آخر الأخبار

قصة صيادين في جنوب لبنان.. بحرية من دون مراكب!

شارك
نشر موقع "الجزيرة نت" تقريراً تحت عنوان: "شاهد.. صيادون بلا مراكب ولا دعم في ميناء الناقورة جنوبي لبنان"، وجاء فيه:
في ميناء الناقورة جنوبي لبنان ، حيث تمتزج رائحة البحر بآثار الحرب، يقف الصياد حسين مليجي أمام ما تبقى من قوارب الصيد التي نجا بعضها من الغرق في حين استسلم البعض الآخر لمياه المتوسط.

بعينين مرهقتين من سنوات الكدّ، يروي مليجي للجزيرة نت مأساته التي باتت واقعًا يوميا للصيادين في المنطقة.

"عانينا كثيرا في هذه الحرب"، يقول مليجي بصوت يختلط فيه الحزن بالغضب، ويشير إلى القوارب المتهالكة ويقول "نحو 13 مركبا دمرت أو أصيبت بأضرار جسيمة، بعضها ما زال قابلا للإصلاح، لكن البعض الآخر لم يعد سوى حطام طافٍ فوق الماء، أما الشباك فقد تمزقت ولم يعد بالإمكان استخدامها".

خسارة وحسرة
الصيد ليس مجرد مهنة لأهالي الناقورة ، بل هو شريان الحياة الوحيد في بلدة معزولة عن كل شيء، "فلا عمل آخر لدينا"، هكذا يوضح مليجي، مضيفاً: "رغم ذلك لم تكلف أي جهة رسمية نفسها عناء تفقد المرفأ أو إحصاء حجم الأضرار، رأينا لجانًا تجوب المناطق الزراعية لتوثيق الخسائر، لكن هنا لم يقترب أحد".

ويشير الصياد إلى أنه منذ أكثر من عام ونصف العام، أي قبل اشتداد الحرب بثلاثة أشهر، لم يتمكن أحد من الوصول إلى الميناء، موضحا أن الشتاء زاد الطين بلّة، فتسربت المياه إلى القوارب وأغرقت بعضها، بينما تحطم البعض الآخر بالكامل.

وما تبقى بحاجة إلى صيانة تتطلب أموالًا لا يملكها الصيادون، يقول مليجي وهو يراقب بقايا الميناء شاهدا على ما خلفه العدوان الإسرائيلي على لبنان .

وبلهجة يائسة يتابع "نحن جزء من هذا البلد، أبناء القرى الحدودية التي تعاني منذ عقود، الاحتلال الإسرائيلي يحاصرنا في البحر كما في البر، نُمنع من الاقتراب من المياه الذي نعيش منه، وإذا ما اقترب أحدنا ينقضّ عليه زورق حربي ليطرده فورًا، نحن هنا ما زلنا ننتظر أن يسأل عنا أحد، أن يعترف أحد بأننا ما زلنا نكافح كي نبقى".

على مقربة منه، يقف عباس سبليني أمام مركبه المدمر تماما بفعل العدوان الأخير، يتأمل الخسائر التي قلبت حياته رأسا على عقب، ويقول للجزيرة نت "أنا أكثر من تضرر في الميناء، كنتُ ريّس (قبطان) مركب والآن مجرد بحّار أتنقل مع أي قارب يبحر، لكن ماذا نفعل؟".

ويتابع أن خسائره لا تُحصى؛ فقد فقد مركبه وأدواته وحتى منزله لم يسلم ودمّر بالكامل، "اليوم عدت إلى الصفر".

وأضاف بحسرة: "لم يقترب أحد، لم يسألني أحد كيف أعيش، ولم يحاول أحد مساعدتي، لكن نقول دائما الحمد لله، وأبذل كل ما بوسعي كي أواصل الحياة".

تحت التهديد
ومن جانبه، يروي هادي سقلاوي، من بلدة دير قانون رأس العين في قضاء صور، كيف كان يتوجه إلى ميناء الناقورة لممارسة هواية الصيد، ويوضح للجزيرة نت أنه كان يأتي إلى الناقورة لأنها منطقة راقية وتحظى بحماية الجيش اللبناني، ويأتي للاستمتاع وفي الوقت نفسه لممارسة الصيد.

لكن الظروف تغيرت بعد الحرب، كما يضيف سقلاوي بحزن "اليوم الإسرائيلي لا يسمح لنا حتى بالبقاء على البر، فنحن دائمًا تحت التهديد، ذات مرة تخطى زورق إسرائيلي الحدود لمسافة 1500 متر وبدأ بإطلاق النار في الهواء وعلى المياه مستهدفًا الصيادين، لم تعد حتى الفلوكة (زورق صغير) آمنة".

ويتابع أن وضع الصيادين صعب، وبالكاد يستطيعون الإبحار في مناطقهم، ويسمح لهم الجيش اللبناني والقوى الأمنية بذلك، لكن الاحتلال الإسرائيلي لا يترك لهم مجالًا.

ويشدد على أن "الصيادين في نهاية المطاف بحاجة إلى كسب رزقهم والعيش، فلا بديل لهم، ينتظرون الموسم ليخرجوا إلى البحر، لكن حتى في مياهنا يمنعنا الاحتلال الإسرائيلي من الصيد، وهذه مشكلة كبيرة".

ويطالب سقلاوي بوقف الخروقات الإسرائيلية ودعم الجيش اللبناني، وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من النقاط التي يحتلها.

وحين يتذكر ميناء الناقورة كما كان، تلمع عيناه وهو يقول "كانت الحياة جميلة هنا، كان البحر يعجّ بالناس بالكاد تجد مكانا للجلوس من كثرة الحركة، كل شيء كان منظما وهادئا، نصطاد السمك، نبيعه، أما اليوم لم يبقَ إلا 10% من تلك الحياة.. لا بل أقل من 10%".

رزق مهدد
أرخت الحرب الإسرائيلية بظلالها الثقيلة على صيادي الأسماك في جنوب لبنان ، فحُرموا من مصدر رزقهم وباتوا يواجهون ظروفا معيشية قاسية، في وقت يعاني فيه لبنان من تبعات أزمة اقتصادية واجتماعية تُعدّ الأسوأ منذ أكثر من 5 سنوات، وتفاقمت معاناة الصيادين مع اندلاع المواجهات بين حزب الله وإسرائيل في تشرين الأول 2023، إذ فرضت إسرائيل حصارا بحريا امتد من جنوب لبنان إلى صيدا، وشلّ قطاع الصيد بالكامل.

ومع تصاعد التوترات، أصبح الصيد مغامرة محفوفة بالمخاطر، فقد تعرض بعض الصيادين لإطلاق النار من قبل القوات الإسرائيلية أثناء محاولتهم تفقد مراكبهم، في حين غرق عدد من المراكب بفعل القصف أو الإهمال الطويل. ولم تقتصر الانتهاكات الإسرائيلية على ذلك، إذ سُجّلت حوادث خطف بحق صيادين، مما زاد من حالة الخوف والقلق بينهم، ودفع كثيرين إلى تجنب الإبحار رغم حاجتهم الماسة للعمل.

وفي مرفأ الناقورة ، الذي كان يشكّل مصدر رزق لأكثر من 100 مركب صيد، عاد بعض الصيادين لاستئناف عملهم جزئيا بعد توقف دام أشهراً بسبب العدوان، لكن الأوضاع لم تعد كما كانت؛ فإلى جانب الخسائر المادية التي لحقت بهم، تضررت البنية التحتية للميناء والبلدة، مما يجعل عودتهم إلى البحر مهمة خطرة لا سيما في ظل استمرار الخروقات الإسرائيلية.

وقبل الحرب، كان بحر الناقورة يعجّ بمراكب الصيد التي تبحر يوميا حيث يعتمد الصيادون بشكل أساسي على بيع الأسماك وتأمين قوتهم، أما اليوم فينشغل كثير منهم بإصلاح مراكبهم المتضررة وتجهيزها للعمل مجددًا، رغم أنهم يدركون أن البحر لم يعد كما كان وأن مخاطر الإبحار تفوق أي وقت مضى.
ولا تقتصر التحديات على ولوج البحر فحسب، إذ إن القرى والمناطق المحاذية للمرافئ -التي تُعد العمق الحيوي لقطاع الصيد ومصدر الطلب على الأسماك- مدمّرة بشكل شبه كامل، مما يجعل عودة الحياة الاقتصادية والاستهلاك في تلك المناطق أمرا صعبًا في الوقت الحالي. (الجزيرة نت)
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا