يشير معظم التحليلات والتقارير الصادرة في الإعلام العبري في الأيام الأخيرة إلى أن رئيس الوزراءل الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يزال حتى الآن يرفض الاستجابة الكاملة للمبادرة التي قدّمها الرئيس الأميركي
دونالد ترامب ، والتي تهدف إلى فتح مسار تهدئة شامل في قطاع غزة. هذا الرفض أو التجاهل يعكس تمسك نتنياهو بخياراته العسكرية وعدم استعداده للتراجع عن الأهداف التي وضعها لحربه في القطاع، ما يعني أن المعارك قد تستمر لفترة أطول مما كان متوقعًا. لكن هذه التقارير نفسها تؤكد في الوقت عينه أن غزة ليست أولوية إســرائيل، وأن التركيز الحقيقي يتجاوز القطاع ليطال
إيران واليمن، وربما لاحقًا
لبنان .
هذا التحوّل في الأولويات يعكس قناعة راسخة داخل المؤسستين الأمنية والسياسية في إســرائيل بأن الصراع في غزة، رغم أهميته، لن يحسم مستقبل المواجهة في المنطقة. فالخطر الأكبر بالنسبة لتل أبيب يتمثل في تعاظم القدرات
الإيرانية وبرامجها النووية والصاروخية بالرغم من الحرب التي حصلت، إلى جانب تنامي قوة حلفائها في اليمن ولبنان تدريجيا. ولهذا، بات الحديث عن احتمال توسيع الحرب ليشمل جبهات أخرى حاضرًا بقوة في النقاشات الداخلية، وإن كانت بعض الأوساط ترى أن اتخاذ مثل هذا القرار مرهون بالكلفة التي قد تدفعها إسـرائيل في حال أقدمت عليه.
مصادر مطّلعة تشير في هذا السياق إلى أن أي عملية عسكرية ضد إيران أو اليمن أو لبنان لن تُتّخذ بسهولة، بل ستكون خاضعة لحسابات دقيقة تتعلق بالخسائر المتوقعة وردود الفعل الإقليمية والدولية. فإذا كانت الأثمان التي قد تدفعها إســرائيل مرتفعة جدًا، فإنها على الأرجح ستتراجع عن خيار الضربة المباشرة، خصوصًا أن الوقت ليس مفتوحًا أمامها. فثمة تقديرات تفيد بأن أمام تل أبيب بضعة أشهر فقط لحسم خياراتها العسكرية، قبل أن تدخل
الولايات المتحدة في مرحلة انشغالات عالمية كبرى لن تسمح لها بالاستمرار في الغرق في مستنقع
الشرق الأوسط .
الإدارة الأميركية نفسها تبدو حريصة على إنهاء جولات التصعيد في المنطقة ضمن إطار زمني محدود. فواشنطن تسعى إلى إعادة تركيز جهودها على ملفات أكثر حساسية تتعلق بالتنافس مع الصين وروسيا، وترى أن استمرار انشغالها بالحروب في الشرق الأوسط يعرقل قدرتها على التعامل مع هذه التحديات. وهذا ما يشكل عامل ضغط إضافي على إســرائيل، التي تدرك أن الدعم الأميركي العسكري والسياسي ليس مضمونًا بلا حدود زمنية.
يبدو أن المنطقة مقبلة على مرحلة شديدة التعقيد، قد تتراوح فيها الخيارات بين استمرار الحرب في غزة ضمن حدودها الحالية أو توسعها إلى ساحات أخرى إذا ما قررت إسـرائيل نقل المعركة إلى إيران أو اليمن أو لبنان. القرار في نهاية المطاف سيُحسم وفق ميزان الكلفة والربح، لكنه سيبقى مرتبطًا أيضًا بالنافذة الزمنية الضيقة المتاحة أمام تل أبيب وواشنطن لترتيب المشهد الإقليمي قبل أن تفرض التطورات الدولية إيقاعًا مختلفًا تمامًا.