لم تنجح حتى الساعة مساعي ردم الهوة وتقريب وجهات النظر بين
لبنان الرسمي الممثل برئيسي الجمهورية والحكومة و «الثنائي الشيعي» بملف حصرية السلاح. اذ لا يبدو أن تأجيل جلسة
مجلس الوزراء التي كان مقررا عقدها في الثاني من ايلول الى الخامس منه سيكون كافيا لوصول النقاشات القائمة الى تفاهمات يُبنى عليها قبيل عرض قيادة الجيش خطتها لانجاز حصرية السلاح قبل نهاية العام الجاري.
اذ بدت المواقف التي أطلقها رئيس المجلس النيابي
نبيه بري في ذكرى إخفاء الإمام الصدر ورفيقيه حاسمة، سواء لجهة وحدة الصف الشيعي في ظل رهانات كثيرة على شقه، او لجهة رفض استكمال لبنان تطبيق الورقة الاميركية التي لم يعلن الطرف الاسرائيلي بعد موافقته عليها، او على استراتيجية الخطوة مقابل الخطوة.
رسائل بري
وقالت مصادر معنية بالملف ان بري أوصل لمن يعنيهم الامر وخلال ذكرى اخفاء الامام الصدر، جوابا حاسما قبل جلسة الجمعة المقبلة، ومفاده انه لن يصوت مع اي خطة عسكرية لحصر السلاح ما دام الطرف الاسرائيلي لم ينفذ أيّا من التزاماته».
ونفت المصادر أن يكون المبعوث
الاميركي توم براك بصدد زيارة لبنان قبل جلسة الجمعة الحكومية كما أشيع بوقت سابق، معتبرة ان «هكذا زيارة كانت مرتبطة بقدرة الطرف الاميركي على الجصول من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على تنازل او خطوة تعزز موقف لبنان الرسمي، الا ان الفشل في اقناعه بذلك حال دون الزيارة». وأضافت المصادر:»بعكس ما يعتقد البعض، فان الطرف الاميركي، وبالتحديد توم براك ومورغن اورتاغاس، ممتعضان من تصلب نتنياهو. وقد عبّر براك عن ذلك صراحة حين قال مؤخرا انه طلب من نتنياهو أن يمنح لبنان «فرصة، مع بعض التسامح والتفاهم»، مضيفا: «قلت لنتنياهو لا يمكنك أن تكون شديد القسوة على الجميع وأن تفعل ما تريد وقتما تريد لأن ذلك سيعود عليك في النهاية».
واشارت المصادر الى ان المبعوثين الاميركيين «يتجنبان تحميل اسرائيل اي مسؤولية في المراوحة القاتلة التي تشهدها عملية التفاوض، لكنهما يدركان حجم الاحراج الذي يتسبب به ذلك للرئيسين عون وسلام اللذين يجدان نفسيهما مكبلين على كل الجبهات».
سيناريوهان لجلسة الجمعة
ولفتت المصادر الى «اننا سنكون امام سيناريوهين لجلسة الجمعة الحكومية بعدما بات محسوما ان الوزراء الشيعة سيشاركون فيها، لكنهم سينسحبون في حال تقرر التصويت على خطة الجيش لاقرارها»، موضحة ان السيناريو الاول يقول بتجنب التصويت والاكتفاء بعرض الخطة والاعلان انها مقبولة، لكن العمل فيها مجمد بانتظار مبادرة اسرائيل لوقف الأعمال العدائية او الانسحاب من بعض النقاط المحتلة. اما السيناريو الثاني فيقول باقرار الخطة رغم انسحاب وزراء الثنائي وتكليف الجيش التنفيذ، ما سيضع البلد امام مفترق خطر جدا».
رسالة تصعيدية
ولا يبدو اطلاقا ان اسرائيل بصدد تقديم اي تنازل قبل جلسة الجمعة، حتى انها بالعكس تماما لجأت الى ايصال رسالة سلبية من خلال العودة الى التصعيد العسكري مع تنفيذ الطيران الحربي الاسرائيلي الاحد عدوانا جويا، مستهدفا حرج على الطاهر والدبشة عند اطراف النبطية الفوقا بسلسلة غارات عنيفة.
وبحسب «الوكالة الوطنية للاعلام»، ألقت الطائرات المعادية المغيرة عددا كبيرا من الصواريخ الشديدة الانفجار التي احدث انفجارها دويا هائلا تردد صداه في العديد من المناطق البعيدة نسبيا عن منطقة الغارات، وارتفعت جرّاءها سحب الدخان الكثيف التي غطت سماء المنطقة.
وكان لافتا حديث الوكالة عن «تشابه كبير جدا للموجة الانفجارية التي حصلت في انفجار مرفأ
بيروت العام 2020 والموجات الانفجارية التى ظهرت في الغارات الجوية الاسرائيلية على تلال علي الطاهر». وتسببت الغارات المعادية باضرار مادية في الكثير من المنازل السكنية في النبطية الفوقا، حيث تحطم زجاج منازل ومحال تجارية ، فضلا عن تصدعات فيها. كما اقفلت طريق كفرتبنيت -الخردلي بالاحجار والردميات الناتجة من عصف الغارات الجوية ، وعملت لاحقا دورية من الجيش على فتحها بالتعاون مع بلدية كفزتبنيت، حيث استحضرت جرافة كبيرة للغاية. وأدت الغارات أيضا الى اندلاع حرائق كبيرة في حرج علي الطاهر. كذلك أقدمت مسيرة اسرائيلية بعد ظهر الاحد على استهداف دراجة نارية على طريق النبطية الفوقا وميفدون، ما أدى الى استشهاد مواطن.
مواقف بري
وكان الجميع يوم أمس يترقب كلمة
رئيس مجلس النواب نبيه بري في ذكرى اخفاء الامام الصدر التي أتت حاسمة وعالية السقف. واعتبر بري أن «من يقود حملات التنمر السياسي والشتم والشيطنة والتحقير على نحو ممنهج ضد طائفة مؤسِسة للكيان اللبناني، هو هو قبل العدوان وخلاله ولا يزال حتى الساعة، كان يعمل في السر والعلن على إطالة أمد الفراغ ، وعلى أن العقول الشيطانية أخطر على لبنان من سلاح المقاومة الذي حرر الأرض والإنسان وصان الكرامة والسيادة الوطنية».
وأمل بري الانفتاح «لمناقشة مصير هذا السلاح الذي هو عزنا وشرفنا كلبنان ، في إطار حوار هادئ توافقي تحت سقف الدستور وخطاب القسم والبيان الوزاري والقوانين والمواثيق الدولية، بما يفضي الى صياغة استراتيجية للامن الوطني تحمي لبنان وتحرر أرضه وتصون حدوده المعترف بها دولياً، وأبداً ليس تحت وطأة التهديد وضرب الميثاقية واستباحة الدستور ولا في القفز فوق البيان الوزاري وتجاوز ما جاء في خطاب القسم والإطاحة باتفاق وقف إطلاق النار الذي يمثل إطاراً تنفيذيا للقرار 1701». وأوضح بري ان «موقف وزراء الثنائي في جلستي الحكومة بتاريخ 5 و7 آب لم يكن موقفاً طائفياً أو مذهبياً ، إنما هو موقف وطني بامتياز، نابع من الحرص على لبنان»، معتبرا ان «ما هو مطروح في الورقة الاميركية يتجاوز مبدأ حصر السلاح بل وكأنه بديل عن اتفاق تشرين الثاني لوقف اطلاق النار، ولبنان نفذ ما عليه وما فرضه هذا الاتفاق، بينما
إسرائيل أصرت على استمرار اطلاق النار واستباحة السيادة وسلب الارادة الوطنية وتصر على عدم الانسحاب من الأراضي المحتلة، بل زادت عليها كما أشرنا». وأضاف:»فمن غير الجائز وطنياً وبأي وجه من الوجوه رمي كرة النار في حضن الجيش اللبناني ، الذي كنا وسنبقى نعتبره درع الوطن وحصنه الحصين ، بخاصة في هذه المرحلة التي تؤدي فيها هذه المؤسسة الجامعة لآمال اللبنانيين دوراً وطنياً مقدساً في الجنوب إنفاداً للقرار 1701، وفي كل الجغرافيا
اللبنانية حماية وصوناً للسلم الاهلي».
موقف
حزب الله
وبانسجام تام بين موقفي «حزب الله» وحركة «أمل» في مقاربة المرحلة، اعتبر عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن عز الدين في سلسلة مواقف أطلقها الأحد ان «القرار الذي اتخذته الحكومة اللبنانية وعبّرت عنه بحصرية السلاح دون ان تنظر إلى تداعياته ومخاطره ونتائجه إنما يُعتبر خطيئة كبرى، والهدف منه نزع ومصادرة سلاح المقاومة الذي ما زال يشكّل عقبة وحالة ردعٍ نسبية أمام العدو تمنعه من الوصول إلى تحقيق أهدافه». وقال: «من لوازم حصرية السلاح مجموعة من الأمور التي إن لم تتحقق تصبح بلا معنى، وفي مقدمها أن تكون سيادة الدولة منجزة ومصونة وغير مهددة من الاعداء، فكيف إذا كان العدو على خط التماس مع فلسطين المحتلة ويمارس اعتدءاته يوميا». وأضاف:»من لوازم حصرية السلاح أن تمتلك هذه الدولة استراتيجية دفاعية عسكرية وأمنية، تستفيد من خلالها من كل القدرات والإمكانات المتاحة في لحظة الاشتباك أو المواجهة».