كشفت دراسة حديثة عن إمكانية استخدام البكتيريا النافعة في الأمعاء البشرية لامتصاص المواد الكيميائية الدائمة (PFAS) الخطيرة والتخلص منها قبل أن تسبب أضرارها الصحية الجسيمة.
وتعرف المواد الكيميائية الدائمة باسم "مواد البيرفلورو ألكيل والبولي فلورو ألكيل" (PFAS)، وتتميز بسميتها وارتباطها بالسرطان والعقم والتشوهات الخلقية.
ويطلق عليها اسم المواد الكيميائية الدائمة لأنها لا تتحلل طبيعيا في البيئة أو الجسم، بل تتسرب من العبوات البلاستيكية وأواني الطهي غير اللاصقة إلى الطعام، وتتراكم في الأعضاء الحيوية، ما يزيد خطر فشل الأعضاء والعقم وبعض أنواع السرطان والتشوهات الخلقية، حيث تتداخل مع عمل الهرمونات الطبيعية في الجسم.
واعتمد الباحثون من جامعة كامبريدج على تحليل دقيق لتأثير 38 سلالة بكتيرية على مستويات مادتي PFNA وPFOA الكيميائيتين. وتجدر الإشارة إلى أن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان تصنف مادة PFOA كمادة مسرطنة مؤكدة للحيوانات (المجموعة 1)، بينما تصنف مادة PFNA كمادة يحتمل أن تكون مسرطنة (المجموعة 2).
وأسفرت النتائج عن اكتشاف مثير، حيث تمكنت 9 سلالات بكتيرية من خفض مستويات PFNA بنسبة 25-74%، ومستويات PFOA بنسبة 23-58% خلال 24 ساعة فقط. وقد برزت بكتيريا Odoribacter splanchnicus كأكثر السلالات فعالية، وهي معروفة بدورها في إنتاج حمض الزبد (butyrate) الذي يدعم وظائف المناعة والتمثيل الغذائي.
ويعتقد الفريق أن السموم تلتصق بالبكتيريا أثناء مرورها عبر الجهاز الهضمي. وتعمل هذه البكتيريا كإسفنجة حيوية تمتص السموم وتخزنها في كتل داخل خلاياها، ثم تطرحها خارج الجسم عبر البراز، ما يحمي الجسم من آثارها الضارة.
ويوضح الدكتور كيران باتيل، كبير الباحثين في الدراسة وأستاذ علم السموم بجامعة كامبريدج: "تواجه البشرية تحديا كبيرا مع مشكلة المواد الكيميائية الدائمة وتأثيراتها الصحية العميقة، لكن المفارقة تكمن في محدودية الجهود المبذولة للتخلص منها. لقد اكتشفنا أن بعض سلالات بكتيريا الأمعاء البشرية تمتلك قدرة استثنائية على امتصاص هذه المواد من محيطها بتركيزات مختلفة، وتخزينها في تجمعات داخلية تحمي البكتيريا نفسها من السمية".
وتضيف الدكتورة إندرا رو، الباحثة المشاركة في الدراسة من وحدة السموم التابعة لمجلس الأبحاث الطبية بجامعة كامبريدج: "لا يمكننا إنكار حقيقة انتشار المواد الكيميائية الدائمة في بيئتنا وأجسامنا، ما يجعل من الضروري اتخاذ إجراءات فورية للحد من تأثيراتها الصحية. ورغم أننا لم نتوصل بعد إلى طريقة لتدمير هذه المواد، فإن اكتشافنا يقدم أملا جديدا بإمكانية تطوير وسائل فعالة لإزالتها من الأماكن التي تسبب فيها أكبر ضرر، أي من داخل أجسامنا".
ويأمل الباحثون الآن في تطوير علاجات بروبيوتيك تحتوي على هذه السلالات البكتيرية النافعة، كحل عملي للتخلص من هذه المواد السامة التي أصبحت منتشرة في البيئة ومنتجات الاستهلاك اليومي.
ورغم أن الدراسة ما تزال في مراحلها الأولى، إلا أنها تفتح باب الأمل للحد من الأضرار الصحية الخطيرة التي تسببها هذه المواد، خاصة مع صعوبة القضاء عليها تماماً من البيئة المحيطة بنا.
المصدر: ديلي ميل