آخر الأخبار

أخطر ما في الحرب الإسرائيلية – الإيرانية أنها لم تنتهِ

شارك
في الوقت الذي أعلنت فيه كل من إسرائيل وإيران انتصارهما في الحرب الأخيرة التي اجتاحت المنطقة، فمن هو الخاسر في النهاية إذا كانت كل من تلك الدولتين المتصارعتين بأقوى العتاد العسكري وأكثرها فتكًا ودمارًا، والتي كلفت مئات مليارات الدولارات، وخلّفت آلاف القتلى، وأدّت إلى دمار وخراب واسعي النطاق، تنسب كل واحدة منهما إلى نفسها "شرف الانتصار"؟
فـ "المنتصر" الحقيقي في هذه الحرب غائب، لأن الخسارة شاملة وطالت شراراتها دول المنطقة وشعوبها، وذلك لما لها من تأثير مباشر أو غير مباشر على اقتصاداتها، والتي يمكن أن يكون لها تداعيات مستقبلية سلبية من النواحي السياسية والاقتصادية والإنمائية والاجتماعية.
وتحت عنوان "دمار بلا انتصار" يمكن إدراج هذه الحرب، التي لم يعرف أحد كيف بدأت وتدّرجت، ولا حتى كيف انتهت، وما كانت أهدافها الحقيقية غير تلك التي أعلنتها كل من إسرائيل وإيران. فالدمار في المدن الإيرانية والإسرائيلية كان هائلًا. وكذلك كانت الخسائر أكبر من أن تتحمّلها دولة قائمة على المساعدات الخارجية كإسرائيل، ودولة أخرى تقوم على تصدير ثورتها وثروتها إلى العالم الثالث كإيران، فيما كل من هاتين الدولتين تعانيان من أزمات اقتصادية داخلية قد تنفجر بين ليلة وضحاها أزمات اجتماعية لا حصر لها.
فهذه الحرب اندلعت وسط توتر إقليمي مزمن، وسرعان ما امتدت رقعتها لتشمل جبهات في لبنان وسوريا والعراق، وصولًا إلى مياه الخليج . ومع اشتداد الضربات الجوية والهجمات الصاروخية، تعالت في طهران وتل أبيب التصريحات المنتشية بـ "النصر"، في وقت كان فيه المدنيون في كلا البلدين يدفنون ضحاياهم تحت الأنقاض. لم يفهم الذين سمعوا ما قيل في تل أبيب عن أن "إسرائيل انتصرت". وكذلك الأمر بالنسبة إلى طهران التي تقول إنها "لقّنت العدو درسًا".
لكن بين هذين التصريحين يُترك الكلام للأرقام والوقائع: آلاف القتلى، بنى تحتية مدمّرة، اقتصادات منكوبة، وشعوب تجرعت مرارة الحرب.
ففي إيران ، فإن الأزمة الاقتصادية تعمّقت وسط موجة تضخم خانقة وتراجع كبير في قيمة العملة الوطنية، وتعطّلت الصناعات، وأغلقت مئات المؤسسات، فيما عادت الطوابير إلى الشوارع، وهذه المرة أمام المستشفيات والمخابز.
أما في إسرائيل ، فعلى رغم الدعم العسكري والسياسي الأميركي، لم تسلم المدن الكبرى من الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة، وشهدت تل أبيب وحيفا مشاهد لم تعهدها منذ عقود. وهذا الواقع عكسه ما قيل في طهران وتل أبيب. ففي الأولى تسري موجة واقعية بالنسبة إلى نتائج الحرب فيقال: "قد نكون صمدنا، لكننا لم ننتصر... لقد خسر الجميع". وفي الثانية يقول الناس: "لم نشعر بالأمان. لم ننتصر حين هربنا إلى الملاجئ."
فالخسائر الاجتماعية أيضًا لا تقّل أهمية عن الخسائر الاقتصادية. ففي كل من إيران وإسرائيل، فإن هذه الحرب قد عمّقت الانقسام الداخلي. ففي طهران، تصاعد التوتر بين الإصلاحيين والمحافظين. وفي إسرائيل تصدعت الجبهة الداخلية بين الحكومة والمعارضة. وعلى المستوى الشعبي، تبدو آثار الحرب النفسية والاجتماعية بعيدة المدى، خصوصًا لدى الأطفال والشباب.
إلى جانب ذلك، فإن دول الجوار مثل لبنان وسوريا والعراق لم تكن مجرد متفرجة، بل ساحة مكشوفة لحرب الآخرين. والمواطنون في هذه الدول دفعوا ثمنًا إضافيًا، من دون أن يكون لهم رأي في الحرب ولا تأثير في نهايتها.
ويسأل السائلون: من هو الخاسر الحقيقي في هذه الحرب؟
في الظاهر ، لم تُهزم أي دولة في شكل حاسم. لم تسقط أنظمة، ولم تُغيّر موازين قوى في شكل جذري. لكن في العمق، انهار وهم القوة المطلقة، وتآكلت صورة الردع، وتعرض الأمن الجماعي في المنطقة لزلزال قد لا تنفع معه اتفاقات التهدئة. فالخاسر الحقيقي والوحيد هو المواطن المدني، سواء أكان اسرائيليًا أم إيرانيًا، خصوصًا أن
الأسطورة القديمة التي تقول بأن "النصر يُقاس بعدد الصواريخ" قد سقطت إلى غير رجعة.
فما أخطر ما في هذه الحرب هو أنها لا تبدو خاتمة لحقبة، بل مقدمة لجولات جديدة. إذ لم تنتهِ الأسباب التي فجّرتها، ولم تُفتح أبواب التسويات، بل على العكس زادت الشكوك، وتعمّقت الانقسامات، واتسعت مساحة الكراهية.
وفي الوقت الذي ترفع فيه القيادات رايات "الانتصار"، تستعد الشعوب لتكلفة إعادة الإعمار، ولمعركة يومية في ظل الركام، بين الغلاء والبطالة والقلق من الغد.
يمكن للطرفين أن يتبادلا رفع شعارات النصر. لكن الحقيقة تبقى واضحة، وهي أن إيران لم تنتصر، وكذلك إسرائيل، بل من خسر في النهاية هو الشرق الأوسط بأكمله.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا