آخر الأخبار

إيران وإسرائيل ومؤشرات مواجهة جديدة محتملة

شارك

تدخل المنطقة مرحلة جديدة بالتزامن مع إعادة فرض العقوبات على إيران، وهو تطور يفتح واحدا من أكثر الملفات حساسية في الشرق الأوسط ، فالقرار لم يكن اقتصاديا وحسب، بل فتح الباب أمام تداعيات أمنية وعسكرية متشعبة تهدد بتغيير قواعد اللعبة الإقليمية.

وأعيد تفعيل آلية الزناد التي تسمح بفرض العقوبات التي تم تعليقها عقب توقيع الاتفاق النووي عام 2015، رغم رفض المقترح الروسي الصيني بتأجيل الخطوة.

وشملت العقوبات حظرا على تصدير واستيراد الأسلحة، ومنع تخصيب اليورانيوم وإطلاق الصواريخ الباليستية ، وتجميد الأصول الإيرانية حول العالم، إضافة إلى تفويض الدول بتفتيش الطائرات والسفن الإيرانية بحثا عن بضائع محظورة.

مصدر الصورة الاتحاد الأوروبي اتخذ قرارا بتفعيل آلية الزناد التي تعني عودة فرض العقوبات الدولية على إيران (غيتي)

إسرائيل تتأهب

إسرائيل، التي تتابع المشهد عن كثب، رفعت منسوب الجاهزية العسكرية إذ لا تنظر للبرنامج النووي الإيراني وحده بوصفه خطرا إستراتيجيا، بل تبرز الترسانة الصاروخية الباليستية بوصفها عامل تهديد لا يقل خطورة.

شكلت الحرب الأخيرة على إيران في يونيو/حزيران الماضي محطة مهمة في تقييم القدرات الإيرانية والإسرائيلية على حد سواء، إذ تشير التقييمات الإسرائيلية إلى أن الضربات هزت إيران ومع ذلك ظلت صامدة، ولم يظهر أي بديل للسلطة.

هذه التقييمات، وفقا لصحيفة "ينت غلوبال" الإسرائيلية، كشفت أن الضربات العسكرية أعادت تشكيل الرأي العام داخل إسرائيل، حيث بات الاعتراف واسعا بأن الترسانة الصاروخية الإيرانية تشكل تهديدا وجوديا يتطلب استثمارا ضخما في الدفاعات.

ويضيف الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية عمر معربوني أن إيران من بين الدول القليلة التي تمتلك تقنية الصواريخ الفرط صوتية، مما يجعلها قادرة على تهديد أهداف إستراتيجية إسرائيلية بشكل يصعب اعتراضه.

إعلان

ويضيف معربوني، في حديثه للجزيرة نت، أن هذا النوع من التسليح هاجس أساسي لإسرائيل كونه يتميز بسرعته العالية وقدرته على المناورة والتحكم بالمسار أثناء الطيران داخل الغلاف الجوي، مما يجعل اعتراضه أصعب من الصواريخ الباليستية ذات المسارات الثابتة.

ومع إعادة فرض العقوبات على إيران، دخلت إسرائيل مرحلة متقدمة من الجاهزية، إذ تقدر الأجهزة الأمنية أن الضغوط الاقتصادية قد تدفع طهران إلى تسريع نشاطها النووي والباليستي.

ونقلت صحيفة ينت غلوبال عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله "يجب ألا نُخدع، إيران ما زالت قوة"، في إشارة إلى الخشية من أن العقوبات قد تترجم إلى ردود فعل عسكرية غير متوقعة.

ويعود ذلك، وفقا لحديثه، إلى أن إيران تملك ما يكفي من الصواريخ، وأن البرنامج النووي لم يدمر بالكامل، إذ بإمكان المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أن يقرر السعي نحو القنبلة بأي ثمن وبشكل سري.

ونقلت الصحيفة نفسها عن مسؤول آخر قوله "هناك احتمال لمواجهة أخرى، لذلك علينا أن نستعد. لا تشعروا بالخوف، ولكن لا تكونوا متهاونين أيضا. خذوهم على محمل الجد لأن لديهم ما يكفي من الصواريخ، كما أن البرنامج النووي لم يُدمَّر بالكامل".

نتائج ما بعد التقييم

تعتقد إسرائيل أن إيران بعد الحرب انخرطت في عملية تعلم مستمرة، فالقادة الإيرانيون يحللون مدى اختراق الاستخبارات الإسرائيلية لدفاعاتهم، مستشهدين باغتيال علماء نوويين، وقتل قادة من الحرس الثوري ، وتحييد أنظمة الدفاع الجوي، وتدمير جزء كبير من قوات الصواريخ ومنصات الإطلاق، بحسب ينت غلوبال العبرية.

وبناء على ذلك، ترتكز الإستراتيجية الإسرائيلية في الوقت الراهن على جمع المعلومات الاستخبارية لرصد محاولات إعادة بناء القدرات، وممارسة ضغط دبلوماسي على الصين وروسيا بالتنسيق مع الولايات المتحدة لمنع أي مساعدة لإيران، إضافة إلى تسريع تطوير أنظمة الدفاع الصاروخي مثل منظومة "آرو" (Arrow) الدفاعية والأنظمة المعتمدة على الليزر، بحسب المصدر ذاته.

وفي خطوة ربطتها وسائل إعلام إسرائيلية بتصاعد التوتر واحتمال اندلاع مواجهة واسعة النطاق، هبطت في أبريل/نيسان الماضي طائرة شحن أميركية من طراز "غلاكسي" في إحدى قواعد سلاح الجو الإسرائيلي محمّلة ببطاريات منظومة الدفاع الصاروخي الأميركية "ثاد"، المعروفة بقدرتها على اعتراض الصواريخ الباليستية على ارتفاعات عالية وفي مرحلتها النهائية من التحليق.

ويوضح غبرييل صوما عضو المجلس الاستشاري للرئيس الأميركي للجزيرة نت أن نشر منظومات الدفاع الصاروخي في إسرائيل هو رد على الصواريخ الإيرانية خلال حرب الـ12 يوما، بهدف حماية الأهداف الإسرائيلية وليس خطوة هجومية تجاه طهران، مع التركيز على السيطرة على التصعيد وحماية الحلفاء في المنطقة دون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مباشرة.

وتندمج منظومة "ثاد" مع أنظمة إسرائيلية أخرى مثل القبة الحديدية، و مقلاع داوود ، وآرو 2 و3، لتشكّل شبكة دفاعية متكاملة متعددة المستويات، مصممة لمواجهة تهديد الصواريخ الإيرانية بطريقة شاملة وفعّالة، وفقا لصحيفة "جيروزليم بوست" الإسرائيلية.

مصدر الصورة دخان يتصاعد عقب هجوم صاروخي من إيران في هرتسليا خلال الحرب في يونيو/حزيران 2025 (رويترز)

إيران تستعد عسكريا بعد عودة العقوبات

مع تفعيل آلية الزناد، بدأت طهران في إعادة ترتيب سياستها للتعامل مع الضغوط الغربية، ولا سيما على الصعيد العسكري، حيث توالت التصريحات ذات النبرة التهديدية، فقد ألمح قادة بالحرس الثوري الإيراني إلى إمكانية زيادة مدى الصواريخ إلى أي نقطة تعتبرها طهران ضرورية، وذلك ردا على ما قيل إنها مطالب غربية لكبح الصواريخ الإيرانية.

إعلان

سبقها تأكيد رسمي ورد على لسان رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء عبد الرحيم موسوي خلال لقائه قائد الحرس الثوري اللواء محمد باكبور ، في 28 سبتمبر/أيلول الماضي، أن القوات المسلحة الإيرانية جاهزة تماما للتصدي لأي تهديد أو عدوان محتمل.

وأشار إلى أن تعزيز وتحديث الأنظمة والمعدات الدفاعية يسير بوتيرة جيدة، مؤكدًا على التنسيق والتكامل بين الجيش والحرس الثوري.

وقال محمد جعفر أسدي نائب مسؤول التفتيش بمقر خاتم الأنبياء العسكري المركزي، لوكالة أنباء فارس "صواريخنا ستصل إلى المدى الذي تحتاج إليه"، وأضاف أن قوة ومدى الصواريخ الإيرانية جعلت الحرب التي بدأتها إسرائيل في يونيو/حزيران الماضي تستمر 12 يوما فقط.

ويصل مدى الصواريخ الإيرانية إلى ألفي كيلومتر، وهو المدى الذي حددته إيران لنفسها، ومع ذلك هو كاف لحماية البلاد لأنه يمكن أن يغطي المسافة إلى إسرائيل، وفق تصريحات سابقة نقلتها رويترز عن مسؤولين إيرانيين.

مصدر الصورة عرض في طهران للأسلحة الثقيلة بما فيها الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة (وكالة الأناضول)

وصرح المتحدث باسم الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية أبو الفضل شكارجي، في 28 سبتمبر/أيلول 2025، بأن إيران ماضية في تعزيز قدراتها الدفاعية دون انتظار موافقة من أي جهة خارجية، مؤكدا الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني.

سبق هذه التصريحات إعلان لعضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني أبو الفضل ظهره وند، في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، أن مقاتلات ميغ-29 الروسية وصلت إلى إيران كحل مؤقت، في حين ستدخل مقاتلات سوخوي 35 البلاد تدريجيا على المدى البعيد.

ويبدو أن إيران تتوقع احتمال وقوع هجوم جديد، مما يعزز حالة الجاهزية العالية التي تشهدها البلاد والمنطقة، خاصة بعد إعلان إلغاء العرض العسكري السنوي ضمن فعاليات أسبوع الدفاع المقدس في كردستان وهمدان في 22 سبتمبر/أيلول الماضي، حيث أوضح قائد الحرس الثوري أن الاستعدادات ستُركز على الدفاع عن البلاد بدل إقامة التجمعات الواسعة.

سيناريوهات محتملة

تؤكد التطورات العسكرية والتحركات الدفاعية والهجومية لإيران وإسرائيل أن المنطقة على أبواب مرحلة حاسمة من المواجهة الإستراتيجية، وكل ما سبق من مؤشرات تشكل خلفية واضحة لتحليل التوازن العسكري وتقييم احتمالات التحرك الإيراني والإسرائيلي.

وفي تصريحاته للجزيرة نت، يرى غبرييل صوما عضو المجلس الاستشاري للرئيس الأميركي أن الإدارة الأميركية لا تنوي القيام بأي عمل عسكري ضد إيران في الوقت الراهن، وأن التركيز الحالي ينصب على الحلول الدبلوماسية وفرض العقوبات الاقتصادية.

بدوره، يقول معربوني إن إيران بدأت في مراجعة أداء صواريخها واكتشاف الأخطاء التقنية، بما في ذلك بعض محاولات التدخل الاستخباراتي الإسرائيلي في مراحل التصنيع. وساعدت هذه العملية، كما يقول، إيران على تحسين الدقة والتغلب على نقاط الضعف، مما يعزز قدرة الصواريخ على إصابة الأهداف بدقة أعلى في المستقبل.

وأضاف أنه مع تعافي إيران وقدرتها على التعويض عن خسائرها، يزداد احتمال تثبيت نوع من التوازن العسكري بين الجانبين، كما يظل خيار الضربة الاستباقية مطروحًا، خاصة إذا واصلت إيران تطوير قدراتها الصاروخية والتقنية.

مصدر الصورة نتنياهو يتوسط رئيس الأركان زامير (يمين) ووزير الدفاع كاتس في اجتماع سابق بمقر وزارة الدفاع (الصحافة الإسرائيلية)

ويرى الخبير المختص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي أن إسرائيل ستعتمد سياسة استنزاف قصيرة المدى تجمع بين ضربات استباقية مركزة على بنوك الأهداف وبنية القيادة والسيطرة، وتخفيف الضغوط الدفاعية لتفادي إغراق منظومات الدفاع.

الهدف المعلن، وفق النعيمي، هو شل قدرات القرار واللوجستيات الإيرانية تمهيدًا لفرض شروط تفاوضية تحيّد تهديدات الصواريخ الباليستية والفرط صوتية، لكن النجاح يبقى مشروطًا بدعم أميركي عسكري ودبلوماسي مستمر.

إعلان

ويقول في حديثه للجزيرة نت "قد تضطر طهران إلى توسيع ردودها عبر وكلائها الإقليميين، مما يحول أي نزاع محدود إلى مواجهة إقليمية متعددة الساحات إذا فشلت مسارات الاحتواء والدبلوماسية".

ويلتقي الخبراء عند نقطة مفادها أن التحركات تكشف عن حالة توتر غير مسبوقة، حيث تبقى المناورة السياسية العامل الوحيد القادر على تفادي مواجهة عسكرية شاملة قد تغير خريطة الشرق الأوسط لعقود، وبالتالي تبقى الصورة النهائية رهنا بجولة اشتباك أخرى قد تكشف الوقائع بشكل أوضح مما يتم تداوله حاليا.

مصدر الصورة تصاعد الدخان عقب هجوم إسرائيلي على طهران يوم 18 يونيو/حزيران 2025 (رويترز)

تاريخ من الردود والأدوات

لم تكن هذه المرة الأولى التي تفرض فيها العقوبات على إيران، لذا اكتسبت طهران خبرة طويلة في التعامل معها، وتشير التجارب التاريخية إلى أن الردع العسكري والعقوبات الدولية ساعدا جزئيا في الحد من التهديد الإيراني، لكنهما لم يضعفا القدرات الهجومية لطهران.

في ولايته الأولى، وبعد أشهر قليلة من انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي وشن حملة الضغوط القصوى في عام 2019، اعتمدت إيران على سياسة تخريب ناقلات قبالة مدينة الفجيرة الإماراتية بواسطة ألغام مغناطيسية.

واستمرت الهجمات الإيرانية طوال العام المذكور، من إسقاط طائرة مراقبة أميركية إلى الاستيلاء على الناقلة البريطانية "ستينا إمبيرو"، وضرب منشآت النفط السعودية "بقيق" و"خريص" بصواريخ كروز وطائرات مسيرة.

رغم أن الولايات المتحدة أرسلت أصولا وقوات إضافية إلى المملكة العربية السعودية، فإنه هذا الرد تم اعتباره غير كاف، فقد شككت كل من الرياض وأبو ظبي في جدية الخطوط الحمراء الأميركية بعد إصابة منشأة نفطية حيوية دون انتقام سريع.

وللتحايل على العقوبات، كشف تقرير لرويترز في فبراير/شباط الماضي أن إيران اعتمدت على ناقلات نفط تُعرف بـ"الناقلات الشبحية" في عمليات التهريب لتفادي العقوبات الدولية. هذه الناقلات لا ترفع أعلامًا واضحة، وتغير هويتها دوريا، بما فيها أسماء السفن وأرقام التعريف البحرية بهدف التهرب من أنظمة التتبع والرصد.

عملت إيران على تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الصين وروسيا، اللتين لم تلتزما بشكل كامل بالعقوبات الأميركية. ومع ذلك، لم تتمكن طهران من تعويض السوق الغربية بالكامل، حيث لا يزال نفطها يواجه قيودًا في الوصول إلى أسواق رئيسية.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا