آخر الأخبار

مساعدات أميركية جديدة للبنان.. في سبيل الضغط على حزب الله؟!

شارك
في وقت لا تزال مساعدات المجتمع الدولي "الموعودة" للبنان مؤجّلة حتى إشعار آخر، بانتظار ورشة إصلاحات يبدو أنّها لن تنطلق في القريب العاجل، وتكريس حصرية السلاح بيد الدولة، على المستوى التنفيذي وليس فقط النظري، جاء إعلان واشنطن عن تقديم 230 مليون دولار كمساعدات إضافية للبنان، ستقسَّم ما بين القوات المسلحة اللبنانية (190 مليون دولار) وقوات الأمن اللبنانية (40 مليون دولار).

لكن ما لم يُخفِه الأميركيون أنفسهم هو أنّ الهدف من هذه المساعدات ليس فعلاً تقوية الجيش وتعزيز حضوره في المشهد الداخلي، ولا مثلاً تطوير قدرات قوات الأمن اللبنانية، ولكن بكل بساطة الضغط من أجل إنجاز ملف نزع سلاح " حزب الله "، خصوصًا أنّ واشنطن توجّه بذلك رسالة واضحة مفادها أنّها جاهزة لتقدّم للجيش ما يحتاجه في المرحلة المقبلة، وأنّ القول إنّ القوات المسلحة اللبنانية غير جاهزة لاستلام زمام المبادرة غير صحيح.

بالنسبة إلى "حزب الله"، فإن الرسالة الأميركية تُقرأ من زاويتين: الأولى باعتبارها استمرارًا لسياسة الاستهداف الممنهج لسلاحه وموقعه في المعادلة اللبنانية، والثانية كجزء من لعبة الضغوط التي لطالما واجهها منذ التسعينيات ولم تنجح في تفكيك بنيته. فهل يمكن اعتبار المساعدات بمثابة "جزرة سياسية" لا تحمل للحزب سوى مزيد من التأكيد على أن سلاحه ما زال يشكل العقدة المركزية في أي مشروع تسوية؟!

استكمال للضغوط؟

في المبدأ، لا تبدو المساعدات الأميركية للقوات الأمنية اللبنانية منفصلة عن السياق الذي يشهده البلد منذ أشهر، على وقع ما سُمّيت بالوساطة الأميركية، التي لم تنجح حتى الآن في الحدّ من الخروقات الإسرائيلية المستمرّة بلا توقف لاتفاق وقف إطلاق النار، لكنّها نجحت في المقابل في فرض "بند نزع السلاح" على الأجندة الداخلية، هو ما أثار انقسامات عمودية عميقة، يُخشى أن تتصاعد وتيرتها في المرحلة المقبلة.

لكن المحاولة الأميركية للضغط على الدولة اللبنانية من أجل الإسراع في ملف نزع السلاح، عبر "الترغيب" هذه المرة، تواجه معضلة مزدوجة: فمن جهة، يعاني الشارع اللبناني من فقدان الثقة بالوعود الدولية التي غالبًا ما بقيت حبراً على ورق، ومن جهة ثانية، يدرك الأميركيون أن الحكومة اللبنانية نفسها عاجزة عن الالتزام علنًا بأي مسار يؤدي إلى نزع سلاح الحزب. لذلك، تبدو المساعدات أقرب إلى "رسالة ضغط" أكثر منها أداة عملية للتنفيذ، أقلّه حتى الآن.

في هذا الإطار، يُنظر إلى الدعم المالي الأميركي كجزء من محاولة لإعادة تثبيت فكرة "حصر السلاح بيد الدولة" عبر تقوية الأجهزة الأمنية والعسكرية. غير أن هذه المقاربة، وإن حملت في ظاهرها بعدًا مؤسساتيًا، فإنها تصطدم بواقع سياسي معقّد، وهو ما يجعل واشنطن تبدو وكأنها تستثمر في الوقت الضائع، عبر محاولة خلق مسار تدريجي يربط المساعدات بملف السلاح، ولو بشكل غير مباشر.

"حزب الله" غير معني؟

في المقابل، لا يزال "حزب الله" متمسّكًا بموقفه الرافض لما يسمّيها الإملاءات الأميركية والإسرائيلية حول السلاح، وهو يوحي أنه غير معني بالاستجابة لأي طرح يتعلق بسلاحه في الوقت الحالي، حتى أنّ أمينه العام الشيخ نعيم قاسم كان حاسمًا في أكثر من خطاب بالتشديد على أن المقاومة جزء من معادلة لبنان الأمنية والسياسية، وأن أي محاولة لتجريدها من سلاحها ستُواجَه بالرفض المطلق.

أكثر من ذلك، فإن الحزب قرأ بعض إشارات الحكومة الأخيرة، بما فيها تلك المتعلقة بملف إعادة الإعمار، باعتبارها تهرّبًا من المسؤوليات الأساسية للدولة تجاه مواطنيها، ما يعزز روايته بأن البديل عن المقاومة هو الفراغ والعجز. أما الحكومة فتبدو وسط كلّ ذلك وكأنها تحاول "شراء الوقت"، فهي تتعامل مع المساعدات الأميركية كرافعة مالية لتثبيت موقعها أمام المجتمع الدولي، لكنها في الوقت نفسه تدرك أن الدخول في مواجهة مع الحزب سيعني انهيار توازنها الداخلي.

لذلك، تفضّل السلطة اعتماد خطاب ضبابي لا يقطع مع واشنطن ولا يفتح مواجهة مع "حزب الله"، وهو خيار يكرس سياسة المراوحة، علمًا أنّ اللقاء بين رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد يندرج في هذا السياق،. فالحزب يعتبر أن حماية موقع الرئاسة هي جزء من حماية التوازن الداخلي، بينما يرى الرئيس أن التحالف مع الحزب يضمن له هامش مناورة أوسع في مواجهة الضغوط الخارجية.

في المحصلة، لا تبدو المساعدات الأميركية الأخيرة سوى حلقة جديدة في مسلسل الضغط السياسي على لبنان، وعلى "حزب الله" تحديدًا. لكن الثابت أن واشنطن لا تملك أدوات تنفيذية حقيقية تمكّنها من فرض معادلة جديدة في ملف السلاح. أما الحكومة اللبنانية فتجد نفسها مجددًا أمام معادلة مستحيلة: كيف تحصل على الدعم المالي الدولي من دون أن تخسر توازنها مع الحزب، الذي يؤكد أن أي محاولة لربط المساعدات بملف سلاحه محكومة بالفشل؟!
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا