نشر موقع "التلفزيون العربي" تقريراً جديداً تحدث فيه عن "أخطر جاسوسة إسرائيلية عملت في لبنان "، مشيراً إلى أن هذه الجاسوسة هي شولا كوهين.
ويقولُ التقرير إن "كوهين تُعدّ الجاسوس رقم 1 لإسرائيل في لبنان، إذ أدارت إحدى أخطر الشبكات التجسسية في القرن العشرين، وتُعدّ قصتها من الأكثر إثارة في عالم الاستخبارات لنشاطها واتساع نفوذها".
وكانت كوهين من سكّان وادي أبو جميل (الحي اليهودي) في
بيروت ، ومنذ صغرها تشبّعت بفكرة إنشاء وطن قومي لليهود حتى صارت شابة يافعة. عمليًا، اعتمدت شولا على العنصر النسائي والمال لاستقطاب العملاء، فتمكّنت من تجنيد شخصيات عديدة، بينهم مسؤولون رسميون لبنانيون. واستأجرت شققًا مفروشة في أحياء راقية وأنشأت ملاهي وأندية ليلية لتكون مراكز لشبكتها، التي أُلقي القبض على أفرادها لاحقًا وكانت هي على رأس الموقوفين.
ووُلدت عام 1917 في بيونس آيرس باسم "زيلاما ماير كوهين" (يُترجم إلى العربية "سليمى")، ثم غيّرته إلى "شولا" لسهولة اللفظ. في مطلع حياتها ببيروت، تحديدًا في وادي أبو جميل، عُرفت بجمالها وصباها، وكانت من أشهر فتيات الحي اليهودي. اتّسمت حياتها بالصخب وكثرة العلاقات، وتزوجت من يوسف كشك، تاجر الأقمشة في سوق سرسق. منذ صغرها، كانت تهوى العمل السياسي ومصمّمة على خدمة قضية "بني قومها"، ومن أوائل الداعين لاحتلال اليهود لأرض فلسطين، وعملت على هذا الأساس.
في شبابها تعرّفت إلى شاب يُدعى "ليون" واستمالته بأساليب الإغراء، ثم وقعت بحب رجل أميركي تعرّفت إليه مصادفة في فندق "السان جورج"، واستدرجته ليستأجر لها شقة في "النورماندي". وقبل سفره انتزعت منه 15 ألف ليرة لبنانية، وهو مبلغ كبير حينها. وكانت تختار معارفها من "الطراز الثقيل". وفي ليلة من عام 1948، دُعيت إلى حفلة راقصة كبرى في فندق "النورماندي" حضرها اليهودي–الفرنسي جورج مولخو وزوجته "آن ماري". لفتت مولخو، المكلّف من الوكالة اليهودية في روما وباريس وقبرص بترحيل اليهود إلى فلسطين بميزانيات طائلة، فاختارها "كسكرتير خاص" نظرًا لإتقانها العبرية والإنكليزية والإسبانية والفرنسية والعربية.
مع مولخو بدأت رحلتها الفعلية عام 1948. عبره تعرّفت إلى اللبناني محمد سعيد العبدالله من بلدة الخيام، فصار من أبرز معاونيها. وأطلعها مولخو على رسالة من تل أبيب جاء فيها: "إننا نطلب منكم إرسال أكبر عدد ممكن من اليهود اللبنانيين إلى فلسطين عن طريق البر والبحر، ويجب أن يتمّ ذلك بسرية وكتمان شديدين وبأسرع وقت ممكن.. الدراهم تصلكم مع عميلنا خلال أيام". فهمت المطلوب وشرعت بالعمل: كانت تكتب الرسائل وتترجمها وتتواصل مع عملاء
إسرائيل ومع شخصيات سياسية واجتماعية في بيروت لاستمالتهم إلى "قضية إسرائيل"، وفق تقرير "العربي".
وبحسب التقرير، فقد كلّف مولخو كوهين بعملية تهريب بحرية بالتعاون مع "شاب لبناني نافذ" يمتلك نفوذًا على فريق من الرجال واستأجر مراكب لهذه الغاية. خُطِّط للعملية بعناية، وانطلقت القوارب من منطقة السعديات جنوب بيروت نحو فلسطين بنجاح، ثم تتابعت العمليات. بالتوازي كانت ترسل مع المهاجرين تقارير إلى أجهزة الاستخبارات
الإسرائيلية عن الأوضاع في لبنان وسائر الدول العربية.
لاحقًا، وبعد خلاف مالي بين جوزيف كوبي وذلك "النافذ"، اتفقت مع محمد سعيد العبدالله على اعتماد الطرق البرية. خلال عام واحد أصبح العبدالله بطل التهريب عبر الحدود الجنوبية وضابط الارتباط بين شبكة كوهين والأجهزة الإسرائيلية، ينقل إليها التقارير حتى نال ثقة كبار ضباط الاستخبارات. ومع بداية الخمسينيات، اشتبهت الأجهزة
اللبنانية به فأوقفته على الحدود، لكنه لم يكشف شيئًا عنها. مثلت كوهين أمام
القضاء وأنكرت معرفتها به، فخرجت من القضية.
في عام 1951 اصطادت شولا موظفًا نافذًا في وزارة المالية هو محمود عوض، بعد أن أنجز معاملة لزوجها مقابل المال. سعى عوض للترشح للنيابة وطلب لقاء الإسرائيليين؛ فسافر إلى تل أبيب والتقى ضباطًا وتعهد بتزويدهم بالأسرار مستندًا إلى نفوذه في الدوائر الرسمية مقابل تمويل حملته. أُخضع لاختبار أولي ووُعد بالدعم عند النجاح.
توسّعت الدائرة إلى "ضابط لبناني كبير" كان ينوي انقلابًا بذريعة النقمة على الأوضاع. عرض عوض اسمه على ضباط إسرائيليين التقاهم في إسطنبول، مشيرًا إلى اتصالاته الواسعة بالأحزاب. وذكر لهم أن حكم الرئيس فؤاد شهاب سيكون سلبيًا على إسرائيل لشدته تجاهها وتعاونه العربي. صارت كوهين على صلة بالضابط ووعدته بطلب دعم إسرائيلي مباشر، كما يقول التقرير.
في مطلع الستينيات، نظّمت كوهين شبكتها ووسّعت التجنيد والمعلومات، وأنشأت ناديين ليليين في الحمرا: "الرامبو" في شارع الكومودور بإدارة محمد العبدالله، و"البارغولا" باتجاه فندق "بلازا" بإدارة علي فايز العبدالله. ثم سافرت إلى روما فإسطنبول فتل أبيب لعرض "مشروع الانقلاب"، ومكثت ثمانية أيام كُرّمت خلالها من موشي دايان وغولدا مائير وغيرهما. طلبت "فيزا" دون ختم على الجواز ليسهُل رجوعها إلى بيروت، لكن موظف الأمن
الإسرائيلي ختم جوازها خطأً، فعجزت عن العودة به. انتقلت إلى إسطنبول ثم روما تبحث عن حل، واتصلت بزوجها الذي استعان بمحمود عوض، فحاول استصدار جواز جديد عبر "الضابط الكبير"، لكن الأخير خشي الاشتباه لكونها يهودية ومعروفة الميول.
استنجد عوض بـ"سمعان" الذي قرّبه منه—من دون أن يعلم أنه عميل مزدوج لجهاز لبناني—فاستطاع هذا الأخير، بتنسيق مع جهازه، إصدار جواز جديد وسافر إلى روما في شباط/فبراير 1961 ليسلّمه لها. هناك، اطمأنّت كوهين إليه وكشفت أمامه أوراقها كاملة، ولم تكن تدري أنها وقعت في فخ المخابرات اللبنانية، وفق التقرير.
عادت كوهين إلى بيروت واجتمعت بالضابط الكبير في شقة بالرملة البيضا، وأطلعته على نتائج زيارتها إلى تل أبيب واقترحت لقاءً في روما مع ضباط إسرائيليين بينهم "ألبيرتو". كان المبنى مرصودًا من مخبر لبناني يُدعى "راجي"، فيما واصل سمعان لقاءاته مع محمود عوض في الحمرا. طلبت شولا من سمعان السفر إلى تل أبيب للاجتماع برجال الاستخبارات، لكن الجهاز اللبناني قرّر الإطباق على الشبكة أولًا. أقنعها سمعان بعقد اجتماع تنظيمي يضم الجميع.
في 18 آب 1961 اجتمع أركان الشبكة في منزل شولا كوهين بوادي أبو جميل، وكانت القوى الأمنية ترصد المكان وتنتظر إشارة خروج شولا مع سمعان إلى الشرفة لتأكيد اكتمال الحضور. وما إن عادت إلى الداخل حتى سُمِع طرق على الباب؛ فتحت فوجدت عناصر الأمن، فأُغمي عليها وأوقف الجميع: شولا كوهين (37 عامًا – لبنانية)، محمود سعد الله عوض (45 – لبناني)، علي نصرت العبدالله (31 – لبناني)،
علي حسن العبدالله (28 – لبناني)، محمد حسن فايز العبدالله (لبناني)، ألبير إيليا (57 – لبناني)، ألفرد حنا (34 – لبناني)، يوسف كشك (61 – لبناني)، فيلمون درويش (38 – لبناني)، فكتور لافي (47 – إيراني)، بهيج عبدالله (38 – لبناني)، روبير تولنشد (31 – إيطالي)، ساسون سوفير (31 – عراقي)، عزرا شمعون (40 – إيراني).
وأحدث توقيفها هزة في أجهزة الأمن الإسرائيلية. وردًّا على ذلك، اختطفت إسرائيل في الستينيات ثلاثة ضباط لبنانيين على الحدود وفاوضت عليهم لمبادلتهم بشولا كوهين، التي استقرّت لاحقًا
في إسرائيل حتى عام 2017، تاريخ وفاتها، بحسب التقرير.