قالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية، إن تركيا تسعى لتبقى إلى جانب الغرب، لكنها ترغب في أن تنضم إلى الجنوب العالمي، كما تريد ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية قادرة على مواجهة منافسيها، كإسرائيل وإيران، بتجهيز نفسها بمجموعة كاملة من المعدات العسكرية، من المركبات المدرعة إلى أقمار الاتصالات والصواريخ.
ووصفت الصحيفة -في تقرير بقلم مراسلها الخاص في أنقرة وإسطنبول نيكولا باروت- كيف شق رئيس مجلس إدارة شركة "بيرق" للطائرات المسيرة، سلجوق بيرقدار طريقه وسط الحشود في ميناء إسطنبول، مرتديا سترة حمراء تحمل شعار "تكنوفيست"، بين الزوار الذين توافدوا بالآلاف لمشاهدة سفن البحرية التركية الرائدة.
وقالت إن سلجوق بيرقدار يجسد نجاح صناعة الدفاع في البلاد وحيوية ابتكاراتها التكنولوجية، فهو مهندس ومدرب ومصمم لطائرة " تي بي 2 " المسيرة التي منحت تركيا تفوقا جويا على الأكراد في شمال سوريا والعراق، ومنحت أذربيجان الأفضلية على أرمينيا عام 2021، ومكنت أوكرانيا من الرد بفعالية على روسيا عام 2022.
وتحافظ تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي ( ناتو )، على تحالفات ذات أبعاد هندسية متباينة، تكيفت معها البحرية التركية، ويقول الأدميرال البحري رجب إردينتش يتكين، قائد قاعدة إسطنبول البحرية، إن "أناضولو" "أداة لإبراز القوة" بفضل قدراتها البرمائية والطائرات المسيرة التي تحملها، ويمكن استخدامها أيضا في العمليات الإنسانية بفضل المستشفى الموجود على متنها"، بحسب ما أوردته الصحيفة.
وأضافت أنه على سطح السفينة المزين بالأعلام في يوم النصر، يعرض سلجوق بيرقدار أحدث معداته، مثل طائرة تي بي 3 القادرة على الإقلاع من مدارج أقصر، وطائرة كيزيللما القتالية المسيرة، المصممة لمرافقة الطائرات المقاتلة من الجيل الجديد، والتي سيتم تسليم أول طائرة منها للجيش التركي عام 2026.
ونقلت عن سلجوق بيرقدار "ننتجها ونطورها في آن واحد"، مضيفا بفخر "لقد كرست حياتي لتصميم تقنيات محلية من أجل استقلال بلدنا"، وإلى جانبه مراد إكينجي، رئيس شركة الصواريخ التركية روكيتسان، يستمع باهتمام.
وينظم مهرجان تكنوفيست، الذي ينظمه بيرق، عرضا عسكريا ومسابقة تكنولوجية، تشارك فيها فرق من المهندسين الشباب لعرض ابتكاراتهم والفوز بمنح ممولة من مؤسسة يرأسها أيضا سلجوق بيرقدار، كما يقول الكاتب.
وتضيف لوفيغارو "تعرض هنا مجموعة طائرات مسيرة ذاتية القيادة، وعلى مسافة أبعد، مركبة تعمل من بعد تحت الماء". ونقلت عن أحد أعضاء فريق تكنوفيست: "لقد صمموا رقائق المعالج بأنفسهم. بعد عشرين عاما سيبنون غواصات"، وهناك تحت خيمة يظهر نموذج أولي مزين بلافتة "حرروا فلسطين".
وأشار المراسل إلى أن مهرجان تكنوفست يعد حدثا شعبيا وسياسيا دائما، أعلن فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن بناء سفينة أكبر من "الأناضول"، ومن المتوقع تسليم حاملة الطائرات المستقبلية من فئة موغم إلى البحرية التركية في عام 2030.
في ميناء إسطنبول -كما يقول المراسل- تحلم تركيا بمستقبلها، ويصرح سلجوق بيرقدار "نريد أن نلهم الجيل الجديد ونمنحهم الثقة لبناء تقنيات المستقبل"، ويضيف "يجب أن ننظر إلى العالم كما هو. العالم يتجه نحو أوقات عصيبة للغاية".
بإمكاننا تمويل أشياء كثيرة، لكن السبيل الوحيد للدفاع عن بلدنا هو تصنيع الأسلحة، وإلا فإننا سنتعرض لإبادة جماعية
وعندما سئل بيرقدار عن الاقتصاد التركي، قال "بإمكاننا تمويل أشياء كثيرة، لكن السبيل الوحيد للدفاع عن بلدنا هو تصنيع الأسلحة، وإلا فإننا سنتعرض لإبادة جماعية "، في إشارة إلى الحرب الإسرائيلية الشرسة على قطاع غزة ، كما يقول المراسل.
تريد تركيا أن تظهر للعالم وشركائها التجاريين، نجاحات صناعتها، حيث تعد شركة "بيرق" نموذجا يحتذى به، فقد وقعت أخيرا شراكة مع شركة "ليوناردو" الإيطالية لتطوير وإنتاج طائرات مسيرة بشكل مشترك، وسلمت 6 طائرات من طراز "تي بي 2″ للجيش الكرواتي، وهي تصدر إلى 42 دولة، حسب سلجوق بيرقدار.
وتؤكد الحكومة التركية أن صناعة الدفاع أصبحت أحد المحركات الاقتصادية للبلاد، وقوة تصديرية فعالة، إذ صدرت تركيا منتجاتها الدفاعية إلى 185 دولة في عام 2024، بقيمة 7.1 مليارات دولار، بزيادة قدرها 29% عن العام السابق، كما قللت اعتمادها على الخارج، بحيث تنتج الآن 80% من أسلحتها بنفسها، توضح لوفيغارو.
يقول أردوغان -وتوقيعه على مقدمة الطائرة المقاتلة النموذجية من الجيل الخامس" قآن "- إن تركيا من الآن فصاعدا، يمكنها إنتاج "مدافعها الخاصة وبناء سفنها، وتطوير طائراتها المسيرة وصواريخها وراداراتها، وأقمارها الصناعية وبرمجياتها، وذخائرها".
منذ أن بدأت تركيا بإنتاج طائرات إف-16 بترخيص أميركي، خطت أنقرة خطوات إلى الأمام، يؤكد محمد ديمير أوغلو، الرئيس التنفيذي لشركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (تاي)، "نحن رواد".
وتصر تركيا، العضو في الناتو، على إمكانية "دمج" معداتها مع معدات الحلف، لكنها تتبع إستراتيجية دبلوماسية وعسكرية مستقلة، تتعارض أحيانا مع المصالح الأوروبية -حسب المراسل- ولذلك تشعر باريس وأثينا ونيقوسيا، بالقلق من استفادة أنقرة من برنامج التمويل الأوروبي "سيف" البالغ 150 مليار يورو.
ومع ذلك، تسعى الشركات المصنعة التركية إلى ترسيخ مكانتها، وتعمل شركة أسيلسان المتخصصة في الحرب الإلكترونية، مع شركات أخرى على "مفهوم الدفاع الجوي" للحلف، ولكي يكون لها رأي في المناقشات المستقبلية، وضعت سلاحا على الطاولة.