آخر الأخبار

حملة رقمية منظمة لغسل يد إسرائيل من تجويع غزة واتهام الأمم المتحدة

شارك





في قطاع غزة، حيث يتكئ أكثر من 2.4 مليون إنسان على حافة الموت جوعا، لا يهددهم الجوع وحده، بل أيضا الكذب المصور، والروايات الملفقة التي تنسج فوق أنقاضهم.

وبينما يتناقص الخبز والدواء والماء، أطلقت إسرائيل حملة إعلامية منسقة، لا لإغاثة الجوعى، بل لتغيير وجه المأساة، وتوجيه أصابع الاتهام نحو منظمات الإغاثة، والأمم المتحدة، وحركة حماس، بسرقة المساعدات الإنسانية وتخزينها في الأنفاق.

في الأيام الأخيرة، سمح لمؤثرين وناشطين أجانب، مؤيدين لإسرائيل، بالدخول إلى مواقع تكدست فيها المساعدات، لتصوير مشاهد معدة بعناية، تظهر الأمم المتحدة وكأنها ترفض توزيع الغذاء، بينما تبرئ الاحتلال من دماء الجوعى، وتبرزه كوسيط عطوف أعاقته البيروقراطية الدولية.

لم تكن الحملة مجرد دفاع إعلامي، بل اتهام مباشر، مدروس ومنظم، يستهدف تحميل المسؤولية الكاملة لطرف ثالث، بينما يختفي المحاصِر والمجوِّع من المشهد.

في هذا التقرير، تتبعت وكالة "سند" للرصد والتحقق الإخباري بشبكة الجزيرة، خيوط الحملة: من فجوة التوقيت بين إعلان السماح بدخول المساعدات وتفجر الهجوم الإعلامي، إلى الشخصيات التي تبنت السردية، والمقاطع التي جرى ترويجها، والأسئلة التي وضعت عمدا خارج الإطار: من يمنع دخول المساعدات أصلا؟ ومن الذي يقرر من يأكل ومن ينتظر الموت على الحدود؟

نفي "مزاعم" التجويع

في 26 يوليو/تموز الجاري، أعلنت إسرائيل السماح بدخول مساعدات إنسانية إلى غزة، وتنفيذ إنزالات جوية بالتعاون مع منظمات دولية، وتحديد ممرات لقوافل الأمم المتحدة، في خطوة قالت إنها تهدف إلى "دحض المزاعم الكاذبة عن وجود تجويع متعمد".

لكن بعد ساعات من هذا الإعلان، رصدت "سند" تصاعدا مفاجئا وممنهجا في نشر محتوى مرئي منسق على منصات التواصل الاجتماعي، تضمن مقاطع فيديو لناشطين معروفين بمواقفهم المؤيدة لإسرائيل، يروّجون لرواية تحمل مسؤولية الكارثة في غزة لكل من "حماس ومنظمات الأمم المتحدة"، في محاولة واضحة لإقصاء إسرائيل من دائرة الاتهام.

الجيش يتحدث.. والبروباغندا تنتشر

في ذات السياق، تبنى ناطقو الجيش الإسرائيلي نفس السردية، مدعين أن إسرائيل لا تقيد دخول الشاحنات، وإنما المشكلة "في عدم استلام المنظمات الدولية للمساعدات وتوزيعها".





وغردت ناطقة باسم جيش الاحتلال: "لا تفرض إسرائيل قيودا على عدد الشاحنات التي تدخل إلى قطاع غزة، لكن المشكلة تكمن في استلام المساعدات من المنظمات الإغاثية الدولية والوكالات التابعة للأمم المتحدة، وهو ما يعيق إيصالها المستمر إلى داخل غزة".



صور أقمار صناعية تؤكد تكدس المساعدات

وتظهر صور أقمار صناعية ملتقطة في تواريخ 4 و22 و26 يوليو/تموز الجاري استمرار تكدس شحنات المساعدات داخل صالات التفريغ في معبر كرم أبو سالم، من دون تسجيل تغييرات جوهرية في حجمها طوال تلك الفترة.

إعلان

كما توضح الصور حدوث تناقص طفيف فقط في كمية المساعدات بين 22 و26 يوليو/تموز، وهو ما يتطابق مع المشاهد التي نُشرت ضمن الحملة الإعلامية، ويؤكد أن المساعدات بقيت في مكانها لفترة طويلة، في ظل عدم توزيعها أو إدخالها بشكل منتظم إلى داخل غزة.

مصدر الصورة صورة لتكدس شحنات المساعدات داخل صالات التفريغ في معبر كرم أبو سالم في الرابع من يوليو/تموز الجاري (بلانت)

مصدر الصورة صورة لتكدس شحنات المساعدات داخل صالات التفريغ في معبر كرم أبو سالم في 22 يوليو/تموز الجاري (بلانت)

مصدر الصورة صورة لتكدس شحنات المساعدات داخل صالات التفريغ في معبر كرم أبو سالم في 26 يوليو/تموز الجاري (بلانت)

وجوه قادت الرواية

الناشطة اليهودية، بيلامي بيلوتشي، ظهرت في عدة مقاطع مصورة من مواقع تكدست فيها المساعدات، زاعمة أن "المساعدات تركت حتى فسدت وتعفنت"، مدعية أن "حماس والأمم المتحدة متواطئتان في تكريس هذا الواقع"، وأن "هذه الكارثة ليست من صنع إسرائيل".

ووصف المتحدث السابق باسم الحكومة الإسرائيلية، إيلون ليفي، تكدس المساعدات بأنه "تقصير لا يغتفر"، وقال في مقطع مصور: "شاهدت جبالا من المعكرونة والعدس والحمص وزيت الطهي والسكر والدقيق، كلها تنتظر فقط أن تجمعها الأمم المتحدة"، واعتبر ليفي أن هذا المشهد يجسّد "الفشل الكارثي" لآلية الأمم المتحدة في إيصال المساعدات إلى غزة.







كما تهكم الكاتب، إيتان فيشبرجر، الذي خدم سابقا في الجيش الإسرائيلي، من معاناة الغزيين وغرد قائلا: "هناك كميات ضخمة من الطعام، وبحر لا نهاية له من زجاجات المياه بين المساعدات التي ترفض الأمم المتحدة توزيعها، رأيت حوالي 15 ألف زجاجة، كان الطقس في غزة اليوم 104°F، الناس كانوا بحاجة حقيقية لها".



وتكرر الأمر ذاته مع المحامي أرسين أوستروفسكي، الذي نشر صورا وفيديوهات زعم أنها توثق مساعدات تكفي 600 شاحنة، قائلا: "لا يمكن للأمم المتحدة أن تلوم إسرائيل بينما تسمح للطعام بالتعفن".





مؤسسة "غزة الإنسانية".. ذراع ميدانية في الحملة

في ذروة الحملة الإعلامية المنسقة التي شنتها إسرائيل على منظمات الأمم المتحدة، برز اسم "مؤسسة غزة الإنسانية" كأحد الأذرع الرئيسية التي ساهمت في تعزيز السردية الإسرائيلية، عبر منصاتها الرقمية وموظفيها على الأرض.

إعلان

فمن خلال سلسلة منشورات وتسجيلات مصورة، كثفت المؤسسة من المقارنة بين أدائها في توزيع المساعدات، وما وصفته بـ"فشل" المنظمات الأممية، مروجة لفكرة أن المشكلة لا تكمن في القيود الإسرائيلية، بل في عجز الوكالات الدولية عن القيام بدورها.

في منتصف يونيو/حزيران الماضي، ظهر العقيد البريطاني المتقاعد ريتشارد كيمب، الذي يعمل مع المؤسسة، في مقطع دعائي أمام أحد مراكزها، مهاجما منظمات الأمم المتحدة بشكل مباشر.



وكتب كيمب في تغريدة حصدت مليون مشاهدة على منصة إكس: "أحضرت إسرائيل صحفيين دوليين إلى غزة لمشاهدة المخزون الكبير من المساعدات التي فشلت الأمم المتحدة في توزيعها، بينما كانت تصرخ عن المجاعة، والآن بعد أن انكشف أمرهم، استأنفت الأمم المتحدة التوزيع".



كما شارك المتحدث باسم مؤسسة غزة الإنسانية، شابين فاي، مقطعا قال فيه: "هذه ليست مشكلة في الوصول، بل مشكلة في التنفيذ، هناك طعام هنا، لكن الأمم المتحدة لا تملك القدرة على توزيعه، نحن نفعل ذلك، ولكنه ليس كافيا".



دعم دولي للرواية الإسرائيلية

لم تقتصر الحملة الدعائية على الحسابات المرتبطة بإسرائيل فقط، بل وجدت صداها لدى شخصيات غربية مؤثرة، من دبلوماسيين سابقين وصحفيين وكتاب، ساهموا في تعزيز السردية الإسرائيلية عبر منصات التواصل، مكرّسين خطابا يحمّل الأمم المتحدة مسؤولية المجاعة في غزة، ويبرئ الاحتلال من أي دور مباشر.

من أبرز هذه الشخصيات، السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي، الذي نشر عبر حسابه على منصة "إكس" تغريدة قال فيها: "من المهم أن يرى العالم هذا. لقد انتقدت الأمم المتحدة كلا من أميركا وإسرائيل على الطعام الذي سلمتاه فعليا لسكان غزة، بينما هي -أي الأمم المتحدة- من تسببت في تعفن كميات هائلة من الطعام. نأمل أن تكشف الصحافة الحقيقة بشأن الأمم المتحدة".



كما ظهر العسكري البريطاني السابق أندرو فوكس، الذي يعرف نفسه كمختص في شؤون الشرق الأوسط، في عدة منشورات داعمة للرواية الإسرائيلية، بعد زيارته لمعبر كرم أبو سالم، إذ وثق ما قال إنه "تكدّس متعمد للمساعدات بسبب تقاعس المنظمات الدولية".



كما نشر المذيع البريطاني جوناثان ساكيردوتي، عدة مقاطع تظهر المساعدات المتراكمة، مع تعليقات تُحمّل الأمم المتحدة مسؤولية الأزمة.



إعلان

أما الكاتب البريطاني بات كونديل، فذهب أبعد من ذلك، متهما الأمم المتحدة بـ"التواطؤ مع حماس" في تجويع سكان غزة، وكتب في تغريدة: "الأمم المتحدة منظمة فاسدة تتعاون مع حماس وتُلقي باللوم على إسرائيل. هناك كميات هائلة من الطعام تنتظر التوزيع، لكنهم يرفضون ذلك. يجب سحب تمويل الأمم المتحدة، وعلى الرئيس ترامب أن يطردها من نيويورك".



التحليل الشبكي: بنية رقمية تقودها إسرائيل

أجرى فريق "سند" للرصد والتحقق تحليلا شبكيا لعينة مكونة من 7 آلاف تغريدة نشرت بين 24 و26 يوليو/تموز 2025، لرصد بنية الخطاب الرقمي الذي سعى إلى تحميل الأمم المتحدة مسؤولية الأزمة الإنسانية في غزة، وتبرئة إسرائيل من تداعيات الحصار.

شملت العينة 6046 حسابا و8057 تفاعلا (ما بين إعادة تغريد وردود)، وأظهرت النتائج تبلور شبكة رقمية منسقة، تتفرع من مراكز بث مركزية قادت السردية الإسرائيلية ووجهت تدفق المحتوى نحو المجتمعات الفرعية المشاركة.

مصدر الصورة شكل تكتل المجتمعات الفرعية داخل الشبكة الرقمية (جيفي)

يوضح تحليل الشبكة -المنجز باستخدام أداة "جيفي" (Gephi)- أن التفاعل الرقمي تركز حول عقدتين رئيسيتين مركزيتين، هما حساب وزارة الخارجية الإسرائيلية (@IsraelMFA) الذي تصدر قائمة الحسابات الأكثر تأثيرا، وقاد المجتمع الأخضر الذي شكل نحو 27.8% من إجمالي الشبكة. وقد لعب دورا محوريا في إنتاج وإعادة تدوير الرسائل الموجهة ضد الأمم المتحدة.

والثاني هو الحساب الرسمي لإسرائيل (@Israel) الذي تموضع في صلب المجتمع البنفسجي، وهو التكتل الأكبر بنسبة 32.3%، وارتبط مباشرة بمحور نقاشي استهدف منظمة الأمم المتحدة (UN)، من خلال محتوى يحمّلها مسؤولية تعفن المساعدات وتفاقم المجاعة.

مصدر الصورة شكل يوضح توزيع المجتمعات الفرعية داخل الشبكة (جيفي)

شكل يوضح أعلى الحسابات تأثيرا داخل الشبكة (جيفي)

كشفت الشبكة أيضا عن تكتلات فرعية ثانوية قادها مؤثرون داعمون للحملة مثل، "إيتان فيشبرجر" (Eitan Fischberger)، و"فرج ألكسندر" (Faraj Alexandre)، و"إيال ياكوبي" (Eyal Yakoby)، إذ لعبت هذه الحسابات دورا في إعادة تدوير الرسائل الأساسية وتضخيمها ضمن مجتمعاتها الخاصة، وهذا ساهم في توسيع انتشار الخطاب وتكريسه في الفضاء الرقمي.

نفي أممي

وبينما كانت السردية الإسرائيلية تتنقل من منصة إلى أخرى، محملة باتهامات صريحة للأمم المتحدة، تواصلت "سند" مع مصادر داخل عدد من وكالات الأمم المتحدة للوقوف على حقيقة ما يروج.

كان الرد واضحا: الأونروا لم يسمح لها بإدخال أي مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة منذ الثاني من مارس/آذار الماضي، بسبب الحصار الإسرائيلي المشدد.

وفي تصريح خاص لوكالة "سند"، قالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين:

"بينما تتهمنا إسرائيل بالتقصير، فإنها تفرض علينا قيودا مشددة تعيق قدرتنا على إيصال الغذاء والدواء والإمدادات الصحية، رغم أننا أكبر وكالة أممية عاملة على الأرض في غزة".

وبحسب الفريق الإعلامي للوكالة، فإن نحو 6 آلاف شاحنة مساعدات تنتظر الآن في مصر والأردن للحصول على موافقة للدخول إلى غزة، مؤكدة أن صلاحية محتوياتها أوشكت على الانتهاء.

الأونروا نفت أيضا أن تكون المساعدات المتراكمة عند المعبر تابعة لها، مشيرة إلى أن سلطات الاحتلال تتحكم بشكل كامل في معابر الدخول والخروج، بل وفي التنقلات الإنسانية داخل غزة نفسها.

وأضافت: "منذ ما يزيد على 22 شهرا، يتم رفض أو عرقلة كل محاولاتنا لتنسيق الحركات الإنسانية".

إسرائيل ترسم المشهد

كما يظهر تتبع البيانات الأممية، كيف حاولت إسرائيل رسم المشهد الحالي طوال فترة الحرب، عبر استهداف العاملين الإنسانيين، وسيارات المساعدات، وإجبار الشاحنات على سلوك الطريق الذي تسيطر عليه عصابات مسلحة.

وحسب المفوض العام بالأونروا، فيليب لازاريني، فقد استمرت إسرائيل في استهداف العاملين الإنسانيين، وقتلت أكثر من 300 من العاملين مع الأونروا وحدها.



وفي تطور خطير يعكس حجم الكارثة، حذرت وكالات الأمم المتحدة أمس الثلاثاء من أن غزة لم تعد فقط على شفا المجاعة، بل تخطت عتبتها بالفعل، بعد أن وصلت مؤشرات استهلاك الغذاء والتغذية إلى أسوأ مستوياتها منذ اندلاع الحرب.

إعلان

كما وجه توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، نداء عبر منصة "إكس"، وقال: "لدينا خطة، ولدينا الغذاء، ولدينا فرق العمل. كل ما نطلبه أن يُسمح لنا بالدخول. العالم كله يطالب بذلك، فدعونا فقط نؤدي عملنا".





لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا