آخر الأخبار

البسطرمة في كركوك.. نكهة خاصة لحرفة الأجداد وطعم موروث

شارك

شفق نيوز- كركوك

في سوق كركوك الرئيسي، حيث تختلط البهارات بروائح اللحم المُدخّن ويتقاطع صوت الباعة مع حركة المتسوقين، تبرز صناعة البسطرمة العراقية كواحدة من أهم الموروثات الغذائية التي لا تزال تحتفظ بجاذبيتها وأصالتها.

وفي جولة لوكالة شفق نيوز داخل السوق، التقت خلالها بعدد من العاملين والمختصين بصنع وبيع البسطرمة، وكذلك الزبائن الذين يقبلون عليها للحديث عن هذه الصناعة التي تشتهر بها كركوك منذ عقود طويلة.

تراث كامل

يقول سعدون القصّاب، أحد أقدم العاملين داخل السوق الرئيسي في كركوك، لوكالة شفق نيوز، إن "الكثير يظنون أن البسطرمة مجرد لحم مملّح أو مجفف، لكنها في الحقيقة تراث كامل ومهنة لها أسرار. نحن نصنعها كما صنعها أهلنا قبل أكثر من سبعين سنة. لا نغيّر المكونات ولا طرق العمل، حتى تبقى النكهة الأصلية التي يعرفها أهل كركوك".

ويتابع سعدون قائلاً، إن "الناس تزدحم على البسطرمة خصوصًا بالشتاء. الجو البارد يساعد على تجفيف اللحم بشكل طبيعي. في الماضي لم تكن لدى الناس ثلاجات، ولذلك كان أهلنا يعتمدون على هذه الطريقة لحفظ اللحم. ولهذا البسطرمة ليست أكلة فقط، بل هي جزء من تاريخ المدينة".

ويشير إلى أن المدينة، بتنوعها الثقافي، انعكس ذلك على وصفة البسطرمة الكركوكية: "ترى كركوك تجمع العرب والتركمان والكورد، وكل واحد أضاف لمساته. لذلك أصبحت البسطرمة هنا لها نكهتها الخاصة".

مراحل الصناعة الخمس

أما جمعة صالح، الجزار المعروف بخبرته الطويلة، فقد تحدث لوكالة شفق نيوز عن تحويل المراحل التقليدية إلى تصريح مباشر، قائلاً إن "عملية صنع البسطرمة ليست سهلة مثل ما يتوقع البعض. أول شيء نحتاج لحم عجل أو بقر قليل الدهن، لأن الدهون الكثيرة تفسد الوصفة. بعد أن نختار اللحم، نغطيه بالملح الخشن يومين أو أربعة أيام حسب حجمه. الملح يسحب الماء من اللحم".

ويضيف: "بعدها نغسله ونضعه بين لوحين خشب حتى تضغطه ونخرج منه كل السوائل الزائدة، فلو تركنا السوائل بداخلها سوف يتغير طعمها".

ثم ينتقل للمرحلة الأهم قائلاً: “في هذه المرحلة يأتي دور البهارات، وهي السر الأكبر. نصنع خلطة اسمها (الكتما)، وهي نفس الوصفة التي يستخدمها أهل كركوك منذ زمن طويل، وتتكون من: ثوم، فلفل أحمر، كمون، حلبة وبهارات بلدية. نخلطها مع اللحم ونعلّقه أسابيع حتى يجف تماماً. والطقس البارد له دور كبير، لأنه يساعد على إعطاء الطعم القوي الذي يحبه الناس".

ويختم كلامه قائلاً: "الناس تعرف البسطرمة الأصلية من أول لقمة. إذا حصل خطأ في مرحلة من مراحلها، تنكشف فوراً".

الأكثر طلباً

من جانبها، تحدثت أسماء عبد الجبار، وهي موظفة في أحد محال بيع المواد الغذائية داخل سوق كركوك الرئيسي، لوكالة شفق نيوز، مؤكدة أهمية البسطرمة في الحركة التجارية داخل السوق: "البسطرمة بالنسبة للناس ليست مجرد منتج.. زبائن يأتون من مناطق بعيدة خصيصًا لكي يشتروها من هنا.. كثير منهم يقولون إن نكهتها في كركوك لا تشبه أي مكان آخر. وهذه الصناعة فعلاً تدعم السوق وتحرّك البيع خاصة بالمواسم الباردة".

وتضيف أسماء: "يومياً نشاهد شباب، وعوائل، وحتى مسافرين يشترون كميات ويأخذونها لأقاربهم خارج المحافظة. البسطرمة أصبحت هدية تراثية من كركوك".

في حين يقول يوسف علي، وهو مدرس متقاعد يزور السوق بشكل مستمر، لوكالة شفق نيوز، "منذ زمن طويل ونحن نشتري بسطرمة من السوق الرئيسي. أمي كانت تطبخ لنا البيض مع البسطرمة وهذا الطعم من المستحيل أن أنساه. مهما جربت في محافظات ثانية، لا أجد نفس النكهة في بسطرمة كركوك".

ويتابع: "البسطرمة العراقية تختلف عن التركية والأرمنية. نكهتها أقوى، وبهاراتها أكثر جرأة، وهذا يتماشى مع الذوق العراقي".

وبين تراث سعدون القصاب، وخبرة جمعة صالح، ورؤية أسماء عبد الجبار، وذكريات يوسف علي، تتضح مكانة البسطرمة العراقية كرمز من رموز كركوك الغذائية والتراثية.

ومع استمرار حركة السوق وحفاظ الحرفيين على طرقهم القديمة، تظل هذه الصناعة علامة فارقة تميز كركوك عن غيرها، ويظل تاريخها حاضرًا في كل لقمة.

شفق نيوز المصدر: شفق نيوز
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا