آخر الأخبار

أدب المهجر.. هل يكسر الصورة النمطية حول مغاربة العالم؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

عبد الحميد البجوقي، الكاتب المغربي صاحب رواية "حكايات المنفى: عبسليمو النصرانيصورة من: Aziz - Ed Draiouchi/DW

يثير الاهتمام المتزايد بأدب المهجر من قبل الدولة المغربية تساؤلات حول دلالات ذلك. هل نشهد تحولًا حقيقيًا في النظرة إلى المهاجرين من مجرد مصدر للعملة الصعبة إلى قوة ناعمة غنية بثقافتها وفنونها؟ أم أن الاهتمام يعزّز توجهًا قائمًا يسعى لدمج أصوات مغاربة العالم في النسيج الثقافي الوطني ؟

دعم إبداعات مغاربة العالم

DW سألت إدريس اليزمي رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، عن إستراتيجية المجلس في دعم الكتاب والمبدعين من المغاربة المقيمين بالخارج، وما هي أنواع هذا الدعم؟ فأجاب أن المجلس قد جعل منذ إنشائه من دعم الثقافة بشكل عام أولوية في مختلف أعماله، وذلك لسببين اثنين على الأقل: أولا: أهمية الإنتاج الثقافي لمغاربة العالم في الكشف عن التحولات التي طرأت على الجالية (حوالي 20٪ من هؤلاء المغاربة لديهم الآن مستوى جامعي). ثانيا: دور هذا الإنتاج في إثراء ثقافة بلدان الإقامة والثقافة المغربية.

وأضاف اليزمي الذي يشغل أيضا المندوب العام لـ ''جنيريك'' (Génériques) وهي جمعية متخصصة في تاريخ الأجانب والهجرة في فرنسا، أن الهجرة المغربية قد ساهمت منذ عشرينيات القرن الماضي في إثراء الثقافة المغربية في جميع المجالات، من السياسة إلى الموسيقى والفنون التشكيلية والأدب والمسرح...

ومضى قائلا: "نشهد في الهجرة بروز عشرات الروائيات اللواتي يكتبن بالعربية والأمازيغية والفرنسية والإسبانية والكتالونية والفلمنكية والإنجليزية والإيطالية. وعندما نقرأ ونستمع إليهن نجد أنهن يشكلن جزءً لا يتجزأ من الثقافة المغربية وتنوعها".

عبد الحميد البجوقي، الكاتب المغربي صاحب رواية "حكايات المنفى: عبسليمو النصراني" صورة من: Aziz - Ed Draiouchi/DW

وقال اليزمي إن مجلس الجالية المغربية بالخارج، نشر حتى الآن حوالي 250 كتابًا، ودعّم ترجمة العديد من الكتب. ويُسهّل المجلس أيضًا، يسترسل المتحدث، المشاركة الفعالة للمؤلّفين المغاربة من الخارج في الفعاليات الثقافية الكبرى، سواء في المغرب أو في الخارج.

هل تحضر قضايا شائكة مثل العنصرية واليمين المتطرف وأسئلة الهوية والاندماج في أعمال كتاب مغاربة المهجر؟ لم يجب الرئيس السابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو يتحدث لـ DW، بشكل دقيق، لكنه شدد على أن كُتّاب المهجر يعيشون في مجتمعات توفّر الفرص، ولكن أيضًا في سياقات تتسم بالتشنجات الهوياتية والنزعات الشعبوية والهويات المُركبة. وقد تظهر هذه الموضوعات المرتبطة بهذه السياقات، بشكل كامن وبين السطور، في مختلف أعمالهم وإنتاجاتهم، مبرزا أن كتاباتهم، المتّسمة بالصمود والالتزام، تصبح بمثابة فعل لإعادة إنتاج الهوية وتأكيد الانتماءات المتعددة، لافتا إلى أن أدبهم بـ ''مثابة إشارة قوية، وفعل يُنبئُ عن الحضور: "نحن هنا"، وهي الكلمة التي يبدو أنهم يقولونها بين السطور. "نحن جزء من المشهد؛ نساهم في إثرائه، ومساءلته، وفتحه."

اليزمي أكد أن ثراء المسارات المتعلقة بالهجرة، يتجلى في الاشتغال على مجموعة متنوعة من المواضيع. فهناك سرديات عن الهجرة والذاكرة والمنفى، ولكن هناك أيضًا تأملات حول النقل (La transmission) والعلاقة مع اللغة، وانشغالات أخرى ذات طابع كوني مثل النوع والعدالة والبيئة والانقسامات الاجتماعية. وقد برز، بحسب اليزمي دائما، في السنوات الأخيرة نضج أدبي عميق، تقوده أقلام فريدة، تكتب أكثر فأكثر بصيغة المؤنث، وبلغات متعددة في الغالب، وتُطوّرُ أسلوبًا للكتابة في ملتقى الثقافات.

المعرض وسيلة لكسر العزلة عن أدباء المهجر

عبرت الكاتبة والشاعرة الشابة المغربية الفرنسية، ريم بطال، عن شعورها بـ"عزلة مزدوجة" ككاتبة مغربية تعيش في الخارج، فهي بعيدة عن المشهد الأدبي المغربي وتطوره، وفي الوقت نفسه منفصلة عن المغاربة المبدعين في دول أخرى.

إلا أن بطال، المزدادة سنة 1987 بمدينة الدار البيضاء، أكدت في تصريح خاص لـDW على الأهمية الكبيرة للقاءات التي نظمها مجلس الجالية المغربية بالخارج (CCME) خلال فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط. وقالت إن هذه اللقاءات "سمحت لي بمقابلة أكاديميين ومترجمين وكتابًا لم تتح لي الفرصة للقائهم غالبًا، والذين كنت أجهل أعمال بعضهم أحيانًا".

وزادت: "لقد عدت إلى فرنسا، حيث أواصل نشر الأدب الفرنسي والثقافة المغربية بكل طاقة وفرح، والأهم من ذلك، بدافعية قوية لمواصلة العمل الذي بدأته بالفعل".

ادريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج والرئيس السابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغربصورة من: Cecile Laroche

صرخة للتغيير

الكاتب المغربي المقيم في إسبانيا، عبد الحميد البجوقي، له وجهة مغايرة ذات طابع نقدي، حيث يشير، وهو يتحدث لـ DW، إلى أن حضور مؤلفات مغاربة العالم في معرض الكتاب بالمغرب لا يزال يغلبه "طابع الفلكلورية"، وأن مبادرات بعض المؤسسات تكتفي بالعرض دون "المرافقة والمواكبة والمساعدة على الانتشار''. ومع ذلك، يؤكد البجوقي أن "مجهود المهاجر الذاتي وغنى وتنوع الإنتاج الأدبي وغيره لمغاربة العالم أصبح يفرض نفسه بقوة في العالم ويتميز بتنوعه وملامسته لعالم جديد يخترق الحدود الجغرافية ويساهم في خلق ثقافة إنسانية متنوعة المصادر وممتدة في إنسان القرن 21''.

يرى البجوقي أن الهجرة تؤثر بشكل واضح في الرؤية الإبداعية لمغاربة العالم، وأنها حاضرة في أغلب رواياته ، ليس فقط كمصدر للثيمات بل كتجربة شخصية عميقة. ويوضح في هذا الصدد: "كان للمنفى القسري وشعوري المستمر بالاقتلاع والتيهان دور كبير في الكتابة، ربما الكتابة ملاذ وبحث دائم عن الهوية والانتماء والعلاقة مع الآخر، مع الأمكنة والأزمنة، بل بوجودها''.

يشدد البجوقي على أن التحدي الأول يكمن في السياسات العمومية تجاه مغاربة العالم. ويدعو المعنيين بالشأن الثقافي في المغرب إلى "تغيير نظرتهم لهذه المساهمة، واستبدال السائدة حالياً والتي تتميز بالعرض الموسمي والانتقاء، والانتقال إلى إدراجها في المناهج الدراسية والتعريف بها عالمياً ودعم ترجمة المكتوب منها بالعربية إلى لغات أخرى، والمكتوب بلغات أجنبية إلى العربية''.

هل بمقدور الإبداع الأدبي العربي عموما، والمغربي بشكل خاص أن يواجه موجة العنصرية وصعود اليمين المتطرف؟ يؤمن البجوقي، وهو يجيب على هذا السؤال بأن "الأدب يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تغيير المنظور الأوروبي أو الغربي تجاه الهجرة"، لأنه يعرض التجارب الإنسانية بشكل مؤثر ويكشف المعاناة والدوافع الحقيقية للهجرة، مما يساعد على تحطيم الصور النمطية السلبية ويعزز التعاطف والفهم.

يفضل البجوقي الحديث عن "تجربة المنفى" التي تحدث "تحولاً عميقاً في لغة الكاتب وأسلوبه"، حيث يواجه تحديات الهوية والانتماء ويعيد تشكيل أدواته التعبيرية. وتتميز نصوص المنفى أو الهجرة بـ"هجنة لغوية واضحة" وميل إلى "التجريب والانفتاح على أشكال سردية غير تقليدية"، مع استحضار "للمكان الأول" وشحنه بالحنين.

يقول البجوقي: "الكتابة في المنفى ليست مجرد أدب الهجرة أو الاغتراب، بل هي مساحة للإبداع تتجاوز الحدود، حيث تصبح اللغة وطناً بديلاً، وحيث يتم اختبار معنى الانتماء من جديد... المنفى يرافق الكاتب حتى بعد عودته التي يعيشها في منفى جديد ومعاكس، أي العودة كنفي جديد مستمر''.

اعتراف بالجذور والتحرر من القيود

ترى الكاتبة البلجيكية المغربية فتيحة السعيدي أن حضور أعمالها في المعرض الدولي للكتاب في المغرب (دورة 2025) يمثل لها الكثير كامرأة كاتبة تنتمي إلى عوالم متعددة.

في تصريح خاص لـ DW، أكدت السعيدي على أهمية اختيارها النشر في المغرب خلال السنوات الأخيرة، موضحة أنه على الرغم من أن الانتشار الإعلامي وربما مبيعات الكتب قد تكون أقل مقارنة بدور النشر البلجيكية أو الفرنسية، إلا أن النشر في المغرب يحمل ''قيمة خاصة'' من عدة جوانب.

أوضحت السعيدي أن النشر في المغرب يربطها بشكل مباشر بوطنها الأم، ويتيح لها المشاركة في لقاءات متنوعة مثل حفلات التوقيع والندوات، وهو ما يعزز تواصلها الحيوي مع الجمهور المغربي. كما أشارت إلى أن ترجمة عملها الأخير (أصداء الذاكرة في جبال الريف) إلى اللغة العربية ساهم في توسيع دائرة قرائها وتمكينها من إيصال القضايا التي تهتم بها، كما هو الحال في كتابها الذي سلط الضوء على وضعية النساء القرويات في منطقة الريف.

وعن المواضيع التي تتناولها في كتاباتها، كشفت عضو مجلس الشيوخ البليجكي السابقة، أن حقوق الإنسان، وخاصة حقوق المرأة، تحتل مكانة مركزية في أعمالها، بالإضافة إلى موضوع الهجرة الذي يحضر بقوة في العديد من مؤلفاتها. كما أعربت عن اهتمامها العميق بقضايا الذاكرة ونقلها بين الأجيال.

وفي سياق الحديث عن دعم الكتاب الشباب المقيمين في الخارج، أكدت السعيدي على أهمية توفير منصات مثل اللقاءات التي تجمعهم بجمهور القراء في المغرب. واعتبرت هذه اللقاءات بمثابة اعتراف بوجودهم وبإسهاماتهم، سواء كانوا شبابًا أو أقل شبابًا. كما أشارت إلى أن ترجمة أعمالهم إلى اللغتين العربية والأمازيغية تمثل فرصة قيمة لفتح آفاق المعرفة واكتشاف تصورات وخيالات المبدعين القادمين من خلفيات ثقافية مختلفة. وأكدت على أن هذه المبادرات الثقافية تساهم في تعزيز الروابط ومد الجسور بين الكُتّاب.

وحول كيفية تناول الكتاب المغاربة في المهجر لقضايا حساسة مثل العنصرية واليمين المتطرف والهوية والاندماج في أعمالهم، أوضحت فتيحة السعيدي أن هذه المواضيع حاضرة بقوة في كتاباتها. وقالت إنها تتعامل معها بصدق كبير ومن منظور داخلي، وهو ما يصعب على شخص لم يعش هذه التجارب أن ينقله بنفس العمق والإحساس. وأكدت أن تناول هذه القضايا من الداخل يمنح الكتابة حساسية وعاطفة خاصة، مما يسمح بالتعامل معها بتركيز على البعد الإنساني وبأصالة، مع الابتعاد عن التحليلات الأكاديمية والسوسيولوجية المجردة.

من جهتها ترى الكاتبة الفرنسية المغربية سميرة العياشي أن حضور أعمالها في المعرض الدولي للنشر والكتاب في المغرب يمثل لها "مصالحة" و"اعترافًا بالجذور" لا يقل أهمية عن التقدير الذي تحظى به في فرنسا، بلد إقامتها.

وأشارت العياشي في حوار مع DW إلى أن "المرور عبر المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط (SIEL) أصبح اليوم بمثابة لفتة رمزية قوية: ''إنه اعتراف من الضفة الأخرى، الضفة التي جئنا منها. وهذا يمنحني نوعًا من الرسوخ، حتى في فرنسا. وكأن هذا الاعتراف من بلد المنشأ يعزز صوتي هنا...". كما لفتت إلى الجانب غير المتوقع وهو بناء علاقات مهنية مع بلدها الأم من خلال عملها، معتبرة ذلك "حظًا كبيرًا".

وعن المواضيع التي تشتغل عليها في كتاباتها، أوضحت العياشي أنها تنطلق من الواقع والمجتمع والتاريخ الكبير، لكن دائمًا من خلال شخصيات فريدة وراسخة وإنسانية. شخصيات تواجه عصرها وعائلاتها والقيود الاقتصادية والسياقات الجيوسياسية.

تتناول العياشي مواضيع حساسة مثل الأطفال المغاربة القاصرين والأمهات العازبات وأزمة المراهقة، لكنها تبحث دائمًا عن "الضوء". تقول: "أحب أن تتحدى شخصياتي القدر المحتوم". وتؤمن بشدة بقوة الأدب في فتح مساحات من الحرية والحلم والأمل. وتكتب عن الروابط الأسرية ووضع المرأة وما ''يعيقنا وما يحررنا''.

وفي معرض حديثها عن حضور قضايا الهوية والاندماج في روايتها الجديدة "بطن الرجال" (Le ventre des hommes)، أوضحت العياشي أنها سعت إلى تجاوز السرديات المتوقعة حول المهاجرين، وأوضحت: "لم أكن أرغب في كتابة ''قصة مهاجر أخرى''. أردت أن أروي حكاية رجال في حركة، مغامرين، مسافرين، كائنات بشرية لها رغبات وتناقضات وأحلام".

تهتم مُؤلفة رواية ''أربعون يوماً بعد موتي" بالطريقة التي يتعامل بها هؤلاء الرجال مع الواقع، وكيف يقاومون ويتحايلون ويبتكرون. وتصفهم بأنهم ليسوا شخصيات جامدة في هوية أو معاناة، بل هم في تحول وتوتر، وفي هذا التوتر تحديدًا تولد إنسانيتهم.

وعن كيفية دعم الكتاب الشباب المقيمين في الخارج، أكدت العياشي على ضرورة دعم الإبداع أولاً وقبل كل شيء. وهذا يعني توفير فضاءات للإقامة الفنية، وإتاحة أوقات للكتابة دون القلق بشأن الأجر، والشعور بالحرية في الكتابة. لكنه يشمل أيضًا دعم الترجمة لكي تنتشر النصوص وتلامس عوالم أخرى خارج أوروبا، بالإضافة إلى دعم اقتباس الأعمال سينمائيًا على سبيل المثال.

وتضيف: "أصواتنا تحمل حقائق عالمية بلغات فريدة. والفعاليات الثقافية في بلدان الإقامة ضرورية: فهي تسمح للكتاب بالوجود في نسيج محلي، ومقابلة الجمهور، والخروج من الظل. إنها تخلق الاعتراف، وبالتالي الشرعية".

وفي إجابتها عن كيفية تناول الكتاب المغاربة في العالم لقضايا مثل العنصرية واليمين المتطرف والهوية والاندماج في أعمالهم، أوضحت العياشي أن هذه القضايا حاضرة منذ استقرار العائلات في بلدان الاستقبال، وتخترق وجودهم وسردياتهم وصمتهم بشكل دائم. لكنهم لا يجيبون عليها دائمًا بشكل مباشر. وتؤكد: "أعمالنا وكلماتنا وتخيلاتنا هي بالفعل إجابة. طريقة للوجود، للشهادة، لإسماع صوت مختلف. .. ''، وتختتم العياشي بطرح سؤال هام: "متى سيدرك بلد الاستقبال تمامًا ما نقدمه؟''.

عزيز ادريوشي ـ الرباط

تحرير: عبده جميل المخلافي

DW المصدر: DW
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار