آخر الأخبار

من قال إنه ابن ثمانين؟

شارك
إنها المرّة الأولى التي أرى فيها ابن ثمانين سنة بهذه الهمّة وهذا النشاط كأنه لا يزال في العشرين من عمره. ترونه في كل مكان. تطلبونه تجدوه. هو "حاضر ناضر" في كل الساحات. لا تقع مشكلة إلاّ ويكون هو الحلّ. لا يكّل ولا يملّ. حماسة لا توصف. إقدام ما بعده إقدام. فروسية تحاكي الأجيال. في الحدود تراه جاهزًا. في الداخل "ملحّق" على كل شاردة وواردة. لا تحّل أي مشكلة إلاّ إذا تدّخل. مكافح وصبور. يقوم بواجباته كاملة حتى ولو أن "عين السلطة السياسية البصيرة لها يد قصيرة. هي مقصّرة معه، مع أنه لم يقصّر يومًا في القيام بكل ما يُطلب منه.

هو الجيش ابن الثمانين، الذي يضيء اليوم شمعته ما قبل المئة بعشرين، لا يزال في عزّ عطائه، محافظًا على شعاره "شرف، تضحية ووفاء"، فيما تخلّى كثيرون عن شعاراتهم، أو بالأحرى بدّلوها بحسب ما تمليه عليهم الظروف.

في كل هذه الساحات، التي تهتز أرضها من تحت خبطة أقدامهم، سمعنا أصواتًا كثيرة تئّن من الوجع، وهي لا تملك سوى صوتها فيما كان صوتها في الماضي خافتًا، ولم يعرف أصحابها سوى تأدية التحية وتنفيذ الأوامر تحت شعار معروف في المؤسسة العسكرية "نفذّ ثم أعترض"، وهم الذين كانوا يضعون أرواحهم على أكفهم، مدافعين بصدورهم العارية عن كل فرد من أفراد المجتمع، لكي يكون أمنهم آمنًا، ولكي يستطيعوا أن يناموا على وسائدهم مطمئنين، فيما غيرهم ساهرون، لا يغمض لهم جفن ولا يرمش لهم رمش، وأصابعهم على الزناد، متأهبين دائمًا لتبديد المخاوف ودحر شياطين الشر المتربصة بالوطن وأهله الهانئين المطمئنين إلى أن ثمة أعينًا مفتحة وحاضرة لرصد كل التحركات المشبوهة، التي يتربص "أهلها" بأهلهم شرًّا، ويضمرون لهم الأذية وكل أنواع الشرور.

في هذه الثمانين كم تخرّجت من مدرسة البطولة والعنفوان أجيالٌ، بعضهم ما زالت أيديهم على الزناد، مستعدين لبذل الغالي والرخيص لكي تبقى للوطن عزّته وكرامته وشهامته، ومنهم من لا يزال على قيد الحياة، ولكن خارج الخدمة الفعلية، وهم خميرة الخمائر في المجتمع، ومنهم من سبقنا إلى دار الحق، ومن بينهم شهداء نعتزّ بتضحياتهم الغالية، التي أزهرت بلسمًا لكل الجروح والجراحات.
في هذا العيد، الذي نقف فيه مرّة من بين الكثير من المرّات، نتذكرّ هذا الكمّ الهائل من التضحيات، التي بذلت من قبل جنود مجهولين لم يكونوا ينتظرون عندما أقدموا وبذلوا أنفسهم تنويهًا أو وسامًا أو مكافأة ما، لأن ما يبذل نفسه عن أبناء وطنه يكون في أسمى درجات الإمحاء والبطولة، التي لا يفهمها سوى الشهداء الأحياء، الذين إما فقدوا بصرًا أو يدًا أو رجلًا، وهم لا يزالون يحملون عياءهم بصبر وإيمان بأن ما بذلوه لم يذهب سدى.

في هذا العيد، الذي هو عيد كل لبناني مؤمن بأن وطنه هو الأولوية، وله وحده يكون الولاء، نتوجه إلى قيادة الجيش وضباطها ورتبائها وعناصرها بتحية إكبار، ليبقى للشرف والوفاء والتضحية مكانًا خاصًا في حياتنا اليومية.

ونخصّ بالتحية كل أم شهيد ذرفت الدموع على فقدها فلذات الأكباد، وننحي أمامهن بجلل وخشوع، لأنهن أعطين للوطن أغلى ما عندهن. كل عام ولبنان وجيشه بألف خير.

وهذا الخير لا يأتي إلاّ إذا تُرك هذا الجيش يقوم بما لا يزال مطلوبًا منه القيام به. المهمات كثيرة. وعلى رأس هذه المهمات حصر السلاح بيد الدولة، الذي يُعد المطلب الأول والأكثر إلحاحًا لدى غالبية اللبنانيين. إذ لم يعد مقبولًا بالنسبة إلى الكثيرين أن يبقى أي سلاح، وبالأخصّ سلاح " حزب الله "، خارج إطار الشرعية.

المطلوب من الحكومة إطلاق يده الجيش لتنفيذ استراتيجية دفاعية واضحة يكون فيها الجيش الجهة الوحيدة المسؤولة عن حماية الحدود ومواجهة التهديدات الخارجية، وأن يُسمح له بضبط السلاح المتفلت داخليًا، وألاّ تعترض طريقه أي معوقات عندما يقرّر إحكام سيطرته الكاملة على حدوده الشرقية والشمالية، التي لطالما كانت ممراً للتهريب والخرق الأمني.

المطلوب من ابن الثمانين أكثر من أي شيء آخر ضرب الخلايا الإرهابية النائمة وفق خطط استباقية، وبالتالي حماية السلم الأهلي ومنع الفتن الطائفية أو المناطقية.

فاللبنانيون، جميع اللبنانيين، ينظرون إلى الجيش كآخر حصن وطني يحظى بثقة عابرة للطوائف والانتماءات. لكنهم في الوقت عينه ينتظرون أفعالًا لا أقوالًا، خصوصًا في ما يتعلق بحصر السلاح وضمان السيادة، لأنهم يعلمون أن لا دولة قابلة للحياة من دون جيش هو مرجعها الأول والأخير في الأمن والدفاع، خصوصًا بعد الكلام المهم لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، الذي وضع من خلاله اصبعه على الجرح النازف.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا