آخر الأخبار

تطيير الانتخابات بين مصلحة القوات واستعجال الثنائي

شارك

شهدت الساحة السياسية اللبنانية في الأسابيع الأخيرة تصاعدًا في حدّة الاشتباك بين القوى الأساسية، وخصوصًا بين " الثنائي الشيعي" من جهة، و" حزب القوات اللبنانية " وبعض نواب التغيير من جهة أخرى، وذلك على خلفية النقاش المحتدم بشأن قانون الانتخابات النيابية المقبلة وملف اقتراع المغتربين. هذا الاشتباك، الذي خرج إلى العلن بشكل واضح في الجلسة النيابية والبيانات المتبادلة، يعكس في العمق وجود نوايا متباينة بشأن الاستحقاق النيابي المقبل، بينها ما يشير بوضوح إلى رغبة بعض الأطراف في تأجيل الانتخابات عن موعدها الدستوري.

لكن خلف هذا المشهد الصاخب، تكمن معطيات أكثر عمقًا تتعلق بموازين القوى التي أفرزتها المرحلة التي تلت الحرب الأخيرة. فالثنائي الشيعي، الذي تمكن من استعادة زمام المبادرة السياسية داخليًا بعد تلك الحرب، يبدو اليوم أكثر تمسكًا بفرض شروطه في أي تسوية مقبلة، وأقل استعدادًا لتقديم تنازلات قد تُترجم في صناديق الاقتراع إلى مزيد من الخسائر. ومن هنا، فإن موقفه الرافض لإجراء انتخابات المغتربين لا ينطلق فقط من اعتبارات تقنية، بل من قراءة سياسية تعتبر أن هذا التصويت قد يميل لصالح خصومه ويؤدي إلى خلل في التوازنات البرلمانية المقبلة.

في المقابل، تنظر القوات اللبنانية إلى هذه المسألة من زاوية مصلحتها السياسية والاستراتيجية. فالحزب الذي يعيش اليوم واحدة من أقوى لحظاته الشعبية منذ سنوات، يرى أن تأجيل الانتخابات قد لا يكون ضارًا له كما يُعتقد، بل ربما يصب في مصلحته. إذ إن تعطيل جلسات البرلمان أو الانسحاب منها احتجاجًا على موضوع المغتربين، يمكن أن يوفر له ذريعة قوية لتطيير النصاب وتأجيل العملية الانتخابية برمتها. وهذا السيناريو يخدم القوات في حساباتها الأبعد: أن يُنتخب رئيس الجمهورية المقبل من قبل مجلس نيابي جديد تمتلك فيه أغلبية مريحة.

هذه الحسابات ليست تفصيلًا في الاستراتيجية القواتية. فالقوات تراهن على أن الظروف السياسية الراهنة، بما فيها تراجع شعبية خصومه التقليديين وتبدّل مزاج الشارع المسيحي، قد تمكّنه من تحقيق كتلة نيابية أكبر بكثير من تلك التي يمتلكها حاليًا. والأهم من ذلك أن مثل هذه النتيجة ستفتح الباب أمام رئيسه سمير جعجع ليكون مرشحًا قويًا لرئاسة الجمهورية، وهو هدف لطالما سعى إليه.

من هنا، يبدو أن الجدل بشأن قانون الانتخاب واقتراع المغتربين ليس مجرد نقاش تقني أو دستوري، بل هو تعبير عن معركة سياسية كبرى تتجاوز مواعيد الاستحقاقات. "الثنائي الشيعي" يريد الحد من الخسائر وفرض شروطه بعد استعادة المبادرة، فيما تسعى "القوات اللبنانية" إلى استثمار اللحظة السياسية لصالح مشروعها الأكبر. وبين هذا وذاك، تبقى الانتخابات النيابية المقبلة معلّقة على توازن دقيق بين الإرادات والنوايا، وقد يكون تأجيلها خيارًا مطروحًا أكثر مما يُعلن.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا