آخر الأخبار

تصويت المغتربين...أين الصواب وأين الخطأ؟

شارك
من الطبيعي الاّ تكون كل الآراء السياسية متطابقة. ومن الطبيعي أيضًا ألاّ يكون النقاش في أي مسألة معلّبًا. ولكن ما هو غير طبيعي في بلد يعتزّ أبناؤه بأنه ديمقراطي بالحدود، التي تحدّث عنها الرئيس سليم الحصّ وقال بأن في لبنان الكثير من الحرية، ولكن القليل من الديمقراطية الصحيحة، هو أن يصار الكلام عن أي استحقاق بطريقة فوقية. وما قاله الرئيس الحص، رحمات الله عليه، قيل قبل اتفاق الدوحة، وقبل بدعة "الديمقراطية التوافقية"، والتي تتناقض مع وثيقة اتفاق الطائف في بند صلاحيات مجلس الوزراء ، والتي تنص على أن یكون النصاب القانوني لانعقاد مجلس الوزراء أكثرية ثلثي أعضـائه ویتخـذ قراراتـه توافقیًا، فإذا تعذر ذلك فبالتصويت. تتخذ القرارات بأكثرية الحضور. أما المواضيع الأساسية فإنها تحتاج إلـى موافقـة ثلثـي أعضــاء مجلــس الــوزراء. وتعتبر مواضيع أساسية مــا یــأتي: حالــة الطــورائ وإلغاؤهــا، الحــرب والســلم، التعبئــة العامــة، الاتفاقات والمعاهدات الدولية، الموازنة العامة للدولة، الخطط الإنمائية الشاملة والطويلة المدى، تعیین موظفي الفئة الأولى ومـا یعادلهــا، إعـادة النظــر بالتقسيم الإداري ، حـل مجلــس النــواب، قـانون الانتخابــات، قــانون الجنسية، قــوانین الأحــوال الشخصية، إقالة الوزراء.
فالمشترع استبق ما يمكن أن تؤول إليه ما يُسمّى "الديمقراطية التوافقية" بأن حدّد المسائل التي تحتاج إلى أكثرية ثلثي أعضاء الحكومة، وذلك منعًا لإعطاء أي طرف حق استعمال "الفيتو" في أي أمر لا تتوافق أهدافه مع رغبات هذا الفريق أو ذاك. وهذا ما يجب أن ينطبق أيضًا على القوانين، التي يصدرها مجلس النواب، ومن بينها ما يرتأيه عدد من النواب، الذين يحيلون على الهيئة العامة أي اقتراح قانون بصفة المكرر والعاجل. ومن واجب رئاسة المجلس إدراج أي اقتراح له هاتين الصفتين على جدول أعمال الهيئة العامة، التي يحق لها وحدها النظر فيه. فإذا أقرّت هذه الهيئة أن صفة العجلة ضرورية فيتم التصويت على هذا الأمر قبل مناقشته، ومن ثم التصويت عليه. فإذا نال الأكثرية يصبح نافذًا. أمّا إذا أسقطت الهيئة العامة صفة العجلة عنه فيُحال إلى اللجان لدرسه قبل رفعه مجدّدًا إليها. وهذا هو الحال بالنسبة إلى الاقتراح الذي تقدّم به عدد من النواب لكي يصار إلى تعديل المادة 112 من قانون الانتخاب الحالي. إلاّ أن إصرار رئيس المجلس على عدم إدراجه على جدول أعمال أول جلسة عامة للمجلس دفع بنواب "القوات اللبنانية " وحزب "الكتائب اللبنانية" وعدد من النواب المستقلين و"التغييريين" إلى مقاطعة الجلسة فطار النصاب بعد انطلاق الجلسة الأولى، وحال عدم مشاركتهم في الجلسة الثانية دون انعقادها. وهذا الأمر أوجد حالة من التشنج بين الفريقين السياسي، إذ يطالب كل من "الثنائي الشيعي" و" التيار الوطني الحر " بإجراء الانتخابات النيابية على أساس القانون الحالي النافذ، فيما يطالب الآخرون بعدم حرمان المغتربين من المشاركة في العملية الانتخابية على أساس انتخاب الـ 128 نائبًا كما حصل في انتخابات العام 2022.
وقد أضيفت على هذا التشنج النيابي التجاذبات السياسية وما يرافقها من تباين حاد بين رئيسي الجمهورية والحكومة، فجاء بيان رؤساء الحكومات السابقين، ليشكّل جرس إنذار حيال مخاطر الانقسام داخل السلطة التنفيذية، وما قد يترتب عليه من تعطيل لمؤسسات الدولة في لحظة هي الأخطر منذ سنوات، وليضيف بعداً جديداً إلى الخلاف المتصاعد، وتحديدًا في ما يتعلق بتفسير الصلاحيات وحدود الدور داخل منظومة الحكم التي أرساها اتفاق الطائف.
فالبيان، الذي حمل لهجة حازمة في دعم موقع رئاسة الحكومة، لم يكن معزولًا عن السياق السياسي العام، بل جاء في توقيت دقيق يعكس الصراع الخفي، والمعلن أحيانًا، حول موازين القوى داخل الدولة اللبنانية، وحول مشروعية من يتحدث باسم السلطة التنفيذية ويدير الملفات السيادية، وهو ما جعل من الخلاف حول "صخرة الروشة" عنواناً رمزياً لأزمة حكم أعمق، تتقاطع فيها الاعتبارات السياسية والدستورية والطائفية، في لحظة إقليمية ودولية حساسة تعيد رسم الاصطفافات داخل لبنان.
وكان رؤساء الحكومات السابقون: نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة، وتمام سلام، الذين تداعوا إلى جلسة تشاورية لمناقشة التطورات الراهنة على مختلف الأصعدة، جدّدوا دعمهم وتمسكهم بقرارات مجلس الوزراء الصادرة في 5 آب و5 أيلول بشأن حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، مؤكدين ضرورة تطبيقها بشكل صارم ومن دون تراجع، وفق أحكام الدستور واتفاق الطائف، واعتبار ذلك أساساً للمصلحة الوطنية العليا وحماية أمن المواطنين، مؤكدين "أن الهدف الأسمى حالياً هو الحفاظ على وحدة البلاد ووحدة الحكم في إدارة شؤون الدولة، وضمان تطبيق الدستور واتفاق الطائف والقوانين المرعية". وأعربوا عن أملهم في أن "تتجسد هذه الرؤية من خلال تعاون السلطات الدستورية وتضامنها، وتعزيز الثقة في الدولة ووحدتها".
فالبلاد في رأي الرؤساء الثلاثة لا يحتمل أي خطأ فيما العدو الإسرائيلي يتربص بها، ويتحيّن الفرص للانقضاض عليها من جديد حين يرى الظرف مؤاتيًا.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا