لم يكن يوم 24 سبتمبر/أيلول 2024 عاديًا في الأسواق الصينية، حيث اتخذت السلطات المالية، بقيادة البنك المركزي وهيئات رقابية عليا قرارات وصفها تقرير إيكونوميست بأنها "هندسة متعمدة لرالي بورصة مترهلة".
وتم تخفيض أسعار الفائدة ومتطلبات الاحتياطي، وجرى تسهيل عمليات إعادة شراء الأسهم من قبل الشركات، كما فُتحت شهية المؤسسات المالية على الاستدانة، هذه الخطوات أطلقت موجة شراء غير مسبوقة، حتى أن مستثمر التحوط الأميركي ديفيد تيبر نصح في حينها قائلا "اشتروا كل شيء".
وبعد عام من هذه الخطوات، ارتفع مؤشر شنغهاي المركب بنحو 40%، ليتجاوز في أغسطس/آب 2025 مستوى 3800 نقطة لأول مرة منذ 10 سنوات.
البداية ارتبطت بوعود تحفيز مالي وحماس متزايد لمشروعات الذكاء الاصطناعي المحلي، لكن الزخم الأخير جاء من سياسات حكومية هدفت إلى تقليص المنافسة المدمرة بين الشركات ومنع الحروب السعرية.
غير أن الغاية الكبرى -وفق إيكونوميست- لم تكن مجرد إنعاش السوق، بل تحفيز الاقتصاد الحقيقي، إلا أن "الاقتصاد رفض تلقّي الإشارة"، كما عبّر التقرير.
وعزّز ارتفاع أسعار الأسهم الثروة الورقية للمستثمرين، لكنه لم يترجم إلى زيادة ملموسة في إنفاق الأسر.
ثقة المستهلكين، التي انهارت أثناء جائحة كورونا، لم تتعافَ بعد، في أغسطس/آب الماضي، وارتفعت مبيعات التجزئة بنسبة 3.4% فقط مقارنة بالعام السابق، وهو رقم متواضع رغم موجة التفاؤل في البورصة.
وأشار التقرير إلى أن الأسر فتحت نحو 30 مليون حساب تداول جديد منذ بدء "رالي 9 /24″، ومع ذلك بقيت النزعة للاستهلاك ضعيفة، إذ أن "اشتروا كل شيء" في قاعات البورصة لم تصل بعد إلى رفوف المتاجر.
وشهدت الطروحات العامة الأولية نشاطا لافتا في هونغ كونغ ، لكن الوضع على البرّ الرئيسي بدا أكثر برودًا، بعد أن شددت السلطات معايير الإدراج في 2024 عقب انهيار سابق كلّف رئيس هيئة الأوراق المالية يي هويمان منصبه، أصبح جذب رأس المال عبر الأسهم أكثر صعوبة.
وبحسب إيكونوميست، لم يأتِ من كل الأموال التي جمعتها الشركات غير المالية خلال عام حتى أغسطس/آب 2025 سوى 1% من سوق الأسهم، وفي الوقت ذاته، هبط الاستثمار في الأصول الثابتة بأكثر من 6%، ما يعكس عزوف الشركات عن التوسع، رغم ارتفاع تقييماتها السوقية.
وذكّر التقرير بأن السلطات قلقة من تكرار سيناريو فقاعة 2015، حين قفز حجم التداولات بأكثر من 900% خلال عام واحد وأسهم القطاع المالي في 16% من نمو الاقتصاد.
اليوم، ورغم أن التداولات ارتفعت بقوة، فإن مساهمة القطاع المالي في الناتج المحلي الإجمالي بلغت 4% فقط، أحد أسباب ذلك هو تراجع العمولات التي يتقاضاها الوسطاء من 0.08% في 2014 إلى 0.02% حاليًا، فضلًا عن ضعف أرباح البنوك الصينية التي تظل اللاعب المهيمن في النظام المالي.
ورغم ذلك، تجاوزت مستويات التمويل بالهامش الأرقام القياسية لعام 2015، ما دفع بعض الوسطاء لفرض قيود إضافية على الاقتراض.
المفارقة التي رصدتها إيكونوميست أن السلطات التي أطلقت سباق البورصة أملاً في تحفيز الاقتصاد، تجد نفسها اليوم خائفة من نتائجه، حيث التضخم سلبي منذ أغسطس/آب، وأسعار المنتجين تتراجع للشهر الـ35 على التوالي، بينما يتعمق الركود العقاري وتتعرض الصادرات لضغوط متزايدة.
وختم التقرير بالقول "قد يكون من المفارقة أن ينتهي الأمر بخوف المسؤولين من نتائج صعود السوق إلى إلحاق ضرر بالاقتصاد أكبر من الفوائد المرجوة من الانتعاش نفسه".