بينما تتّجه الأنظار إلى جلسة الحكومة
اللبنانية يوم الثلاثاء المقبل، والتي ستتناول بندًا طالما كان محرّمًا في النقاش الرسمي: حصرية السلاح بيد الدولة، يبدو أنّ
الأمين العام لـ"
حزب الله " الشيخ نعيم
قاسم اختار مرّة أخرى أن يتقدّم بخطوة استباقية في المعركة السياسية، عبر خطاب مرتفع النبرة رفع فيه السقف إلى الحدّ
الأقصى المُتاح، في مواجهة الأميركي والإسرائيلي، ولكن أيضًا الداخل "المتماهي معهم" بصورة أو بأخرى.
في الشكل، لم يأتِ قاسم على ذكر الجلسة المرتقبة بصورة مباشرة، متفاديًا أي إشارة إلى السجال السياسي أو المسار الحكومي، لكن المضمون كان صريحًا في مضمونه ومحمولاته، فهو بدا بمثابة رفض لأيّ نقاش حول سلاح الحزب في الوقت الحاليّ، على الأقلّ قبل وقف العدوان
الإسرائيلي المستمرّ رغم اتفاق وقف إطلاق النار، بل اعتبار أيّ دعوة لتسليم السلاح الآن، أيًا كان قائلها، بمثابة "خدمة للمشروع الإسرائيلي"، على حدّ تعبيره.
لم يكتفِ الشيخ قاسم بذلك، بل صوّب على الدولة اللبنانية مباشرةً، كما لم يفعل منذ تولّيه الأمانة العامة، ومن دون تمييزٍ اعتاد عليه بعض قياديّي الحزب بين رئيسي الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام، معتبرًا أنّ على الدولة واجبات لم تقم بها بعج، لجهة وقف العدوان الإسرائيلي وإطلاق عملية الإعمار، فكيف تُفهَم "رسائل" الخطاب عمليًا، وهل تفرغ جلسة الثلاثاء الحكومية من مضمونها، وأيّ مصير لها في ضوء كلّ ذلك؟!
"رسائل مبطنة".. لا تحتمل اللبس
صحيح أنّ الشيخ قاسم اختار أن يتحدّث بلغة الرسائل المبطّنة، إن صحّ التعبير، فتجنّب الإشارة مباشرة إلى جلسة الحكومة المرتقبة يوم الثلاثاء، بما يفسح في المجال ربما أمام الاتصالات والوساطات من أجل التوصّل إلى صيغة توافقية تخرج بها، إلا أنّ ما أراد قوله للقاصي والداني لم يكن عصيًّا على الفهم السياسي، خصوصًا أنّ سقف الخطاب كان الأعلى على الإطلاق منذ تولّى الأمانة العامة للحزب خلفًا للشيخ قاسم قبل أشهر غير قليلة.
بهذا المعنى، كرّر الشيخ قاسم "الثوابت" التي يؤكّد عليها الحزب منذ اتفاق وقف إطلاق النار، وخصوصًا منذ بدء ما يعتبرها "بروباغندا" حول سحب السلاح، فأكد أنّ هذا الملف ليس الأولوية اليوم، وبالتالي فإنّ ثمّة أولويات أخرى يجب أن تهتمّ بها الدولة، قبل الرضوخ للشروط الأميركية والإسرائيلية، ومنها الضغط من أجل وقف إطلاق النار، بدل الانصياع مثلاً لضغوط الموفد الأميركي الذي لا يتردّد بالقول إنّه لا يستطيع إعطاء
لبنان أيّ ضمانات.
وقد يكون لافتًا في هذا السياق، الهجوم الذي شنّه الشيخ قاسم على كلّ من يطالب بتسليم السلاح في الوقت الحالي، بغضّ النظر عن هويّتهم أو خلفياتهم السياسية، وكأنّه يشمل في ذلك بعض الأقربين، أو ربما أولئك الذين احتضنهم في الأشهر الأخيرة، وهو تصعيدٌ يعكس في مكان ما حرص الحزب على حماية ما يعتبره ركيزة أساسية لاستراتيجية السياسية والأمنية، وتأكيدًا على رفض أيّ نقاش قد يؤدي إلى تقويض قدرته العسكرية، التي اعتبرها "قوة للدولة".
أيّ انعكاسات على جلسة الحكومة؟
عمومًا، حتى لو تجنّب الأمين العام لـ"حزب الله" الإشارة إلى جلسة الحكومة المفترضة يوم الثلاثاء من قريب أو من بعيد، فإنّ الرسائل التي أراد إيصالها لا يمكن أن تُقرَأ بمعزل عن هذه الجلسة، التي يبدو واضحًا أنّ الحزب لا ينظر إليها بعين الراحة، لكونها تأتي من وجهة نظر المؤيدين له، بمثابة خضوع للضغوط الأميركية، كما أنّها تجد "قوة دفع داخلية" عبّر عنها بوضوح
رئيس حزب "
القوات اللبنانية " سمير جعجع مثلاً، الذي بدا كمن يدفع نحو المواجهة.
وفي وقت تبدو الجلسة اختبارًا حقيقيًا للقدرة على التوافق بين القوى السياسية، لا سيّما أن ملف السلاح لطالما شكّل نقطة احتكاك رئيسية، سواء داخليًا أو خارجيًا، لا سيّما مع الضغوط الإقليمية والدولية، فإنّ رفع "حزب الله" لسقف الخطاب بهذا الشكل، يكرّس انقسامًا عموديًا في المقاربات والقراءات، حتى إنّ هناك من يعتبر أنّه يفرغ هذه الجلسة من مضمونها سلفًا، رغم كل الحديث عن مساعٍ تُبذَل للوصول إلى صيغة توافقية، لا تفجّر الحكومة.
وثمّة من يرى أنّ هذا الموقف يضع القوى السياسية الأخرى أمام معادلة صعبة، فإذا كان "حزب الله" الذي يشكّل جزءًا لا يتجزأ من الحكومة، يتعامل مع السلاح بوصفه "خطًا أحمر"، فإنّ ثمّة مكوّنات أخرى في الحكومة تتعامل معه "على النقيض"، وتصرّ على أنّ المطلوب اتخاذ قرار واضح وصريح بسحبه، أيًا كانت الكلفة، وهو ما يزيد الخشية من الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة قد تؤدي بحدّها الأدنى إلى شلل مؤسساتي متزايد، ليس في مصلحة أيّ فريق حاليًا.
يتّضح من خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" أنّ الحزب مصرّ على موقفه الثابت حول سلاحه، ويرفض أيّ نقاش بشأنه قبل تحقيق شروط الحدّ الأدنى أي وقف العدوان الإسرائيلي وبدء عملية الإعمار، في معادلة تبدو "معاكسة" لتلك التي يحاول
المجتمع الدولي تكريسها، عبر وضع تسليم السلاح "شرطًا" للإعمار.وفي ظل غياب رؤية موحدة بين الأطراف، تبدو الحكومة على شفا أزمة قد تُهدد بقاءها، خاصة إذا ما فشلت في تجاوز الخلافات حول ملف السلاح الذي بات نقطة التقاء وقطيعة في آن معًا.