمقدمة لازمة وضرورية لتطبيق كافة مندرجات القرار الدولي 1701، وإلزام
إسرائيل بتطبيق فعلي لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي لا تزال تخرقه باعتداءاتها المتواصلة، وآخرها طاول منطقة تقع شمال نهر الليطاني.
الرأي السائد في
بيروت وفي أكثر من عاصمة عربية معنية أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة اللبنانية، وبالأخصّ القرارات المتخذة في جلستي 5 و7 أب، لن تثمر مفاعيلها ما دامت إسرائيل ماضية في مخطّطها الهادف إلى منع إعادة إعمار ما هدّمته في قرى الحافة الأمامية. ولا يمكن تفسير عدوانها الأخير على عدد من معارض الجرافات والحفارات في منطقة المصيلح سوى أنه حلقة من ضمن مسلسل طويل وعريض من ضمن مشروع منع إعادة الاعمار.
فما دامت إسرائيل ماضية في مخطّطها الهادف إلى زعزعة الاستقرار الداخلي في لبنان من دون رادع أو حسيب فإن دون وصوله إلى مبتغاه صعوبات جمّة. وهذا ما يجب أن تدركه
الولايات المتحدة الأميركية، وتعمل بالتالي على تداركه قبل أن يصبح ما هو ممكن اليوم صعبًا أو مستحيلًا في القريب العاجل.
فأي تقدّم في خطّة الجيش، وأيًّا يكن شكل تجاوب "
حزب الله " مع هذه الخطّة، لم يؤت ثماره إن لم تبادر
واشنطن إلى ممارسة أقصى الضغوطات الممكنة والمتاحة على تل أبيب لوقف اعتداءاتها اليومية والمتكررة على أكثر من هدف داخل الأراضي اللبنانية. إلاّ إذا كان المقصود من عدم ممارسة هذه الضغوطات الانتقال إلى الخطّة "باء"، وذلك لكي تأتي أي خطوة مستقبلية في هذا الإطار منسجمة مع ما نفذ في غزة كحّل وسطي من ضمن مسار طويل يفرض سلوك معابر ضيقة من السلوكيات التراكمية من قِبل
الفلسطينيين في القطاع وفي الضفة مع سلوكيات مماثلة من قِبل الإسرائيليين كخطوة أولى نحو حل مستدام لن يتحقق إلا بـ "حل الدولتين".
أمّا في لبنان فإن المسار المتوازي مع التهدئة على
الجبهة الغزاوية يفرض على الجميع، أميركيًا وعربيًا، التعاطي مع مشاكله من منطلقات حصرية التعافي السياسي والأمني والاقتصادي كثلاثية متلازمة مع ما يمكن أن تبديه تل أبيب من حسن نوايا تبدأ في غزة وتمتد إلى لبنان بكل أبعاده الثلاثية.
فما قاله الرئيس الأميركي أمس عن "أن السلام سيعم
الشرق الأوسط بأكمله" يعني لبنان أكثر من غيره من دول المنطقة، وهو المستفيد الأول والأكبر من عملية السلام تمامًا كما كان الخاسر الأول والأكبر من عدم الاستقرار والحروب البديلة.