آخر الأخبار

ماو تسي تونغ: قائد "نهضة الصين" أم المسؤول عن فناء الملايين؟

شارك
مصدر الصورة

في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 1949 أعلن الزعيم الصيني ماو تسي تونغ قيام جمهورية الصين الشعبية، التي أصبحت بعد نحو سبعين عاماً واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً وأكبر دولة مصدّرة في العالم.

الصين هي الأكثر سكاناً على مستوى العالم، وتعود حضارتها إلى ما يقارب أربعة آلاف عام. وقد أسهمت في ابتكارات أساسية شكّلت ركائز العالم المعاصر، مثل الورق والبارود والبوصلة والعملة الورقية والتسليف المصرفي والألعاب النارية.

قامت الجمهورية الجديدة بعد انتصار الشيوعيين على قوات حزب الكومنتانغ، وهو الحزب القومي الصيني الذي حكم البلاد قبل 1949 ثم انسحب إلى تايوان بعد هزيمته أمام الشيوعيين بقيادة ماو. وهناك أسس زعيمه تشيانغ كاي تشيك ما عُرف بـ جمهورية الصين الوطنية. ومنذ ذلك الحين برز كيانان متوازيان: جمهورية الصين الشعبية في البر الرئيسي بقيادة ماو، وجمهورية الصين الوطنية في تايوان.

لكن بكين تصر على أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها ويجب أن تعود إلى "الوطن الأم". وقد تسبب هذا النزاع على مدى عقود في توترات وتهديدات صينية باستخدام القوة، قبل أن تشهد العلاقات بين الجانبين منذ عام 2008 قدراً من التعاون والانفتاح.

مصدر الصورة

من هو ماو تسي تونغ مؤسس الصين الشعبية؟

ولد ماو تسي تونغ في 26 ديسمبر/كانون الأول عام 1893 في قرية شاوشان بمقاطعة هونان في الصين، وتوفي في 9 سبتمبر/أيلول عام 1976 في العاصمة بكين.

وتصفه دائرة المعارف البريطانية بأنه المنظر الماركسي الصيني الرئيسي والجندي ورجل الدولة الذي قاد الثورة الشيوعية في بلاده. وكان ماو زعيما للحزب الشيوعي الصيني من عام 1935 حتى وفاته، كما شغل منصب رئيس جمهورية الصين الشعبية بين عامي 1949 و1959.

ولم يكن ماو تسي تونغ زعيم الثورة الصينية ومؤسس جمهورية الصين الشعبية فحسب، بل أصبح في فترة ما أحد أقطاب الشيوعية في العالم، بممارسة مختلفة عن أسلوب الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق.

مصدر الصورة

التمرد "المبكر"

كان والد ماو تسي تونغ فلاحاً صارماً نجح في تحسين وضعه حتى أصبح تاجراً للحبوب، فيما عُرف عنه تشدده في تربية أبنائه. غير أن ماو أبدى منذ صغره ميلاً إلى التمرد على تقاليد والده، فبينما أراده فلاحاً، كان هو يتطلع إلى التعليم والمعرفة.

غادر ماو بيت أسرته في الثالثة عشرة من عمره ليلتحق بمدرسة ابتدائية في منطقة مجاورة. وفي عام 1911 وصل إلى عاصمة الإقليم تشانغشا حيث دخل مدرسة عليا، وكان ذلك في وقت شهدت فيه الصين سقوط أسرة تشينغ الحاكمة وذروة ثورة سون يات سن.

انضم ماو حينها إلى وحدة من الجيش الثوري وخدم لفترة قصيرة لم تتجاوز ستة أشهر، قبل أن يعود إلى تشانغشا ليتأمل في مساره الدراسي. وقد تردّد بين دراسة القانون والتاريخ والأعمال، لكنه استقر في النهاية على التعليم، ليتخرج في عام 1918 من مدرسة لإعداد المعلمين.

مصدر الصورة

الحزب الشيوعي

انتقل ماو تسي تونغ إلى بكين لمتابعة دراسته الجامعية، لكنه لم يكن يملك المال الكافي، فعمل في مكتبة الجامعة نحو ستة أشهر قبل أن يعود إلى تشانغشا ليعمل في التدريس.

في تلك الفترة تعرّف على عميد الكلية تشن دوشيو وأمين المكتبة لي دا تشاو، اللذين يعدان من مؤسسي الحزب الشيوعي الصيني، وكان ذلك في مايو/أيار 1921.

في العام نفسه تزوج ماو من يانغ كاي هوي، ابنة معلمه، والتي أعدمها حزب الكومنتانغ عام 1930. ومنذ عام 1928 ارتبط بهه تسه تشن، التي أنجبت له خمسة أطفال قبل أن يطلقها عام 1937، ثم تزوج لاحقاً الممثلة جيانغ تشينغ التي لعبت دوراً محورياً في الثورة الثقافية.

بين عامي 1920 و1921 انخرط ماو في تنظيم الطلبة والتجار والعمال ضد السيطرة اليابانية على الامتياز الألماني في إقليم شاندونغ، وهو أحد بنود معاهدة فرساي بعد الحرب العالمية الأولى. وقد اعتبر ماو ذلك انتقاصاً من السيادة الصينية وأحد أسباب تصاعد مشاعر العداء للإمبريالية بين الناشطين الصينيين.

وفي عام 1921 مثّل ماو إقليم هونان في الاجتماع التأسيسي للحزب الشيوعي الصيني في شنغهاي. وبعد عامين، أوصت الشيوعية الدولية (الكومنترن) بتحالف الشيوعيين الصينيين مع الحزب القومي (الكومنتانغ) بقيادة سون يات سن، الذي كان يسعى إلى تقويض نفوذ ملاك الأراضي الكبار وتوحيد البلاد تحت سلطة مركزية قوية.

مصدر الصورة

في عام 1924 انتقل ماو تسي تونغ إلى شنغهاي في إطار التعاون الذي فرض بين الحزب الشيوعي الصيني والكومنتانغ بضغط من الكومنترن (منظمة الأممية). كان حينها أحد الكوادر الشيوعية الصاعدة التي بدأت بالاحتكاك بالحياة السياسية في المدن الكبرى.

وبعد عام عاد إلى إقليم هونان حيث انخرط في تنظيم احتجاجات للفلاحين، قبل أن يضطر إلى الفرار إلى كانتون، مقر قيادة سون يات سن، الذي توفي فجأة في مارس/آذار 1925، ليتسلم تشيانغ كاي تشيك قيادة الكومنتانغ.

وبحسب دائرة المعارف البريطانية، عاد ماو في شتاء 1924-1925 إلى قريته شاوشان للاستراحة، وهناك شهد المظاهرات الفلاحية التي تصاعدت بعد أن أطلقت الشرطة الأجنبية النار على عشرات المتظاهرين الصينيين في شنغهاي بين مايو/أيار ويونيو/حزيران 1925، وهو الحدث المعروف بـ "حركة 30 مايو". عندها أدرك ماو الإمكانات الثورية الكامنة في الفلاحين.

فعلى الرغم من أنه نشأ في أسرة ريفية، فإن سنوات دراسته جعلته يتبنى النظرة التقليدية للنخبة الصينية التي كانت تحتقر العمال والفلاحين وتصفهم بالجهل والقذارة. ومع تحوله إلى الماركسية أعاد تقييم نظرته للبروليتاريا الحضرية، لكنه ظل متأثراً بازدراء ماركس للفلاحين. غير أن عودته إلى قريته ومشاهدته لحركة الفلاحين الثائرة جعلته يغيّر موقفه جذرياً، ويرى في الريف وقود الثورة ومستقبل الصين.

وفي الوقت نفسه، عزز تشيانغ كاي تشيك سلطته داخل الكومنتانغ، وأقدم عام 1927 على شن حملة عنيفة ضد الشيوعيين عرفت بـ "مجزرة شنغهاي"، ما أنهى التحالف الأول بين الحزب القومي والشيوعيين. وإثر ذلك اضطر الشيوعيون إلى الانسحاب إلى الريف، حيث وجدوا في صفوف الفلاحين الساخطين قاعدة واسعة أصبحت لاحقاً الحاضنة الأساسية لحركتهم الثورية.

الماوية

من هنا تبلورت أفكار ماو تسي تونغ التي uرفت لاحقاً في الأدبيات الشيوعية بـ"الماوية، والتي اعتبرت أن الثورة ليست حكراً على الطبقة العاملة الصناعية، بل يمكن أن يقودها الفلاحون أيضاً، وهو ما سعى ماو إلى تطبيقه عملياً. "

وفي تلك المرحلة أيضاً بدأت ملامح عدائه للقوميين وشكوكه حيال الاتحاد السوفيتي، ما ساهم لاحقاً في صياغة توجهه الشيوعي المختلف عن النموذج السوفيتي.

وفي عام 1927 قاد ماو مجموعة صغيرة من الفلاحين من إقليم هونان إلى إقليم جيانغشي الجبلي، حيث أسس مع رفاقه من الحزب الشيوعي إدارة محلية على النمط السوفيتي، وبدأوا في تشكيل قوة مسلحة كانت النواة الأولى لـ الجيش الأحمر، الذي تمكن بعد 22 عاماً من هزيمة القوميين وإجبارهم على الانسحاب إلى جزيرة تايوان.

ومع مطلع الثلاثينيات، كان الكومنتانغ قد نجحوا في إضعاف نفوذ ملاك الأراضي وتوحيد البلاد تحت سلطتهم، ثم وجّهوا جهدهم نحو القضاء على الشيوعيين، لتبدأ واحدة من أكثر مراحل الصراع الداخلي دموية في تاريخ الصين الحديث.

في عام 1934 شن تشيانغ كاي تشيك حملة عسكرية واسعة على معقل الشيوعيين في إقليم جيانغشي، ما اضطرهم إلى الانسحاب وبدء ما عرف لاحقاً بـ"المسيرة الكبرى". قطع الشيوعيون خلالها مسافة تقدر بستة آلاف ميل، من جيانغشي إلى بلدة يانان في إقليم شنشي شمالي البلاد.

ومن بين نحو ثمانين ألف مقاتل بدأوا المسيرة، لم ينج سوى عشرهم تقريباً.

وعلى مدى السنوات العشر التالية، تحولت يانان إلى معقل للحزب الشيوعي ومركز لإعادة تنظيم صفوفه، وهناك برز ماو تسي تونغ كزعيم بلا منازع للحركة الشيوعية الصينية.

وفي تلك المرحلة، طبّق ماو ورفاقه عملياً السياسات التي ستبنى عليها جمهورية الصين الشعبية لاحقاً، إذ وزعوا الأراضي على الفلاحين ونالوا دعمهم، وكتب ماو عن ضرورة تكييف الماركسية اللينينية مع الخصوصية الصينية، مؤكداً أن الفلاحين يشكلون القوة المحركة للثورة.

الحرب الأهلية

في عام 1937 غزت اليابان الصين، الأمر الذي دفع القوميين والشيوعيين إلى تجديد تحالفهم، بضغط من القوى الوطنية في البلاد وتشجيع من الكومنترن. وخلال سنوات الحرب ضد اليابان، تعاظمت قوة الجيش الأحمر ليصل قوامه إلى نحو مليون مقاتل، وتمكن ماو تسي تونغ من توسيع نفوذ الشيوعيين ليشمل ما يقارب مئة مليون صيني.

لكن ما إن انسحبت اليابان عام 1945 حتى عادت الحرب الأهلية بين القوميين والشيوعيين لتحتدم من جديد. واستمرت المعارك حتى عام 1949 حين حُسم الصراع بانتصار الشيوعيين وهزيمة الكومنتانغ، الذين انسحبوا إلى تايوان. وفي أعقاب هذا الانتصار أعلن ماو تسي تونغ قيام "جمهورية الصين الشعبية"، وتولى رئاسة الحزب الشيوعي ورئاسة الدولة، إضافة إلى رئاسته اللجنة العسكرية التي قادت جيش التحرير الشعبي.

منذ ذلك الحين بدأ ماو ورفاقه في المكتب السياسي للحزب الشيوعي مشروعاً لإعادة بناء الصين، عبر خطط تنمية متتابعة وثورات سياسية واجتماعية متعاقبة غيّرت مسار البلاد لعقود تالية.

ماو وستالين

بعد استيلاء الشيوعيين على السلطة في الصين عام 1949، وجد كل من ماو تسي تونغ والزعيم السوفيتي جوزيف ستالين نفسه أمام ضرورة استغلال الظرف الجديد بأفضل شكل ممكن، بحسب دائرة المعارف البريطانية.

وفي ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام، سافر ماو إلى موسكو حيث دخل في مفاوضات استمرت شهرين كاملين اتسمت بالصعوبة والتوتر. وفي النهاية، تمكن من إقناع ستالين بالتوقيع على معاهدة للمساعدات المتبادلة، تضمنت أيضاً دعماً اقتصادياً محدوداً للصين.

قبل أن يتاح للصين استغلال مواردها لإطلاق التنمية الاقتصادية، وجدت نفسها منخرطة في الحرب الكورية عام 1950 دعماً للنظام الشيوعي في كوريا الشمالية الحليف لموسكو.

هناك فقط، بحسب ما رواه ماو تسي تونغ لاحقاً، بدأ ستالين يثق به ويتخلى عن اعتقاده السابق بأنه مجرد قومي صيني متخفٍّ تحت عباءة الشيوعية.

وعلى الرغم من التوترات التي شابت العلاقة مع الاتحاد السوفيتي، فإن السياسات المبكرة لجمهورية الصين الشعبية استندت في جوانب عديدة إلى "النسخ من السوفييت"، على حد تعبير ماو نفسه.

فبينما كان ماو ورفاقه يمتلكون خبرة طويلة في حرب العصابات، وفي تعبئة الفلاحين في الريف، وفي الإدارة السياسية على مستوى القاعدة الشعبية، لم تكن لديهم خبرة مباشرة في إدارة دولة حديثة أو في تحقيق تنمية اقتصادية واسعة. وفي هذا السياق، مثّل الاتحاد السوفيتي النموذج الوحيد المتاح.

وبناءً على ذلك، أُقِرّت الخطة الخمسية الأولى للصين عام 1953 بتوجيه ودعم سوفيتي، وشملت المساعدة التقنية من موسكو إنشاء عدد من المنشآت الصناعية الكبرى التي أصبحت لاحقاً ركائز الاقتصاد الصيني الناشئ.

القفزة للأمام والثورة الثقافية

أطلق ماو تسي تونغ سلسلة من المبادرات التي شملت الإصلاح الزراعي، وإنشاء التعاونيات، وتوسيع نطاق الخدمات الصحية في الريف، في محاولة لإعادة صياغة البنية الاجتماعية والاقتصادية للصين.

غير أن أكبر مشاريعه كان برنامج القفزة الكبرى إلى الأمام بين عامي 1958 و1962، الذي استهدف تحقيق طفرة صناعية وزراعية سريعة تسمح للصين بتجاوز إنجازات الغرب.

كانت الفكرة تقوم على تعبئة جماعية للعمالة من أجل رفع الإنتاج في الحقول والمصانع، في إطار رؤية ماو لإضفاء طابع "صيني" مميز على الشيوعية. لكن النتائج جاءت كارثية: إذ انهار الإنتاج الزراعي، وانتشرت المجاعة التي أودت بحياة نحو 30 مليون شخص، وفق تقديرات مختلفة.

أُعلن التخلي عن سياسة القفزة الكبرى في أوائل الستينيات، ما شكل ضربة قوية لمكانة ماو السياسية. وعلى الرغم من تراجعه عن المناصب التنفيذية، فإنه احتفظ برئاسة الحزب الشيوعي حتى وفاته، ليظل القائد الأعلى رمزياً وإن تضاءل نفوذه الفعلي لبعض الوقت.

في محاولة لاستعادة نفوذه بعد تراجع مكانته عقب فشل "القفزة الكبرى إلى الأمام"، أطلق ماو تسي تونغ ما عرف بـ"الثورة الثقافية" بين عامي 1966 و1967، بهدف تطهير الحزب والدولة من العناصر "غير النقية" وإحياء الروح الثورية بين الأجيال الجديدة.

لكن هذه الحملة سرعان ما تحولت إلى فوضى واسعة، أودت بحياة نحو مليون ونصف المليون شخص، ودُمر خلالها جزء كبير من التراث الثقافي الصيني. ومع تفاقم الاضطرابات واقتراب بعض المدن من حافة الانهيار، اضطر ماو في سبتمبر/أيلول 1967 إلى استدعاء الجيش لإعادة النظام.

أطلق ماو "الثورة الثقافية" بين عامي 1966 و1967 في محاولة لإعادة تأكيد سلطته، مستهدفاً تطهير البلاد من العناصر "غير النقية" وإحياء الروح الثورية. وأسفرت تلك الأحداث عن مقتل نحو مليون ونصف المليون شخص، فضلاً عن تدمير جزء كبير من التراث الثقافي. وفي سبتمبر/أيلول 1967، ومع اقتراب العديد من المدن من حافة الفوضى، استدعى ماو الجيش لاستعادة النظام.

غير أن جذور الثورة الثقافية تعود إلى الخمسينيات، حين كان ماو ورفاقه يناقشون سبل رفع الروح المعنوية للمثقفين لضمان مشاركتهم في بناء الصين الجديدة. ووفق دائرة المعارف البريطانية، أعلن ماو حينها سياسة "دع مئة زهرة تتفتح" لتشجيع حرية التعبير عن الأفكار المتنوعة ومنع قيام مناخ سياسي قمعي شبيه بما كان في الاتحاد السوفيتي تحت حكم ستالين.

لكن مع تصاعد الانتقادات ضد الحزب، انقلب ماو على النخبة المثقفة التي رأى أنها خانته. وفي عام 1966، ومع تجاهل قادة مثل ليو شاو تشي ودنغ شياو بنغ لتشدده في الصراع الطبقي أثناء تنفيذ خطط التنمية، أطلق ماو الثورة الثقافية رسمياً، مستنداً إلى حماسة الطلاب الذين عرفوا حينها بـ "الحرس الأحمر".

غير أن الاضطرابات التي أحدثتها الثورة اضطرته إلى الاستعانة بالجيش لقمعها عام 1967، وكان حليفه حينها وزير الدفاع لين بياو الذي رشحه ماو في عام 1969 خلفاً محتملاً له. وبدا ماو منتصراً، لكن صحته أخذت في التدهور، فيما شهدت سنواته الأخيرة بداية بناء جسور مع الولايات المتحدة واليابان وأوروبا. وفي عام 1972 قام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بزيارة تاريخية إلى الصين التقى خلالها بماو.

لم يكن صعود شو إن لاي واتفاقه مع ماو على أن الابتعاد عن الاتحاد السوفيتي يستدعي الانفتاح على الولايات المتحدة مقبولاً لدى لين بياو. وفي عام 1971 قتل لين في حادث تحطم طائرة بينما كان يحاول الفرار، بعد اتهامه بالتخطيط لاغتيال ماو.

وبعد انتهاء الثورة الثقافية بدا أن البراغماتيين بزعامة دنغ شياو بنغ قد استعادوا زمام المبادرة، لكن المتشددين تمكنوا من التفوق عليهم إثر وفاة شو إن لاي في يناير/كانون الثاني 1976.

عندها اختار ماو شخصية وسطية هي هوا قوه فِنج ليقود البلاد من بعده. وفي 9 سبتمبر/أيلول من العام نفسه توفي ماو تسي تونغ.

وبعد شهر واحد فقط من وفاته، قام هوا باعتقال المتشددين المعروفين بـ"عصابة الأربعة"، وهم تشانغ تشون تشياو ووانغ هونغ ون وياو ون يوان وجيانغ تشينغ، زوجة ماو.

إرث ماو

تقول دائرة المعارف البريطانية إن الثورة الثقافية تمثل تتويجاً منطقياً لعقدي ماو الأخيرين، لكنها لم تكن بأي حال النتيجة الوحيدة لنهجه الثوري، ولا ينبغي أن يختزل تقييم إرثه في تلك المرحلة وحدها.

فقلائل هم الذين ينكرون على ماو تسي تونغ دوره البارز في ابتكار نموذج للنضال اعتمد على حرب العصابات في الريف، وهو النموذج الذي قاد في النهاية إلى حسم الحرب الأهلية لصالح الشيوعيين، وإطاحة القوميين، وتوزيع الأراضي على الفلاحين، واستعادة الصين استقلالها وسيادتها.

تضيف دائرة المعارف البريطانية أن الإنجازات التي ارتبطت بماو تسي تونغ يجب أن تُقدّر في ضوء حجم الظلم الذي كان سائداً في المجتمع الصيني قبل الثورة، والإذلال الذي شعر به الشعب نتيجة تفكك دولته على يد القوى الأجنبية. فقد قال ماو في سبتمبر/أيلول 1949 عبارته الشهيرة: "لقد نهضنا"، وهي كلمات لم تنسَ منذ ذلك الحين.

لكن سجل ماو بعد عام 1949 كان أكثر التباساً. فبحسب التقييم الرسمي الذي أعلنه الحزب الشيوعي الصيني في يونيو/حزيران 1981، كانت القيادة على صواب حتى صيف 1957، إلا أن سياساتها بعد ذلك اتسمت بالارتباك في أحسن الأحوال، وغالباً ما كانت خاطئة. ولا خلاف على أن أبرز مبادرتين طرحهما ماو في سنواته الأخيرة، وهما القفزة الكبرى إلى الأمام والثورة الثقافية، كانتا فاشلتين وأدتا إلى عواقب وخيمة.

ومع ذلك، فإن أهداف ماو المعلنة، مثل محاربة البيروقراطية، وتشجيع المشاركة الشعبية، والتأكيد على اعتماد الصين على الذات، كانت أهدافاً يُنظر إليها بإيجابية. كما أن مسار التصنيع الذي بدأ في عهده وضع بالفعل أسس الطفرة الاقتصادية التي عرفتها الصين منذ أواخر القرن العشرين. غير أن الأساليب التي استخدمها لتحقيق تلك الأهداف كانت في كثير من الأحيان عنيفة ومدمرة.

ويطرح ذلك معضلة في تقييم إرثه: كيف يمكن الموازنة بين توزيع الأراضي على الفلاحين وبين الملايين من ضحايا الإعدامات والمجاعات؟ وكيف يمكن احتساب الإنجازات الاقتصادية الحقيقية بعد عام 1949 مقابل الكارثة التي خلفتها "القفزة الكبرى" أو الفوضى الدموية التي رافقت "الثورة الثقافية"؟

ربما يكون التوصيف الرسمي مقبولاً إلى حد ما، والقائل إن "أخطاء سنواته الأخيرة" لم تحجب حقيقة أن مزايا ماو فاقت عيوبه، مع التأكيد على أن ميزان الحكم في حالته يظل شديد الدقة.

وفي خلاصة تقييمه عام 1981، أعلن الحزب الشيوعي أن 70 بالمئة من سياسات ماو كانت صائبة، مقابل 30 بالمئة كانت خاطئة، داعياً إلى "عدم الخوض أكثر في هذا الشأن".

لكن الجدل حول إرثه ما زال قائماً في الصين حتى اليوم، حيث لا تزال صور ماو مطبوعة على جميع العملات النقدية، وتماثيله منتشرة في أنحاء البلاد، فيما جثمانه المحنط ما زال مسجى في ضريحه بميدان تيان آن مين وسط بكين.

أبرز المحطات في تاريخ الصين:


* من 1700 إلى 1046 قبل الميلاد: حكمت أسرة شانغ شمال الصين، وهي أول سلالة صينية موثقة تاريخياً.
* من 221 إلى 206 قبل الميلاد: توحيد البر الصيني للمرة الأولى تحت حكم الإمبراطور شين شيهوانغدي.
* 1644: المانشو يغزون من الشمال ويؤسسون حكم أسرة تشينغ.
* من 1911 إلى 1912: انتفاضات مسلحة تؤدي إلى تأسيس جمهورية الصين بقيادة سون يات سن، وتنحي آخر أباطرة المانشو. لاحقاً سقطت البلاد تحت حكم أمراء الحرب المحليين.
* من 1931 إلى 1945: الغزو الياباني للصين وإقامة نظام احتلال قاسٍ شمل أجزاء واسعة من البلاد.
* 1949: في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، أعلن ماو تسي تونغ قيام جمهورية الصين الشعبية بعد هزيمة القوات الوطنية (الكومنتانغ) في الحرب الأهلية.
* 1950: دخول جيش التحرير الشعبي إلى التبت والسيطرة على الإقليم.
* من 1958 إلى 1960: إطلاق مشروع القفزة الكبرى إلى الأمام الذي أدى إلى انهيار الزراعة والمجاعة ووفاة الملايين، وانتهى بالتخلي عنه.
* من 1966 إلى 1967: اندلاع الثورة الثقافية الكبرى التي أطلقها ماو، وأدت إلى اضطرابات اجتماعية واقتصادية وسياسية واسعة.
* 1976: وفاة ماو تسي تونغ وصعود نفوذ دنغ شياو بنغ الذي أطلق برنامجاً واسعاً من الإصلاحات الاقتصادية.
* 1989: مقتل مئات المحتجين في ميدان تيان آن مين في بكين عندما فتح الجيش النار عليهم.
لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا