آخر الأخبار

سوريا بين أميركا والصين

شارك

أعطت الحكومة السورية التي تولت إدارة البلاد بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد عدة مؤشرات على رغبتها بانتهاج سياسية متوازنة قدر الإمكان، والتعاطي بإيجابية مع مختلف الفاعلين الدوليين.

وتهدف الحكومة وفق إعلان الرئيس السوري أحمد الشرع خلال تصريحات صحفية في 13 سبتمبر/أيلول الماضي إلى تحقيق التوازن في علاقاتها وتجنيب البلاد الصراعات الدولية.

وفي إطار العمل وفق مبدأ التوازن، أوفدت سوريا وزير خارجيتها أسعد الشيباني لعقد مباحثات في بكين، بعد أقل من أسبوع على استقبال الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرع في واشنطن.

ويعكس ذلك رغبة الحكومة السورية في الاستفادة من هوامش المناورة التي يتيحها التنافس الصيني الأميركي لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.

مصدر الصورة ترامب (يمين) يتحدث مع الشرع بالبيت الأبيض في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 (الفرنسية)

التنافس الصيني الأميركي وامتداداته

برزت على الساحة الدولية منذ سنوات طويلة التنافسية بين واشنطن وبكين، وكان الرئيس ترامب أعلن خلال فترته الرئاسية الأولى عام 2017 الحرب على الصين، في حين حدد خلفه الديمقراطي جو بايدن عام 2021 الصين منافسا إستراتيجيا للولايات المتحدة، وأكد وجود خطة من أجل مواجهة نشاطها غرب المحيط الهادي .

وبعد مضي قرابة 4 سنوات على إطلاق بكين لمشروع "الحزام والطريق" بمشاركة 150 دولة، الذي يهدف إلى ربط الصين بدول العالم خاصة مع الدول المنتجة للطاقة، والقارة الأوروبية، أعلنت الولايات المتحدة في سبتمبر/أيلول 2023 عن "طريق التوابل" الذي يجمع كبار مصدري ومستوردي النفط في العالم، ليكون منافسا لمبادرة "الحزام والطريق" الصيني.

وفي آواخر عام 2023 توصلت الصين إلى اتفاق شراكة إستراتيجية بينها وبين نظام الأسد، تشمل التعاون الثنائي في مشروع الحزام والطريق، ويندرج ضمنه أيضا مشروع الربط السككي الممتد من إيران إلى سوريا التي تمتلك موانئ على البحر المتوسط قريبة جدا من الأسواق الأوروبية.

إعلان

وفي أبريل/نيسان 2025 اتهمت وزارة الخارجية الأميركية شركة "تشانغ كوانغ" الصينية بتزويد جماعة الحوثي بصور أقمار اصطناعية أتاحت للجماعة استهداف سفن أميركية في البحر الأحمر ، ضمن الحملة التي أطلقتها الجماعة منذ مطلع عام 2024 تحت عنوان "مناصرة" غزة.

وفي الواقع فإن هذا التطور يعكس امتداد حالة التنافس بين واشنطن وبكين إلى الشرق الأوسط، خاصة على طرق الملاحة الدولية وممرات الطاقة.

ويغري موقع سوريا على البحر المتوسط الصين التي لا توفر الفرص لتطوير علاقاتها مع دول المنطقة، ومن ذلك دخولها على خط الوساطة بين الرياض وطهران التي انتهت بإعلان تطبيع العلاقات بين الجانبين صيف عام 2023.

الأهداف الأميركية بسوريا

نقلت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير نشرته في أبريل/نيسان الماضي أن قادة الحزب الجمهوري الأميركي لديهم قلق من تراجع نفوذ بلادهم في سوريا على نحو يتيح فرصة لكل من روسيا والصين.

في مطلع أغسطس/آب الماضي أعلن المبعوث الأميركي توماس براك ما عرف بورقة "براك" الخاصة بنزع سلاح حزب الله اللبناني بشكل كامل مع حلول نهاية عام 2025، وهذا يقتضي منع تدفق السلاح إلى الحزب مجددا عبر الأراضي السورية، مما يعني ضرورة التنسيق مع الحكومة السورية.

وبالفعل فقد طورت واشنطن هذا التنسيق مع دمشق بعد ضم سوريا إلى التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، كما أعلن براك عقب زيارة الشرع إلى واشنطن أن سوريا ستساعد في تفكيك بقايا الحرس الثوري وحزب الله وتنظيم الدولة.

وأكد الرئيس الأميركي مرارا أن رفع العقوبات عن سوريا تم بناء على طلب تركيا والسعودية وقطر، مما يشير إلى أن جزءا من التعاطي الأميركي الإيجابي مع الملف السوري هو استجابة لرغبة حلفاء واشنطن التقليديين في إطار استعادة زخم التحالف مع هذه الدول بعد الاضطرابات التي شهدتها العلاقات بين واشنطن من جهة وأنقرة والرياض في حقبة الإدارة الديمقراطية.

مصدر الصورة براك (يمين): سوريا ستساعد في تفكيك بقايا الحرس الثوري وحزب الله وتنظيم الدولة (الفرنسية)

مصالح الصين في سوريا

تبقى مسألة تطوير العلاقة مع دمشق أمرا حيويا لبكين التي لا تزال تبحث عن تطوير مبادرة الحزام والطريق، وهنا تبرز أهمية سوريا التي تمتلك موقعا جغرافيا وموانئ على البحر المتوسط يمكن أن تربط الصين مع تركيا وأوروبا، بالإضافة إلى إمكانية تسهيل وصول الصين إلى دول شمال أفريقيا.

وإضافة لهذا، فقد أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال لقائه نظيره السوري في بكين استعداد بلاده للنظر بإيجابية في المشاركة بإعادة إعمار سوريا، وتبقى الصين من ضمن الخيارات المهمة في هذا المضمار لما تمتلكه من قدرة على إنشاء البنية التحتية، بما فيها شبكات الاتصالات والتكنولوجيا.

وفي سياق آخر، فلدى الصين أيضا مخاوف أمنية من سوريا لا تخفيها، ومصدره مستقبل المئات من المقاتلين الإيغور المنحدرين من إقليم تركستان الشرقية الخاضع لسيطرة الصين، والذين قاتلوا طيلة الأعوام الماضية في سوريا ضد نظام الأسد إلى جانب المعارضة، وهم حاليا جزءا من الجيش السوري الجديد، وبالتالي فإن فتح قنوات التواصل بين الصين وسوريا سيكون ضروريا لبكين من أجل ضمان عدم تشكيل هؤلاء المقاتلين تهديد لها.

إعلان

وأكدت التصريحات التي صدرت عن وزير الخارجية السوري بعد زيارته بكين التوصل إلى تفاهمات أمنية مع الصين، إلا أن مصادر رسمية سورية نفت التقارير التي تحدثت عن نية دمشق تسليم المقاتلين الإيغور إلى الصين.

وأكدت مصادر دبلوماسية في دمشق لموقع الجزيرة نت أن بكين تبحث فقط عن ضبط هذه العناصر، وضمان أن دمشق تعمل على دمجهم الكامل وعدم ترك المجال لهم لإقامة معسكرات مستقلة تكون منطلقة لهجمات ضد المصالح الصينية.

مصدر الصورة الشيباني مع نظيره الصيني وانغ يي في بكين (سانا)

واقع معقد

يتصف الملف السوري بتعقيدات كبيرة نتجت عن 14 عاما من الصراع وتدخل أطراف دولية عديدة فيه، وقد استمرت هذه التعقيدات إلى مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد، في ظل بلد مدمر يحتاج إلى مئات مليارات الدولارات من أجل إعادة الإعمار.

ويزيد من صعوبة الأمر استمرار تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية والأميركية على تحسين الاقتصاد، بالإضافة إلى بعض القرارات الأممية التي شكلت عائقا أمام تطبيع وضع الحكومة الانتقالية وأشخاصها.

من جهة أخرى، لا تزال بعض الأطراف الدولية تدعم منظومات ما دون الدولة، مما يبطئ عملية توحيد البلاد مجددا تحت سلطة واحدة، على غرار ما تفعله الولايات المتحدة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، كما أن إسرائيل مستمرة منذ سقوط الأسد في الانتهاكات داخل الأراضي السورية.

ويدفع هذا الواقع السابق الحكومة السورية إلى الانفتاح على الأطراف الدولية بشكل عام من أجل حلحلة هذه التعقيدات.

في آواخر يونيو/حزيران الماضي أمر الرئيس ترامب بتوقيع أمر تنفيذي بإنهاء العقوبات على سوريا، مع إبقائها على الرئيس السوري الشرع ومساعديه وتنظيم الدولة ووكلاء إيران، ثم قادت واشنطن لاحقا جهود إزالة الشرع ووزير الداخلية السوري أنس خطاب من على قائمة العقوبات الأممية.



ونجحت زيارة الشرع إلى واشنطن في عقد لقاء مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب برايان ماست الذي يصنف ضمن أهم المتحفظين على إلغاء قانون قيصر، مما أعطى دفعة تفاؤل كبيرة حيال إمكانية إلغاء القانون مع نهاية العام الحالي.

من جانب آخر، أشار المبعوث براك في مناسبات عديدة لاندماج قسد ضمن الدولة السورية، كما تسعى واشنطن من أجل التوصل إلى اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل لوقف الانتهاكات الإسرائيلية للأراضي السورية، مما يعزز فرص الحكومة السورية في توفير الاستقرار.

وساهم التعاطي الإيجابي السوري مع الصين ومن قبل زيارة الشيباني إلى بكين، في امتناع الصين عن تعطيل قرار مجلس الأمن الذي صدر في الأسبوع الأول من الشهر الحالي، الذي ينص على إزالة اسم الرئيس أحمد الشرع، ووزير الداخلية أنس خطاب من قائمة العقوبات الدولية، كما أعطت التصريحات الصينية الرسمية مؤشرات على الرغبة في تطوير التعاون الاقتصادي مع دمشق.

ورغم تحقيق دمشق لمكاسب متعددة في ظل التنافس الصيني الأميركي، فإن من المحتمل أن تضيق هوامش مناورة دمشق مستقبلا، لأن واشنطن قد لا تتقبل منح سوريا المزيد من النفوذ للصين.

كما أن الحكومة السورية قد تجد أن مصالحها تقتضي تعزيز التحالف بشكل أكبر مع الولايات المتحدة، نظرا لما تملكه الأخيرة من تأثير سياسي دولي، ونفوذ في المنطقة خاصة على إسرائيل التي تعتبر أبرز تهديد لسوريا في مرحلة ما بعد الأسد، بالإضافة إلى النفوذ العسكري لواشنطن في سوريا، وما تملكه من قدرة على تعزيز وحدة الأراضي السورية.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا