آخر الأخبار

"صديقة الفقراء".. عجلة "الرف" تراث عراقي يعود لأكثر من نصف قرن

شارك

شفق نيوز- كربلاء/ ذي قار

على الرغم من تقادم الزمن وظهور موديلات حديثة من السيارات، ما زالت سيارات "الرف" الروسية الصنع تحفر مكانها في شوارع المدن العراقية، حاملة معها ذكريات أكثر من خمسة عقود من التاريخ المشترك مع العراقيين.

اسُتوردت هذه السيارات لأول مرة في سبعينيات القرن الماضي، وبالتحديد في العام 1974 لتصبح لاحقاً العمود الفقري لوسائل النقل العامة في البلاد وعلى مدار العقود الماضية قدمت سيارات "الرف" خدمات لا تُنسى للركاب، وكانت رفيقاً يومياً لآلاف العراقيين في تنقلاتهم داخل المدن وخارجها.

واليوم ما تزال بعض المناطق مثل قضاء الهندية في محافظة كربلاء المقدسة ومناطق في ذي قار، تشهد نشاطاً واضحاً لهذه السيارات التي تستمر في نقل الركاب رغم المنافسة الشرسة للمركبات الحديثة.

ويؤكد كثير من السكان أن سيارات "الرف" لم تعد مجرد وسيلة نقل قديمة بل جزء من هوية المدن وتراثها الحي تروي قصة تحولات العراق السياسية والاجتماعية على مر العقود، وتذكر الأجيال بمرحلة زمنية شكلت جزءا من حياتهم اليومية.

لذا يفضل الكثير من المواطنين الركوب بسيارة "الرف"، لأن أجرتها رخيصة للغاية ولاتتجاوز 250 دينار فقط.

يقول المواطن سعد داغر من قضاء طويريج بمحافظة كربلاء، إن "سيارة الرف متينة وواسعة بعكس السيارات من نوع (الكيا)".

ويضيف في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "هذه السيارة تسير لمسافات بعيدة بين الأقضية والقرى وتتحمل الطرق الوعرة وغير المعبدة"، مبيناً أن "سيارة الرف تقطع مسافة 10 كم من منطقة (أم الهوا) إلى قضاء طويريج بأجرة 250 دينار للراكب الواحد".

وفي محافظة ذي قار، ما تزال بعض السيارات من هذا النوع تعمل بنشاط داخل المدن وبين الأحياء والقرى التابعة للمحافظة، مقدمة خدمات النقل لسكان المنطقة رغم مرور السنوات وظهور وسائل نقل حديثة.

ويقول سائق "الرف" حسين عادل، إنه يعمل بسيارته "الرف" داخل مدينة الناصرية منذ عدة سنوات.

ويوضح في حديثه لوكالة شفق نيوز، أنه يقطع المسافة بين مركز المدينة وحي الفداء البالغة ثلاثة كيلومترات عدة مرات يومياً لنقل الركاب إلى منطقتهم، مشيراً إلى أنه يعمل بهذه السيارة منذ العام في 2011.

ويصف عادل سيارة "الرف" بأنها "محبوبة الفقراء لأنها تقطع مسافات بعيدة وتسير بطرق وعرة بأجرة زهيدة للغاية".

وبحكم عمرها الطويل من الطبيعي أن تتعرض هذه السيارات التراثية لبعض الأعطال إلا أن سائقيها يحرصون على صيانتها بشكل مستمر لضمان استمرار عملها كما خضعت هذه المركبات لعدة تعديلات شملت تحسين المحركات وإعادة تثبيت المقاعد وتجهيزات أخرى لتظل "الرف" حاضره في شوارع المدن ويواصل خدمة الركاب بكفاءة.

ووفق مصادر مرورية، فإن نظام التسجيل المعتمد في الدوائر المرورية، يمنع تسجيل الحافلات التي يتجاوز عمرها 30 عاماً، إذ تُعتبر خارج الخدمة وتُدرج ضمن السيارات المشمولة بالتسقيط، ولا يُسمح حالياً بإعادة تسجيلها أو إدخالها إلى الخدمة من جديد.

وينبثق اسم سيارة "الرف" من الطراز الروسي "راف"، وما زالت هذه السيارة التراثية تصمد أمام الاندثار، مواصلة عملها ضمن خطوط نقل منتظمة، تماماً مثل سيارات النقل العامة الحديثة المنتشرة في مختلف أنحاء العراق.

ويقول المواطن مسلم حسن الركابي في حديثه لوكالة شفق نيوز، إن "سيارة الرف تذكرني بطفولتي يوم كنت أركبها بصحبة أمي ونحن نتجه إلى سوق المدينة".

ويتابع "حين أشاهد هذه السيارة يندفع أمامي سيل من الذكريات، إذ تسحبني إلى فترة من حياتي لم أكن أدرك بها شيئاً سوى التعلق بعباءة أمي وهي تصعد إلى جوف سيارة الرف"، مشيراً إلى أنه "ما زال يتذكر أسماء ووجوه سائقي هذه السيارات إذ كانوا يقلونا من الحي السكني إلى السوق وبالعكس، ومنهم من فارق الحياة، وبعضهم أقعده المرض أو الشيخوخة، لكنهم كانوا جميعاً يتصفون بالخلق ولمعاملة الحسنة مع الركاب".

أما الحاجة أم سمير فلم تتمالك نفسها حين ذكرنا أمامها سيارة "الرف"، وانطلقت تسرد العديد من المواقف لهذه السيارات وأصحابها.

وتشير أم سمير في حديثها لوكالة شفق نيوز، إلى أنه "لم يحدث مرة أن تعطلت سيارة الرف بنا حتى ونحن نمضي في الطرق الترابية أو في المناطق الوحلة"، منوهة إلى أن "سائقي هذه السيارات معروفون لنا جميعاً لأنهم من اهالي المنطقة وتربطهم بالجميع علاقات طيبة".

وتلفت إلى أن "هذه السيارات تذكر الناس بالبساطة وانخفاض الأسعار وبالعلاقات الوطيدة التي تربط الناس ببعضهم خلاف ما نراه حالياً من التشرذم وضعف شبكة العلاقات والعزلة الاجتماعية".

وتفرض التكنولوجيا نفسها فتزيح القديم أو الذي لم يعد صالحاً، لتحل محله منتجات وتقنيات وموديلات لسيارات فاخرة وفارهة، إلا أن التكنولوجيا لا يمكنها أن تمحو من الذاكرة، التاريخ والماضي الذي توثقه الأدوات التي كانت سائدة في فترة ما، ومنها سيارات "الرف" التي ما يزال كثيرون يذكرونها بخير.

شفق نيوز المصدر: شفق نيوز
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا