آخر الأخبار

بين خطابي القسم والقاسم

شارك
من استمع إلى كلام الأمين العام لـ " حزب الله " الشيخ نعيم قاسم في الذكرى الأربعينية للأمام الحسين أو قرأه يستنتج تلقائيًا ومن دون تردّد أنه مكتوب بنَفس إيراني، أو إذا صحّ التعبير بجرعة من الدعم المعنوي الإيراني حملها معه أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في طهران علي لاريجاني خلال زيارته القصيرة لبيروت. فبعدما قال الزائر الإيراني ما قاله، سواء في لقاءاته المغلقة مع المسؤولين اللبنانيين أو في تصريحاته العلنية، جاء كلام الشيخ قاسم وكأنه ترداد لصدى الموقف الإيراني المعلن، والذي أراد لاريجاني أن يوصل من خلاله أكثر من رسالة، وأن يطلق أكثر من موقف. لكن الموقف الثابت، الذي ترك أثره العميق، هو أن طهران لا تزال موجودة في لبنان بقوة، وأن لكلمتها التأثير المباشر على مسرى الأحداث والتطورات على الساحة اللبنانية بعد قرار الحكومة، التي طلبت فيه من الجيش إعداد خطة أمنية – عسكرية لتسلّم سلاح "حزب الله".
وبين خطاب قاسم وخطاب القسم بون شاسع في النظرة المتفاوتة إلى دور الدولة في حفظ الأمن وبسط سلطتها على كامل التراب اللبناني بعد انسحاب إسرائيل الكامل والشامل، وبعد ترسيم الحدود البرية الجنوبية، وبعد توحيد الرؤية الوطنية المشتركة حول فكرة بناء دولة القانون والعدالة الاجتماعية، الدولة القوية بقواها الشرعية.
وانطلاقًا من هذه النقطة لم يفهم السامع لكلام قاسم ما قصده بأن "الرأي الغالب في لبنان يقول بأنه مع المقاومة ومع استمرارية المقاومة." فإذا كان المقصود بأن جمهور "حزب الله" هو الرأي الغالب فإن في قوله بعض من حقيقة غير مكتملة. فلا أحد يغفل ما في بيئة "الحزب" من تعاطف مع "المقاومة الإسلامية" كعقيدة قتالية في وجه عدو متغطرس. ولكن هذا لا يعني أن في هذا القول حقيقة مطلقة، لأن الشعب اللبناني بأغلبيته الساحقة قال كلمته، ولكنه لم يمشِ. وهذه الكلمة عبّر عنها مجلس الوزراء ، الذي يضم مختلف الطوائف اللبنانية، بما فيها الطائفة الشيعية، حتى ولو انسحب وزراؤها من جلستي 5 و7 آب، وكذلك فإن أغلبية الأحزاب اللبنانية ممثلة في هذه الحكومة، التي اتخذت قرارًا أعتبره الشيخ قاسم أنه "يجرد المقاومة وشعب المقاومة ولبنان من السلاح الدفاعي أثناء العدوان. هذا القرار الحكومي يعني تسهيل قتل المقاومين وأهلهم، وطردهم من أرضهم وبيوتهم. كان على الحكومة أن تبسط سلطتها بطرد إسرائيل أولًا. كان على الحكومة أن تعمل على حصرية السلاح بمنع الإسرائيلي أن يكون متواجدًا أو أن يكون سلاحه متواجدًا على الأرض. لكن هذه الحكومة تنفذ الأمر الأميركي - الإسرائيلي بإنهاء المقاومة، ولو أدى ذلك إلى حرب أهلية وفتنة داخلية. الحكومة تقوم بخدمة المشروع الإسرائيلي، أكانت تدري أم لا تدري".
عندما يسأل قاسم الحكومة كيف تقبل "تسهيل قتل شركائكم في الوطن"، فيه اتهام مباشر بجريمة لم تُرتكب، واتهام بمؤامرة مدّبرة من قِبل جميع الذين يطالبون بنزع سلاح "حزب الله".
أمّا قوله بأنكم "إذا كنتم تحسون بعجز، وأنتم كذلك، اتركوا العدو في مواجهتنا، ولا تتصدوا نيابة عنّا. لا نريد أن تتصدوا، ولا نريد أن تؤيدوا، ولا نريد أن ترفعوا شعار التحرير، ولا نريد أن ترفعوا شعار التصدي. اسكتوا فقط، اجلسوا جانباً، واتركونا نحن"، ففيه الكثير من حالات الانكار، التي لا يزال قادة "الحزب يحاولون تمريرها، فيما الواقع هو العكس تمامًا بالدلائل والوقائع الحسّية المثبتة بالأرقام وبحجم الخسائر التي مّنيت بها "المقاومة" منذ ما يقارب السنة. وما قبول "الحزب" بشروط اتفاق وقف إطلاق النار سوى التأكيد بأن شعار التصدي للعدوان الإسرائيلي هو شعار فارغ من مضامينه الواقعية.
وقد ذهب الشيخ قاسم في كلمته العالية السقف بعيدًا عندما وصف قرار الحكومة بـ "الخطير جدًا"، لأنها "خالفت فيه ميثاق العيش المشترك، وهي تعرّض البلد لأزمة كبيرة". وربط ذلك بـ "زجّ الجيش في فتنة داخلية"، بل أكثر من ذلك عندما تحدّث عن النزول إلى الشارع بقوله "إذا فُرض علينا النزول إلى الشارع فنحن لها، ونحن مستعدون لها، ولا خيار أمامنا، حينها تحصل تظاهرة بالشوارع، تعم لبنان، تذهب على السفارة الأميركية، تقوم بأعمال لها علاقة بنصرة الحق وإبراز الحضور والوجود. هذا يصبح أمرًا آخر، لوقته هو بالحسبان".
ولمن يريد أن يعرف موقف "حزب الله" قالها الشيخ قاسم بصريح العبارة "لن تسلم المقاومة سلاحها والعدوان مستمر والاحتلال قائم، وسنخوضها معركة كربلائية إذا لزم الأمر، في مواجهة هذا المشروع الإسرائيلي -الأميركي مهما كلفنا ونحن واثقون أننا سننتصر في هذه المعركة"... "فالحكومة اللبنانية تتحمّل كامل المسؤولية لأي فتنة يمكن أن تحصل، نحن لا نريدها، ولكن هناك من يعمل لها. تتحمل الحكومة اللبنانية مسؤولية أي انفجار داخلي، وأي خراب للبنان. تتحمل الحكومة اللبنانية مسؤولية في تخليها عن واجبها في الدفاع عن أرض لبنان وعن مواطنيها. لستم معذورين إذا تصديتم بهذه الطريقة، وأخذتم هذه القرارات، وأديتم إلى خراب البلد. قوموا بوظيفتكم في تأمين الاستقرار والدفاع عن لبنان، وحماية لبنان، وليس المشاركة في العدوان على مكون بأكمله، وعلى كل المؤيدين للمقاومة من مختلف الجهات والطوائف والمناطق. فلنكن معاً في بناء البلد، لنربح جميعاً. لا يُبنى البلد لمكون دون آخر. هذه أرضنا معاً، هذا وطننا معاً، نحيا بعزة معاً، ونبني سيادته معاً. أو لا حياة للبنان إذا كنتم ستقفون في المقلب الآخر، وتحاولون مواجهتنا والقضاء علينا، لا يمكن أن يُبنى لبنان إلا بكل مقوماته. إما أن يبقى ونبقى معاً، وإما على الدنيا السلام. وأنتم تتحملون المسؤولية، وعلى الله الاتكال".
في المقابل، وعود على بدء، تشير أوساط متابعة إلى أن لجوء الشيخ نعيم قاسم إلى هذه اللهجة التصعيدية هي من بين أدوات التفاوض، في محاولة منه لتعديل القرار الحكومي بما يتناسب مع وضعية الحفاظ على ماء وجه بيئته. والدليل ما ورد في نهاية كلمته عن توقيت النزول إلى الشوارع.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا