نتائج المحادثات التي أجراها المبعوث الأميركي توم برّاك في بيروت يقيت في واجهة الاهتمام اللبناني والاقليمي، وكان اللافت انه بعد ساعات على مغادرته لبنان ، استأنف العدو الإسرائيلي عدوانه عبر سلسلة غارات استهدفت عدداً من القرى في الجنوب، في تصعيد عسكري ربطته مصادر سياسية بفشل المفاوضات بين براك والمسؤولين اللبنانيين بعد رفض لبنان وضع جدول زمني لسحب سلاح حزب الله شمالي الليطاني من دون ضمانات حقيقية، مقابل رفض براك تقديم ضمانة للانسحاب الإسرائيلي من الجنوب.
براك سيعقد اليوم لقاءات مع مسؤولين فرنسيين تتناول نتائج زيارته الى لبنان والرد الذي تسلمه من رئيس الجمهورية جوزاف عون على الورقة الاميركية. واسارت" اللواء" الى انه سيجتمع مع الموفد الفرنسي جان ايف لودريان لوضعه في حصيلة زيارته للبنان والبحث في مجمل الملفات
اللبنانية التي يتابعها الطرفان، ومن بينها ملف التجديد لقوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان «اليونيفل»، في ظل وجود تباين في موقفي البلدين، اذ تسعى فرنسا للإبقاء على هذه القوات وفق ما هي حالياً، في حين تميل الولايات المتحدة الى الموقف الاسرائيلي الساعي الى تقليص عددها وحصر مهامها وصولا الى سحبها اذا امكن.
ولا تستبعد مصادر مواكبة امكان عودة لودريان الى بيروت متابعة للأوضاع، في وقت غير بعيد.
ونقلت" نداء الوطن" عن مصادر متابعة أن الرد
اللبناني على ورقة براك جاء مخيّبًا للآمال، والسبب مواصلة الدولة سياسة الهروب إلى الأمام وتمييع تحديد جدول زمني لتسليم السلاح غير الشرعي. هذا الملف، سيحضر بقوة على طاولة البحث بين براك والجانب الفرنسي بالإضافة إلى ملف التجديد لقوات "اليونيفيل" العاملة في جنوب لبنان وسط تباين واضح في موقفي البلدين.
توازيًا، أشارت مصادر متابعة إلى أن الموقف العربي يتماهى بشكل كبير مع الموقف الأميركي، فالدول العربية مستعدة لمساعدة لبنان ومد يد العون لكن على لبنان القيام بالخطوات المطلوبة، وبالتالي لا مساعدات ملموسة واستراتيجية من دون حصر السلاح بيد الدولة والقيام بالإصلاحات المطلوبة. وتبدي المصادر خشيتها من الأحداث القادمة خصوصًا إذا أصرت
إسرائيل على استكمال مخططاتها، وسط استمرار "حزب الله" بالتمسك بموقفه برفضه تسليم السلاح.
وكتبت" الاخبار":يبدو أن حصيلة الزيارات الثلاث صارت كافية ليتم التعرف إلى موقف الرجل من اللاعبين المحليين. في الشقّ الرسمي، لم يُظهِر الرجل خشية في الإعلان بأنه يجد في نبيه بري العنوان الوحيد للبحث الذي يمكن الخروج منه بنتيجة. والأمر لا يتعلق فقط بكون
بري هو الناطق باسم البيئة الحاضنة لحزب الله، بل لأن برّاك يعرف قبل وصوله إلى لبنان، أن بري قد يكون آخر السياسيين المحنّكين في لبنان. وبرّاك، المحامي ورجل الصفقات، يجد في بري شريكاً ممكناً في صفقة كبرى.
لكنّ للمسؤول الأميركي رأيه الخاص في بقية المسؤولين في الدولة. وربما بات لديه رأيه بالعاملين مع الرؤساء وليس بالرؤساء فقط. أمّا بقية اللقاءات التي عقدها على هامش زيارته، فهي تندرج – كلّها – ضمن برنامج العلاقات العامة الخاصة بالسفارة الأميركية في بيروت. كان الرجل يلبّي طلبات
وزارة الخارجية ممثّلة بالسفارة في بيروت، لكون عوكر تبذل الجهد الكبير في جعل رجالاتها اللبنانيين على قدر الآمال.
وإن كان برّاك بدا ضيّق الصدر في بعض هذه اللقاءات، وكان يستعجل الانتهاء منها. وحتى في لقاءاته الإعلامية، كاد صبره ينفد ويرتفع صوته عندما وقع خطأ الترجمة في مقابلته مع قناة «الجديد»، إذ إن من كان يتولى نقل الترجمة بينه وبين الزميل جورج صليبي، كان يوقع الرجل في مواقف لا تعبّر عما قاله، فاضطر إلى رفع الصوت أكثر من مرة. وتقرّر على إثر ذلك إعادة «منتجة» المقابلة، ما أخّر بثها لأكثر من ساعة عن التوقيت المُقرّر.
في نقاشه الموسّع مع بري، وصل برّاك إلى الاجتماع، وفي جعبته بعض الملاحظات المُسبقة، سواء تلك المُجمَّعة من فريق السفارة في بيروت، أو تلك التي جمعها شخصياً، بما في ذلك جولته غير المُعلنة على قرى حدودية في الزيارة السابقة.
لكنّ بري الذي أتيح له الاطّلاع على تفصيل ما دار بين برّاك والرئيسين عون وسلام قبل يوم، سارع إلى إعداد سيناريو للحديث، بما لا يتيح للرجل إدارة الحوار وفق قواعده.
وكان بري شديد المباشرة والوضوح، وقدّم له عرضاً بالوقائع لما قامت به إسرائيل ضد لبنان وضد حزب الله منذ الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، قائلاً: «تعرف، أن إسرائيل قُتل لها جندي في هذه الفترة نتيجة انفجار في إحدى القرى الحدودية، لكنها قتلت أكثر من مئتي لبناني بينهم مقاتلون في حزب الله.
وهي قصفت في كل لبنان، من جنوب نهر الليطاني إلى بقية الجنوب، مروراً بالضاحية الجنوبية وطريق عام صيدا – بيروت، وصولاً إلى البقاع والشمال أيضاً.
وهي تفعل ذلك من دون أن يردّ عليها حزب الله برصاصة واحدة، فيا مستر توم، هل تعتقد أن ما تقوم به إسرائيل، يسمح لأحد القول إنها تريد حقاً وقف إطلاق النار، وعندما ترفض الانسحاب من النقاط المحتلة، وتواصل اعتقال لبنانيين، كما تواصل خروقاتها البرية والجوية والبحرية، وتمنع أبناء القرى الحدودية من الوصول إلى حقولهم، أو إلى ما تبقّى من منازلهم... هل إسرائيل هذه يمكن الوثوق بها، وماذا أنتم فاعلون معها حتى نقول إن الاستقرار حاصل؟».
وقبل أن يستمع بري إلى جواب ضيفه، أكمل: «أنت الخبير في ملف
سوريا ، وما يحصل هناك، سواء ما سبق أن حصل في قرى الساحل السوري، أو ما يحصل حالياً في السويداء، حيث المجازر التي تُرتكب على أيدي مجموعات منظّمة أو مفكّكة، ألَا ترى في ذلك ما يعزّز المخاوف في لبنان، خصوصاً أنه لا يوجد أيضاً من يضمن عدم توجّه هؤلاء المسلحين إلى لبنان؟».
بينما كان فريق برّاك يدوّن الأرقام والتواريخ والملاحظات، كان بري يستعدّ لجملته المفتاحية: من يمكن له أن يتحدّث عن نزع السلاح في ظل هذه الأوضاع؟
لم يكن برّاك ليتوقّع أن يسمع من بري كلاماً فيه أنه هو أو حزب الله وافقا على برنامج سحب السلاح طواعية خلال فترة أشهر، ثلاثة أو ستة أو تسعة. لكنّ برّاك، كان يريد أن يلتقط ما يمكن وصفه لاحقاً بالثمن الذي يريده «شيعة لبنان مقابل السلاح»!.
ولفتت مصادر سياسية لـ»البناء» الى أن برّاك سبق ووجه أكثر من رسالة تهديد بعودة التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان بحال لم يلتزم وضع مهلة زمنية لتسليم السلاح، وذلك بقول برّاك في تصريحاته الأخيرة خلال لقاء مع صحافيين لبنانيين من لونٍ واحد، إنه لا يضمن «إسرائيل» وليس وسيطاً بل جاء بطلب لبنان للمساعدة لإيجاد الحلول. وتوقعت المصادر تصعيداً إسرائيلياً خلال الأسبوعين المقبلين حتى عودة براك الى لبنان بزيارة رابعة، وذلك لمفاوضة لبنان تحت النار حتى التوصل الى اتفاق مع «إسرائيل» بالشروط
الإسرائيلية .
وشددت جهات رسمية على أن الموقف الرسمي اللبناني موحد وجامع لرئيس الجمهورية ورئيسي المجلس النيابي والحكومة، ويُعبَر عنه بالورقة التي سلمها رئيس الجمهورية لبرّاك والاقتراحات العامة والشاملة التي شرحها الرئيس نبيه بري الى المبعوث الأميركي والتي تتطابق مع العناوين والمسلمات الوطنية في ورقة رئيس الجمهورية، وهذا ما ناقشه براك والسفيرة الأميركية وخبراء أميركيون مع مستشار بري علي حمدان مساء الأربعاء في عين التينة. ومن المتوقع أن يناقش براك الموقف اللبناني والاقتراحات مع المسؤولين الإسرائيليين خلال لقاءاته في تركيا لرعاية مباحثات ومفاوضات بين مسؤولين إسرائيليين وآخرين سوريين.
وكتبت" الديار": المعلومات المسربة حول المذكرة الاميركية تجعل منها وثيقة استسلام مهينة، وهي مؤلفة من 3 فصول، العلاقة مع» اسرائيل»، العلاقة مع سوريا، والاصلاحات، مع تهديد لبنان بالعقوبات، «والعصا» الاسرائيلية، اذا لم ينفذ ما هو مطلوب منه، فيما اكتفت المذكرة بالحديث عن» توبيخ» «اسرائيل» اذا لم تلتزم. مع وعد بزيادة مئة دولار لافراد وضباط الجيش اذا قامت المؤسسة العسكرية بواجباتها؟! هذه المطالب التعجيزية، التي تتحدث عن تسليم السلاح، مع ايراد الانواع وتحديدها، على ان يقوم الجيش بتوثيق عملية التخلص منها، يضاف اليها حوافز اميركية تقضي برفع تجميد اصول لبنان وارصدته في الخارج، كذلك اصول المصرف المركزي، علما ان احدا لم يتحدث عن حصول تجميد لـ 35 في المئة من ذهب لبنان، الموجود في اميركا، او ال11 مليار دولار الموجودة عند المصارف المراسلة في نيويورك، وهذا يحتاج الى توضيحات رسمية عاجلة. وفي الخلاصة، المطلوب من لبنان الاستسلام، دون ضمانات، لكن لا تشمل المذكرة اي مهل محددة. وفي هذا السياق، وعد براك بالعودة إلى لبنان او الاجابة على افكار الرئيس نبيه بري عبر السفارة الاميركية، وذلك بعد استشارة «اسرائيل». وهو سمع كلاما واضحا انه اذا لم تلتزم «اسرائيل» بوقف النار، فان طرح ملف السلاح صعب داخليا.