آخر الأخبار

المقاعد الستّة.. فتيل نزاع لتطيير الانتخابات؟

شارك
يعود إلى الواجهة الجدل المزمن بشأن تعديل قانون الانتخاب ، خصوصًا في ما يتعلق بدور اللبنانيين غير المقيمين. فالخلاف لا يدور فقط حول كيفية تصويتهم، بل حول فلسفة التمثيل، ومبدأ المساواة، وتوازن القوى داخل النظام السياسي اللبناني الطائفي والمعقد.

ووفق جدول أعمال الجلسة العامة المقررة اليوم، لناقشة وإقرار جدول اعمال يتراوح عدد بنوده بين 9 و 12 مشروع واقتراح قانون، يغيب قانون الانتخاب، إلا أن الترقب سيد الموقف لما ستكون عليه الجلسة لا سيما وان نواب أحزاب القوات اللبنانية والكتائب التقدمي الاشتراكي ونواب الارمن ، والتغيير والمعارضة تقدموا في 9 أيار 2025، باقتراح قانون معجل مكرر لتعديل قانون الانتخاب وإلغاء المقاعد الستة المخصصة للمغتربين مقابل السماح لهم بالاقتراع في مكان قيدهم أي أن يصوّت كل ناخب للمقاعد المخصصة لدائرته، إلا أن الرئيس نبيه بري ارتأى ان لا يوضع الاقتراح على جدول الأعمال

ينص قانون الانتخاب رقم 44/2017 في المادة 122 على تخصيص ستة مقاعد نيابية لغير المقيمين، يتم إضافتها إلى عدد مقاعد مجلس النواب ليصبح 134 نائبًا في الدورة التالية للأولى التي يُطبَّق فيها هذا القانون. وفي الدورة اللاحقة، يتم خفض عدد مقاعد المجلس إلى 128 من خلال سحب المقاعد الستة من الطوائف ذاتها التي مُثّلت في الاغتراب، وفق آلية يُفترض أن تُحدد بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء .

أما المادة 112، فتُحدد توزيع هذه المقاعد الستة على أساس جغرافي (قارات)، وهو ما يخلق قيدًا واضحًا على حرية اقتراع المغتربين، الذين يُفترض أن يصوّتوا لمرشحين لا علاقة لهم بمناطقهم أو توجهاتهم السياسية الأصلية، بل فقط لانتمائهم الطائفي وموقعهم الجغرافي في المهجر.

لكن الواقع التشريعي تغيّر بفعل التأجيلات المتكررة لتنفيذ هذه المواد. ففي انتخابات 2018 و2022، صوّت اللبنانيون المنتشرون في دول العالم للمرشحين في دوائرهم الأصلية في لبنان ، ما مكّنهم من التأثير فعليًا في نتائج الانتخابات في أكثر من دائرة.

تقنيًا، حصر تصويت المغتربين بستة نواب يُفقدهم الكثير من قدرتهم على التأثير، تقول مصادر سياسية فتوزيعهم الجغرافي لا يراعي حجم الكتل الانتخابية الفعلية في الخارج، ولا التنوع الطائفي أو السياسي للمغتربين. فمثلًا، قد يتركّز آلاف الناخبين اللبنانيين في دولة واحدة دون أن تكون لهم أي خصوصية في التمثيل ضمن "مقعد القارة"، ما يحد من فعالية التصويت ويجعله أقرب إلى الطابع الرمزي منه إلى التمثيل الواقعي.

أضف إلى ذلك، أن اعتماد القيد الطائفي في اختيار نواب الاغتراب الستة يتناقض مع المنطق المدني لتمثيل المغتربين، ويفتح المجال للمحاصصة السياسية على حساب الكفاءة، أو الديناميكية الانتخابية الحقيقية التي أظهرها الناخب اللبناني في الخارج خلال السنوات الماضية.

في المشهد السياسي، ينقسم الفاعلون إلى معسكرين: المعسكر المؤيد لتعديل القانون: يضم قوى حزبية وتغييريين يرون أن حصر المغتربين بستة نواب فيه تقليص متعمد لصوت الانتشار. هؤلاء يطالبون بالعودة إلى ما جرى في 2018 و2022: تمكين المغترب من التصويت للمرشحين في دائرته الانتخابية الداخلية، وليس فقط لنواب الاغتراب. حجتهم أن المواطنة لا تتجزأ، وأن اللبناني في الخارج له من الحق ما للمقيم تمامًا، وأن الأصوات المغتربة شكّلت فرصة للتجديد السياسي وكسر الاحتكار. المعسكر الرافض لتعديل القانون: يضم قوى أساسية متمسكة بصيغة الستة نواب، معتبرة أن توسيع اقتراع المغتربين يشكّل خللًا في التوازن السياسي الداخلي. تعلل هذا الموقف بكون بعض الأحزاب غير قادرة على العمل بحرية في الخارج بسبب تصنيفات أمنية أو سياسية، ما يُفقدها تكافؤ الفرص في الحملة الانتخابية، كما تشير إلى الضغوط السياسية والإعلامية التي قد تمارسها دول مضيفة على الناخبين.

وفيما ينص الدستور على المساواة بين المواطنين ويدعو إلى احترام حقوقهم السياسية. ومن هذا المنطلق، فإن حصر اقتراع فئة من المواطنين (أي المغتربين) بعدد محدد من النواب، بينما يتمتع المقيمون بحق التصويت لكل مقاعد المجلس، يمكن اعتباره تمييزًا سلبياُ، تقول المصادر نفسها. لكن في المقابل، يرتكز النظام اللبناني على توازنات طائفية دقيقة، ما يجعل بعض الأطراف تعتبر أن أي تعديل قد يؤدي إلى اختلال في هذا التوازن.

يطرح ذلك إشكالية دستورية في قلب النظام اللبناني: كيف نوازن بين مبدأ المساواة الفردية ومبدأ العدالة الطائفية في التمثيل؟

يُتداول اليوم باقتراح قانون معجّل مكرّر، مقدم من عدد كبير من الكتل النيابية، يدعو إلى تعديل المواد المتعلقة باقتراع المغتربين وإلغاء المقاعد الستة المخصصة لهم، بهدف تثبيت حقهم في التصويت للدوائر الـ15 في لبنان. وإذا طُرح هذا الاقتراح على الجلسة العامة، فقد يؤدي إلى تغيير جذري في بنية المشاركة السياسية للانتشار اللبناني. إلا أن السير بهذا التعديل سيواجه معارضة شرسة من الكتل التي ترى فيه تهديدًا استراتيجيًا، ما قد يعطل إقراره أو يدفع باتجاه تسوية وسطية

وعليه فإن السجال حول حق المغتربين في التصويت ليس مسألة فنية أو إجرائية، بل هو مرآة لصراع أعمق حول مستقبل التمثيل النيابي، وعلاقة الدولة بالانتشار، وحدود النظام الطائفي اللبناني. وبين من يرى في الاغتراب فرصة لبناء دولة مدنية أكثر شفافية، ومن يرى فيه تهديدًا لمواقع نفوذ مكتسبة، تبقى المعركة الدستورية والقانونية والسياسية مفتوحة على احتمالات كثيرة والخطر يبقى قائماً من امكانية تطيير انتخابات ايار العام 2026.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا