كنّا قد تمنيناها سابقا، ولا زلنا نتمناها.. نحن، الشباب اللبناني، الذين نحسد شباب الدول العربية الآمنة قبل أن نجرؤ حتى على الحلم بالعالمية. نحسدهم على أوطان مستقرة، على صباحات لا يدوّي فيها الخوف، على جامعات لا تُقفل بالشغب، وعلى طرقات لا تُزرع بالحواجز. نحسدهم لأنهم يعرفون ما معنى أن تكون شابًا، لا مشروع شهيد أو مهاجر أو ضائع في وطن لا يشبهك. نحن الذين نشأنا على حكايات الحرب، ورضعنا الحذر بدل الحليب، كبرنا ونحن نحمل وزر وطن مريض، وندفع فاتورة معركة لم نخضها. كلما حلمنا، صفعنا الواقع. كلما حاولنا أن نركض، شدّنا هذا البلد من قدمينا..
اليوم، 13 نيسان، خمسون سنة مرّت على اندلاع الحرب الأهلية
اللبنانية . نصف قرن بالتمام والكمال، وما زلنا نحفر في الركام، نُخرج من تحت أنقاض الذاكرة بقايا حكايات لم تُدفن، ولم تنتهِ. خمسون سنة، ولم نتحرّر من صورة القناص على السطح، من الخوف من الاسم والهوية والطائفة والمذهب والحارة.
نصف قرن، ونحن شبابٌ بلا وطن، بلا أمل، بلا مشروع حياة.
لم نعش الحرب الأهلية، نحن جيل التسعينات وما بعدها. لم نسمع صفير القذائف، ولم نركض إلى الملاجئ. لكننا ورثنا كل شيء: الخوف، الفقر، الهجرة، الطائفية، اليأس، والذاكرة المشروخة، والأهم الحرب
الإسرائيلية الجديدة، التي تتجدد كلما أخذ هذا البلد نفسًا ليستفيق من غيبوبة أطاحت بتاريخه
الذهبي ..
ورثنا بلدًا لا يشبهنا، وطنًا بلا عدالة، بلا فرص، بلا معنى..
نحمل جنسيته في الجيب، ونحمل حقيبة سفر في
القلب ..
يسألوننا لماذا نبكي؟
نبكي لأننا نحيا موتًا مؤجلًا. لأننا نكتب سيرتنا الذاتية على استمارات السفارات، لا في كتب التاريخ. لأننا نحلم بالرحيل أكثر مما نحلم بالحب. لأننا لا نؤمن بشيء سوى أن المقبل
أسوأ .. هكذا نشعر نحن.. نعم، نحن الشباب اللبناني الذي من المفترض أن نكون مستقبل هذا البلد، ننظر إليه اليوم مكسورين.. ننظر إلى دموع أمهاتنا على أبواب
المطار ، نحاول أن نتراجع، لكن نكسر قلبنا لنرمم مستقبلنا.
نحن الشباب اللبناني، لسنا عابرين في هذا الزمن، لسنا فاصلة في
كتاب منسيّ. نحن الأساس الذي يُفترض أن تُبنى عليه الأوطان. لكنهم دمروا أوطاننا، وسرقوا أحلامنا، وأطفأوا شموعنا قبل أن نطفئها نحن بأعياد
ميلاد لم نحتفل بها.
هم يقولون إن الحرب
انتهت .
لكننا ما زلنا نحارب: نحارب كي نبقى، كي نحصل على كهرباء، على ماء، على دواء، على تعليم. نحارب كي نعيش دون إذلال، دون منّة، دون أن نُسحق كل يوم على أبواب الإدارات المهترئة.
نحارب كي لا نصبح نسياً منسيًّا في مقبرة الوطن.
لبنان ، أيها
الجميل المستحيل، نحبك رغم كل شيء.
لكننا تعبنا.
تعبنا من أن نكون شهودًا على خراب لا ينتهي.
تعبنا من أن نُدفن أحياء في ذاكرة لم نختَر أن نحملها.
لكننا نحبك.....