يُقال بأنه سيكون لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون اليوم، ولمناسبة العيد الثمانين للجيش، كلمة مهمة. الخبر أكثر من صحيح، وأكثر من دقيق. فالمناسبة عزيزة على قلبه، وهو الذي تخرّج من صفوف المؤسسة العسكرية ملازمًا أول، وتدرّج في صفوفها حتى وصوله إلى قيادة الجيش ، قبل أن يتمّ التوافق على انتخابه رئيسًا للجمهورية بعد فراغ طويل في السدّة الرئاسية.
فللمرّة الأولى يتوجّه فيها الرئيس العماد إلى الجيش في عيده وهو خارج صفوفه، ولكن هذه المرّة بصفته القائد الأعلى للقوى المسلحة. وبهذه الصفة سيخاطب كل عنصر من هذه المؤسسة، التي خدم فيها سنوات طويلة. وهذه هي أهمية الكلمة المنتظرة اليوم.
ولكن ما ليس منتظرًا في المنظور السياسي هو ألاّ يكون لهذا الكلام الوقع التعبيري ذاته الذي أحدثه خطاب القسم، وما تلا هذا القسم من كلام يومي يطلقه رئيس الجمهورية خلال استقبالاته اليومية، أو خلال زياراته الخارجية، التي لم تثمر بعد، ولم تقدّم للبنان ما يطمئن أبناءه إلى غدهم، الذي لا يزال يبدو قاتمًا.
ويقول بعض العارفين والمطلعين بأن ما قاله الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك في آخر تصريح له عن أن "الكلام لم يعد يكفي وحده"، يؤكد بما لا يقبل الشكّ أو الجدل بأن المطلوب من المسؤولين اللبنانيين هو أكثر من كلام منمّق ومصاغ جيدًا، ومنتقاة كلماته بتأنٍ. المطلوب اتخاذ قرارات حاسمة. المطلوب منهم أن يلتزموا بكل كلمة تخرج من أفواههم، وألاّ تبقى حبرًا على ورق.
ويسأل السائلون عمّا يمكن أن يقوله رئيس الجمهورية في عيد الجيش أكثر مما سبق له أن قاله، سواء في خطاب القسم، أو في أي مناسبة أخرى؟ وماذا يمكن أن يحمله أي كلام آخر من جديد ما لم يقترن هذا الكلام بالأفعال؟ وليس المقصود بالطبع بهذه الأفعال سوى أمر واحد بالنسبة إلى
الأميركيين وغيرهم ممن يعني لهم كثيرًا أن يكون
لبنان مستقرًّا وآمنًا، وفي طليعتهم الأشقاء العرب في الخليج العربي. وهذا الأمر ليس سوى الجرأة في مواجهة "
حزب الله " بالحقيقة المطلقة، وهي أنه بسلاحه قد استجلب على لبنان عمومًا، وعلى المناطق التي معظم أهلها من الطائفة الشيعية خصوصًا، "عظائم" الأمور والويلات والكوارث. وإذا أصرّ على الاحتفاظ بهذا السلاح فإن الآتي، على ما "يبشرّنا" به السيد برّاك، سيكون كارثيًا، ليس فقط على المناطق التي كانت هدفًا لعدو غاشم، بل سيكون لبنان كله معرّضًا لمواجهة كل الاحتمالات.
فمهما اجتهد المجتهدون، وهم كثر بصفتهم الاستشارية في القصر
الجمهوري ، في تنميق أجمل الكلام، الذي يتناسب مع المناسبة، وهي تعني الكثير لجميع اللبنانيين على مختلف مشاربهم وطوائفهم وانتماءاتهم السياسية، فلن يستطيع هؤلاء المستشارون الوصول إلى الحدّ الأدنى من المواقف التي أعلنها العماد جوزاف عون، في أول إطلالة رئاسية له، والتي لم تُترجم حتى الساعة إلى أفعال.
فما سيقوله اليوم
الرئيس عون مهم بالتأكيد وما لم يقرن بالأفعال فإن الوضع سيبقى على ما عليه كاحتمال مقبول نسبيًا، خصوصًا أن بعض المتشائمين أو القارئين الجيدين في الكتاب الأميركي يرون أنه إذا لم يتمّ تسليم سلاح "حزب الله" أو أي سلاح آخر فإن لكل مقال مقامًا. أو بمعنى أوضح، وهذا ما قاله برّاك لجميع الذين التقاهم في زيارته الأخيرة لبيروت، أنه إذا كنتم غير قادرين على القيام بهذه "المهمة"، فإن
إسرائيل تنتظر بفارغ الصبر للقيام بما تعجزون على القيام به. فما يمكن أن يتحقّق من دون أن تُهدر نقطة دم واحدة إذا أُحسن التصرّف، أو إذا قُدّر لقيادة "حزب الله" أن تتدبّر أمورها بنفسها من دون أن يأتيها أي تلميح من وراء الحدود، أو أن تُترك لكي تتأخذ القرار، الذي يتناسب مع وضعيتها
اللبنانية الصرفة، وأن تأخذ في الاعتبار المصلحة اللبنانية أولًا، ومصلحة بيئتها المتضرّرة أكثر من غيرها ثانيًا، وأن تعود إلى كنف الدولة، التي ستبقى الضمانة الأكيدة والوحيدة لوحدة اللبنانيين وتضامنهم ضد أي تهديد خارجي أو داخلي.