كتب مايز عبيد في" نداء الوطن": في بلدٍ كلبنان وأمام رئيسين كجوزاف عون ونبيه
بري ، لا يمكن لأي رئيس ثالث أن يكون بلا مخالب.
كان واضحًا من جلسة تعيين حاكم
مصرف لبنان كريم سعيد أنها لم تكن تفصيلًا عاديًا في سجلّ الحكومة، بل لحظة كاشفة لموازين القوى داخل
مجلس الوزراء . ففيها، تمّ التصويت على كريم سعيد حاكمًا للمصرف المركزي، بعكس إرادة رئيس الحكومة نواف سلام، ما شكّل انتصارًا سياسيًا واضحًا لرئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي كان يحاول اختصار كل
العهد بشخصه.
لاحقًا، تظهّر الدعم السعودي لسلام بزيارة رسمية إلى
المملكة ، اتّخذت مشهدًا رمزيًا لافتًا عبر أداء الصلاة إلى جانب ولي العهد
محمد بن سلمان. غير أن هذه الجرعة المعنوية لم تترجم إلى خطوات داخلية أو إنجازات سياسية، وظلّ رئيس الحكومة بلا تأثير حقيقي في موازين الحكم.
ما يحمي أي رئيس حكومة في المعادلة السياسية
اللبنانية ، شرطٌ من اثنين: قاعدة شعبية وسياسية صلبة تُترجم بكتلة نيابية داعمة، أو قدرة تنفيذية على تطبيق القوانين وتحقيق مشاريع ملموسة لصالح الدولة والشعب.
حاول ويحاول سلام، تشكيل فريق وزاري ونيابي وإعلامي من مشارب متعددة. لكن الواقع يُظهر أنه عاجز حتى اللحظة عن المبادرة والتجميع، وأنه محاط بحلقة ضيّقة لا تملك أدوات التأثير في الساحة، وقد بدأت تجربته الحكومية تأكل من رصيده القضائي الذي بناه لسنوات.
أصبحت أيام حكومة سلام أشبه بفترة مستقطعة تعدّها الأوساط السياسية والشعبية بالأيام والأسابيع حتى موعد الانتخابات
القادمة ، حيث يتوق الجميع إلى تغيير يعيد للحكومة دورها وحضورها الفاعل.
ومن المفارقة أن حكومة سلام قابلة للانفجار الداخلي في أي لحظة. فهي عاجزة أمام "
الثنائي " عن تطبيق قرار حصر السلاح بيد الدولة. فبمجرد طرح هذه الفكرة في المجلس سيخرج وزراؤه من الحكومة ويطيّرها بحجة الميثاقية. كما أنه، ما الذي سيجبر أحزاباً كـ "
القوات اللبنانية " والكتائب، على البقاء في الحكومة من هنا حتى موعد الانتخابات وهي لا تتخذ قرارًا واضحًا بحصر السلاح؟
في النهاية، لا يمنح الرأي العام ثقته إلا لمن يملك قرارًا ويقدّم إنجازًا. وبين الرئاستين الأولى والثانية، يبدو أن رئاسة الحكومة بدأت تتلاشى في الظل، ما يطرح سؤالًا أكبر: هل دخلنا مرحلة الشغور المقنّع في السراي؟