قبل أيام من انتهاء المهلة المحددة بنهاية العام، تكثفت المحادثات بين مسؤولين سوريين و أكراد وأمريكيين في محاولة لإظهار تقدم في اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الدولة السورية. ورغم تسارع النقاشات، تشير مصادر متعددة إلى أن تحقيق انفراجة كبيرة يبدو غير مرجح، بحسب تحقيق لوكالة رويترز.
ورغم الأحاديث عن تقدم غير مسبوق، يخيّم شبح الفشل على المشهد، مهددًا بفتح الباب أمام مواجهة مسلحة جديدة قد تعيد إشعال نار الحرب في سوريا بعد 14 عامًا من الصراع.
وأكدت خمسة مصادر لرويترز أن الحكومة السورية الانتقالية أرسلت مقترحًا إلى قوات سوريا الديمقراطية، يتضمن إعادة تنظيم نحو 50 ألف مقاتل في ثلاث فرق رئيسية وألوية أصغر، مقابل تنازل الأكراد عن بعض سلاسل القيادة والسماح بدخول وحدات الجيش السوري إلى مناطقهم.
فيما قلل مسؤولون غربيون وأكراد من احتمالات التوصل إلى اتفاق شامل قبل نهاية العام، معتبرين أن أي إعلان مرتقب سيكون هدفه الأساسي تمديد المهلة وحفظ ماء الوجه، في ظل هشاشة الوضع السوري بعد عام من سقوط بشار الأسد.
وينص الاتفاق التاريخي الموقع في مارس/ آذار الماضي على اندماج كامل لقوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري، لكن معظم المصادر تؤكد أن أي خطوة حالية لن ترقى إلى هذا المستوى. وقد يشعل الفشل في تحقيق ذلك مواجهة مسلحة جديدة، وربما يستدرج تركيا التي تلوّح بالتدخل ضد المقاتلين الأكراد.
وتلعب الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية ، دور الوسيط عبر نقل الرسائل بين الطرفين وحثهما على التوصل إلى اتفاق. وقالت عدة مصادر لرويترز إن الولايات المتحدة، التي تدعم الرئيس السوري أحمد الشرع وتحث على دعم عالمي لحكومته الانتقالية، نقلت رسائل بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق وسهلت المحادثات وحثت على التوصل إلى اتفاق. ولم تعلق وزارة الخارجية الأمريكية بعد على الجهود التي تُبذل في اللحظة الأخيرة للاتفاق على اقتراح قبل نهاية العام.
ومن جهته، حذّر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان من أن أنقرة لا تريد اللجوء إلى القوة العسكرية، لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا استمر الجمود، في وقت تتصاعد فيه المناوشات على خطوط التماس شمال سوريا . وقال إن الصبر على قوات سوريا الديمقراطية "ينفد".
وسيطرت قوات سوريا الديمقراطية على جزء كبير من شمال شرق سوريا حيث يوجد معظم إنتاج البلاد من النفط والقمح، وذلك بعد هزيمة مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" "داعش" في 2019.
وقالت قوات سوريا الديمقراطية إنها تنهي عقودا من القمع ضد الأقلية الكردية، لكن الاستياء من حكمها تنامى بين السكان الذين يغلب عليهم العرب، بما في ذلك الاستياء من التجنيد الإجباري للشباب.
ويُصِرّ الأكراد على الحفاظ على الحكم الذاتي، الذي انتزعوه بعد الحرب ضد "داعش"، بينما تطالب دمشق، من جانبها، بخطوات لا رجعة فيها قبل تمديد المهلة. ويرى مسؤولون أكراد أن معالجة جميع النقاط قد تستغرق حتى منتصف 2026، ما يعكس عمق الخلافات اللوجستية والإدارية.
لكن مسؤولا سوريا قال إن الموعد النهائي للاندماج في نهاية العام ثابت ولا يمكن تمديده إلا "بخطوات لا رجعة فيها" من قوات سوريا الديمقراطية .
وقلل المسؤولون الأكراد من أهمية المهلة وقالوا إنهم ملتزمون بالمحادثات من أجل تحقيق الاندماج العادل. وقال سيهانوك ديبو وهو مسؤول في "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" إن "الضمانة الأكثر موثوقية لاستمرار صلاحية الاتفاق تكمن في مضمونه، لا في الإطار الزمني"، مشيرا إلى أن الأمر قد يستغرق حتى منتصف 2026 لمعالجة جميع النقاط الواردة في الاتفاق.
وكانت قوات سوريا الديمقراطية طرحت في أكتوبر/ تشرين الأول فكرة إعادة تنظيم نفسها في ثلاث فرق جغرافية بالإضافة إلى الألوية. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا التنازل، الوارد في الاقتراح الذي قدمته دمشق في الأيام القليلة الماضية، سيكون كافيا لإقناعها بالتخلي عن السيطرة على الأراضي.
وقال عبد الكريم عمر، ممثل "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" التي يقودها الأكراد في دمشق، إن الاقتراح الذي لم يُعلن عنه يتضمن "تفاصيل لوجستية وإدارية قد تسبب خلافا وتؤدي إلى تأخير".
وقال مسؤول سوري كبير لرويترز إن الرد السوري "يتسم بالمرونة لتسهيل التوصل إلى توافق من أجل تنفيذ اتفاق مارس".
ويخلص تحقيق رويترز إلى أن المحادثات الجارية تبدو أقرب إلى محاولة لتجنب الانفجار أكثر من كونها خطوة نحو اندماج حقيقي. ومع اقتراب نهاية العام، يبقى السؤال: هل ستنجح الأطراف في تجميد الأزمة أم أن سوريا على موعد مع فصل جديد من الصراع؟
تحرير: عارف جابو
المصدر:
DW