من المقرر أن يلتئم
مجلس الوزراء يوم الجمعة المقبل للاستماع إلى
العرض الذي سيقدمه قائد الجيش العماد رودولف هيكل بشأن الخطة الأمنية والعسكرية المرتقبة. وفي انتظار هذه الجلسة، تشهد الساعات والأيام التي تسبقها حركة مشاورات مكثفة في محاولة للوصول إلى صيغة توافقية تسمح بمناقشة الخطة من دون جر البلاد إلى صدام سياسي أو اضطراب أمني أو تحريك الشارع. وتأتي الاتصالات على ضوء ما قدمه
رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل اطلالته امس في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر من افكار تهدف إلى تجاوز الانقسام الحاد حول الورقة الأميركية، عبر إبقاء النقاش داخل مجلس الوزراء وعرض الجيش خطته كاملة من دون تحديد مهل زمنية لبدء التنفيذ، مع ربط أهداف الورقة بتحقيق مطالب
لبنان الأمنية مثل الانسحاب
الإسرائيلي ووقف الاعتداءات.
وتشير المعطيات الأولية إلى أن نصاب الجلسة سيتحقق، في ظل انفتاح واضح لدى الوزراء الشيعة لمناقشة مقترحات الجيش. غير أن الهواجس تبقى قائمة بشأن احتمال انزلاق الأمور نحو سيناريوهات متعددة، خصوصاً إذا اتجه النقاش إلى منحى يُشعر المكوّن الشيعي بالتحدي. في هذه الحالة، يرجح أن يلجأ وزراء "الثنائي" إلى الانسحاب من الجلسة، لا سيما إذا أصر رئيس الحكومة نواف سلام وعدد من الوزراء الآخرين على فرض جدول زمني صارم لتنفيذ الخطة.
فوجهة نظر "الثنائي" تقوم ، بحسب مصادر مقربة منه، على اعتبار أن المرجعية الوحيدة المخوّلة تحديد المهل والآليات هي قيادة الجيش نفسها، بصفتها الأدرى بإمكاناتها وقدرتها على التنفيذ. وبالتالي، فإن أي محاولة حكومية لفرض توقيت ملزم قد تفتح الباب أمام أزمة وزارية جديدة.
ولا شك أن الحزب يعتبر قرار مجلس الوزراء غير متوافق مع بنود الدستور ولا يحظى بتوافق وطني، مما يجعله غير قانوني. ويؤمن الحزب أن السلاح هو الركيزة الأساسية لضمان بقاء الطائفة الشيعية، وأن حله أو تجريدها منه يعرض وجودها للخطر ويهدد هويتها. كما يعبر الحزب، بحسب مصادر مقربة منه، عن شكوكه تجاه التعهدات الأميركية بضمانات أمنية، معتبرًا أنها غير مؤكدة وتصب في مصلحة
إسرائيل ، وأن الاعتماد عليها لا يضمن حماية فعالة للبنان. لذلك، يطالب الحزب بإجراء حوار وطني شامل لوضع استراتيجية دفاعية موحدة، مع اشتراط انسحاب إسرائيل من الأراضي
اللبنانية وتوقف هجماتها العسكرية.
في هذا المشهد المعقد، برز موقف الرئيس
بري أمس الرافض لتحميل المؤسسة العسكرية "كرة النار"، حيث شدد على دعمه الكامل لانتشار الجيش في الجنوب تنفيذًا للقرار الدولي 1701، وكذلك في مختلف المناطق حفاظًا على السلم الأهلي. وأكد أن نقاش قضية سلاح
المقاومة يجب أن يتم في إطار الدستور وخطاب القسم والبيان الوزاري والمواثيق الدولية، رافضًا فرض هذا النقاش تحت وطأة التهديدات أو عبر تجاوز الميثاقية واستباحة الأصول الدستورية.
في المقابل، تفيد مصادر وزارية أن الحكومة لا تعتزم التراجع عن مبدأ حصرية السلاح والتمسك بالجدول الزمني للتنفيذ، معتبرة أن الإسراع في تطبيق الخطة يشكل ورقة ضغط على
الولايات المتحدة لدفعها إلى إلزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة.
ويشير مصدر متابع لمجريات الاتصالات إلى أن الجيش غير قادر على تطبيق أي خطة من دون غطاء وطني جامع، إذ تقتصر مهمته على العمل تحت سقف التفاهمات السياسية، تجنبًا لأي انقسام قد يعرقل مهمته الميدانية أو يضعه في مواجهة مباشرة مع"
حزب الله " و"حركة أمل".
ومع ذلك، توحي المؤشرات بأن تل أبيب ليست في وارد تقديم أي تسهيلات تسمح للحكومة اللبنانية بإنجاح مسعاها، بينما يبدو الموقف الأميركي متناغماً مع المطلب الإسرائيلي. وفي هذا السياق، برزت تصريحات السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، الذي وضع لبنان أمام خيارين: إما السير نحو احتكار السلاح بوسائل سلمية، أو مواجهة خيار الحسم بالقوة العسكرية.
إلى جانب ذلك، تشير الأوساط اللبنانية إلى محاولات إسرائيلية لتأجيج الوضع الداخلي، خصوصًا في ظل ما يحكى عن تشكيل "جيش رديف" من متشددين مزود بالسلاح لمواجهة حزب الله، ما يرفع احتمال انزلاق البلاد نحو فوضى أمنية أو حتى حرب أهلية.