منذ القديم، لعبت الحروب دورا هاما في بروز العديد من الإبتكارات والإختراعات. فبالحرب العالمية الأولى، شهد العالم ظهور ابتكارات هامة مثل الدبابة والغازات الكيماوية والقنابل اليدوية والألغام والخوذة المعدنية كما تطور مجال الطب أيضا بنفس الفترة عقب إنجازات هامة بعمليات نقل الدم وتنظيف الجروح الملوثة وتقدم الجراحة الميدانية.
وبنفس هذا السياق، عرفت البشرية العديد من الإكتشافات والإبتكارات الهامة أثناء فترة الحروب النابليونية التي أسفرت عن سقوط ملايين الضحايا. ومن ضمن هذه الإكتشافات يذكر التاريخ عنصر اليود الكيميائي الذي اكتشف بمحض الصدفة وغير حياة البشرية.
وخلال فترة الحروب النابليونية التي اندلعت مطلع القرن التاسع عشر واستمرت لحين سقوط نابليون بونابرت وتنازله عن العرش بشكل نهائي، عانت فرنسا من نقص في البارود بسبب الحصار القاري ضد البريطانيين وعدم امتلاكها لموارد طبيعية كافية من مادة نيترات البوتاسيوم التي كانت ضرورية لإنتاج البارود.
ولتلبية حاجياتها من نيترات البوتاسيوم، لجأت فرنسا لحل بديل حيث قامت بتخمير عدد من المواد العضوية كالروث والفضلات النباتية. إلى ذلك، تطلبت عملية الحصول على نيترات البوتاسيوم بهذه الطريقة وقتا طويلا وتسببت بأكثر من مناسبة في نقص بالبارود.
وبتلك الفترة، عمل الكيميائي الفرنسي برنارد كورتوا (Bernard Courtois)، المعروف بإسهاماته في ابتكار المورفين، المولود عام 1777 بمدينة ديجون (Dijon) بمجال استخراج نيترات البوتاسيوم انطلاقا من الطحالب البحرية حيث عمل هذا العالم الفرنسي على معالجة بقايا الطحالب اعتمادا على حمض الكبريتيك.
وأثناء عمله على استخراج نيترات البوتاسيوم عام 1811، سكب برنارد كورتوا دون قصد كمية كبيرة من حمض الكبريتيك على بعض من بقايا الطحالب البحرية. وبسبب ذلك، بدأ بخار بنفسجي كثيف بالظهور بموقع عمله. وعندما يتكثف، يتحول هذا البخار لمادة صلبة سوداء براقة.
وعقب هذه التجربة الفريدة، شكك برنارد كورتوا في اكتشافه لعنصر كيميائي جديد. وفي الأثناء، لم يملك الأخير الإمكانيات الكافية لإجراء تجارب إضافية وتأكيد اكتشافه. وبالفترة التالية، لعب عالما الكيمياء جوزيف لويس غي لوساك وهمفري دافي دورا هاما في تأكيد تجربة كورتوا ونجاحه في اكتشاف عنصر كيميائي جديد أطلق عليه اسم اليود الذي اشتق من اليونانية ويعني البنفسجي.
بيومنا الحاضر، يستخدم اليود بمكون هام بالعديد من المجالات كصناعة الأدوية، خاصة أدوية الغدة الدرقية، وبالمجال الصناعي والفلاحي. وعلى الرغم من اكتشافه الهام، لم يحقق كورتوا أي أرباح خاصة أنه لم يقدم براءة اختراع بسبب وضعه المادي. وبنهاية حكم نابليون بونابرت، تدهورت الحالة المادية لبرنارد كورتوا الذي عانى من الفقر والديون وتوفي عام 1838 بظروف صعبة.