دبي، الإمارات العربية المتحدة ( CNN )-- منذ صغرها، كانت ريانا، البالغة من العمر 17 عامًا حاليًا، تحلم بإعالة أسرتها لكونها طفلة وحيدة لوالدين يكافحان لكسب قوت يومهما في بنغلاديش.
لكن عندما بلغت الـ14 من عمرها، تم تأجيل طموحاتها بعدما عرضت عليها عائلة ذات نفوذ الزواج.
أصبحت ريانا واحدة من بين ما يُقدّر بـ 38 مليون فتاة في البلاد، و650 مليون فتاة حول العالم، تزوجن أو كن مرتبطات قبل بلوغهن سن الـ18 عامًا.
تُعتبر تجربة ريانا واحدة من أكثر من 250 تجربة مُسجّلة كجزء من تقرير جديد نُشر هذا الأسبوع، تمت مشاركته حصريًا مع CNN ، يقدم لمحة عن الحياة اليومية للفتيات حول العالم اللواتي تزوجن أو دخلن في علاقات خلال سنّ الطفولة، وبعضهن لم يتجاوزن الثانية عشرة من عمرهنّ. هذه العلاقات عبارة عن زيجات أو علاقات غير رسمية، غير معترف بها قانونًا، لكنها تُعتبر رسمية في بعض المجتمعات.
يكشف تقرير "حال فتيات العالم لعام 2025" ( State of the World’s Girls ) الصادر عن منظمة " Plan International " العالمية غير الحكومية أثر هذه العلاقات على الفتيات اللواتي يُصبحن عرضةً للمخاطر طوال حياتهن.
نظر التقرير إلى 15 دولة بمعدلات عالية لزواج الأطفال في أمريكا اللاتينية، والشرق الأوسط، وإفريقيا، وآسيا، حيث استنتج أنّ المدافعين عن حقوق الفتيات يعتقدون أنّ هذه الزيجات والشراكات تتم بدون أي رقابة، رُغم وجود قوانين سارية في كثير من الأحيان.
أجرى الباحثون مقابلات مع أكثر من 250 فتاة تزوجن أو دخلن في شراكة قبل سن الـ18 عامًا (تتراوح أعمارهن الآن بين 15 و24 عامًا)، بالإضافة إلى أكثر من 240 ناشطًا في مجال زواج الأطفال.
ووجدوا أنّ عددًا كبيرًا منهن يخضعن لسيطرة أزواج أكبر سنًا، ويواجهن عنف الشريك الحميم، كما أنهنّ غير متعلمات وعاطلات عن العمل.
أصبحت كثيرات منهن أمهات في سنٍ مبكرة، ولديهن قدرة محدودة على اتخاذ القرارات في حياتهن، بما في ذلك القرارات الجنسية والإنجابية.
هذه الحالات تسلّط الضوء أيضًا على الدوافع المختلفة وراء زواج الأطفال، والذي قد لا يكون دائمًا نتيجة ضغط الوالدين أو المجتمعات، بل بسبب الظروف الاجتماعية، والاقتصادية، أو نقص الخيارات البديلة.
قالت المسؤولة العالمية للحملات في منظمة " Plan International "، زوي بيرشال: "الفتيات يدخلن في زواج الأطفال لأسباب عديدة ومختلفة، ومن ثم يخترن المغادرة حيثما أمكن. هذا يُؤكد ما كنّا نقوله لسنوات عديدة، ومفاده أنّ زواج الأطفال لا يُوفر مسارًا أفضل للفتيات".
تحدّثت CNN مع ثلاث فتيات في بنغلاديش، وزامبيا، والإكوادور، تزوجن أو ارتبطن في سن الـ14، والـ16، والـ15 عامًا تباعًا، شاركن واقع البيئة التي نشأن فيها وسبب اعتبارهنّ الزواج وسيلة لتحسين مستقبلهن.
قالت ريانا، البالغة من العمر 17 عامًا حاليًا، والتي تعيش بحي فقير في بنغلاديش: "عندما تزوجت، كنت خائفة للغاية. كنت في الـ14 عامًا من عمري فقط".
أفادت الفتاة البنغلادشية أنّ الزواج في سن مبكرة كهذه أمر شائع في بلادها، رُغم وجود قوانين سارية تحظر زواج الأطفال منذ عام 1929.
أشارت ريانا إلى أن النساء والفتيات يتعرضن لمضايقات منتظمة في الشوارع التي يعشن فيها، وأن إحدى الطرق التي تعتمدها العائلات لتوفير الحماية لهن، تتمثل بتزويجهن في سنٍ مبكرة.
خلال طفولتها، استمتعت ريانا بالدراسة، وكان أملها العمل يومًا ما في مجال الأعمال، وهو أمر شجعها والداها عليه، حتى تلقّت عرض زواج من عائلة ذات نفوذ في المجتمع.
أرادت العائلة تزويجها بابنهم البالغ من العمر 17 عامًا، وكانت الزيجة فرصة جيدة لعائلة ريانا، إذ كان مصدر دخلها الوحيد قادمًا من والدها الذي يعمل كسائق عربة "ريكشا".
قدمت العائلة الثرية آفاقًا واعدة، والأهم من ذلك، وعد أهل زوجها المرتقب بتمويل دراستها.
كما أكدوا لها أنها لن تضطر للعيش مع ابنهم حتى تبلغ الـ18 عامًا من العمر.
أُقيم حفل الزفاف في غضون ثلاثة أسابيع، إذ قالت العائلة إنها عدّلت عمر ريانا في الوثائق من أجل تسجيل الزواج قانونيًا.
بدوره، أكد خبير محلي من " Plan International " أنّ هذه ممارسة شائعة.
لكن بعد الزواج بفترة وجيزة، لم تف عائلة الزوج بوعودها، وبدأت الإساءة النفسية والمضايقات.
قالت ريانا أنّ العائلة احتجزتها في المنزل لفترات طويلة ومنعتها من الذهاب إلى المدرسة، بحجة عدم حاجتها إلى التعلّم بما أنه لن يُسمح لها بالعمل على أي حال.
وسرعان ما منعتها عائلة زوجها من رؤية صديقاتها، وضغطوا عليها لارتداء النقاب، كما أنّ زوجها اعتدى عليها جسديًا ونفسيًا.
في غضون أشهر قليلة، أدركت والدتها، فريدة، أنها اتخذت قرارًا خاطئًا، لكن فكرة طلاق ابنتها أرعبتها بسبب "وصمة العار" التي ستواجهها في المجتمع.
مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لزواج ريانا، قدّمت والدتها فريدة أوراق الطلاق، وكانت مصممة على ضمان حرية ابنتها رُغم محاولات ترهيبها.
الآن، أنهت ريانا دراستها الثانوية وتواصل تعليمها، كما أسست مشروعًا صغيرًا لبيع المجوهرات.
كانت الحياة صعبة بالنسبة لديانا، البالغة من العمر 19 عامًا، وهي واحدة من أربعة أطفال في عائلة تكسب قوت يومها من الزراعة.
كانت تحب عائلتها، لكن تأمين لقمة العيش كان صعبًا، وغالبًا ما كان أفراد عائلتها يتناولون وجبة طعام واحدة فقط في اليوم.
لذا، عندما بدأ رجل أكبر سنًا يُدعى جاكوب بإيلاء الاهتمام بها قبل ثلاث سنوات (عندما كانت في الـ16 من عمرها)، كانت متحمسة لمواعدته، إذ قالت: "عندما كنت أطلب منه شيئًا ما، كان يُعطيني إياه"، بما في ذلك المال.
بعد بضعة أشهر من بدء العلاقة، أصبحت ديانا حاملاً من الشاب الذي كان يبلغ من العمر 20 عامًا آنذاك، وقررت الانتقال للعيش معه في قرية قريبة، وهو ما يُعادل الزواج في مجتمعها.
أخبرت المراهقة والديها بأنّها ستزور عمتها، ومن ثم توقفت عن التواصل معهم. وأوضحت لـ CNN : "كنت أخشى أن يقتلني والداي إذا علموا بحملي".
بموجب القانون الزامبي، يُحظر الزواج لمن تقل أعمارهم عن 18 عامًا، لكن هذا القانون يستثني الزيجات غير الرسمية مثل زواج ديانا، والتي يقول الخبراء إنها تتجاوز التشريعات، ما يزيد من صعوبة معالجتها.
لم تعد حياة ديانا ممتعة بمجرد انتقالها للعيش مع جاكوب، فقد تركت جميع صديقاتها، وكانت تخشى بشدة أن يكتشف والداها حملها في حال ذهبت إلى المدرسة، ما جَعَلها تترك دراستها.
كان جاكوب يخشى أيضًا من أن يكتشف والداها الأمر خوفًا من اعتقاله.
ذكرت المراهقة أيضًا أنّها بدأت "تلاحظ تغير شخصية جاكوب"، شارحةً أنه كان يُجبرها على القيام بجميع الأعمال المنزلية، وكان يفرط بشرب الكحول، ويُسيء إليها لفظيًا وجسديًا.
خلال الشهر السادس من حملها، سئمت ديانا من الوضع وقررت العودة إلى منزلها رُغم العواقب التي قد تواجهها.
عندما أنجبت الشابة طفلها، لم يكن جاكوب موجودًا، لكنها تمكنّت بدعم من والديها، من العودة إلى المدرسة، حيث قالت: "كنت أحلم سابقًا أن أصبح مهندسة، بينما الآن سأقبل بأي وظيفة متاحة لي".
نشأت جين في منطقة ريفية بالإكوادور، حيث التقت بشريكها يان قبل خمس سنوات، عندما كانت في الـ13 من عمرها، بينما كان هو يبلغ العشرين من عمره.
وأوضحت أن هذا النوع من العلاقات شائع ومقبول بشكلٍ عام في مجتمعها.
كان يان لطيفًا وفقًا لما قالته الشابة البالفة من العمر 18 عامًا، فضلًا عن أنّه أولاها اهتمامًا كبيرًا.
وأوضحت لـ CNN : "لم يكن عدوانيًا، بل كان رجلاً طيبًا، وما زال كذلك".
بعد عامين، قرر الثنائي العيش معًا، وهو ما يُعتبر ارتباطًا غير رسمي يعادل الزواج في مجتمعها، حيث أراد والداها إرساله إلى السجن، بسبب زواجه من ابنتهما القاصر.
وكانت جين قد أكّدت لوالديها أنها ستكمل دراستها، خاصة أن هذا كان مصدر قلقهما الرئيسي.
عندما انتقلت للعيش مع يان، فُرض عليها العيش مع والده أيضًا، حيث عانت الفتاة الإكوادورية في سن الـ15 عامًا فقط، من مسؤوليات المنزل المُتراكمة على عاتقها، ومن ثمّ أصبحت حاملاً في الـ17 من عمرها.
أشارت أرقام منظمة اليونيسف إلى أن 12 مليون فتاة قاصر حول العالم يتزوجن سنويًا، بينما كشف تقرير صدر عام 2025 أن أعلى المعدلات موجودة الآن في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
أوضحت البيانات أن هناك بعض التقدم الذي تحقق في العقود الأخيرة، ومرّد ذلك غالبًا إلى الانخفاض الكبير لهذه الممارسة في جنوب آسيا، التي كانت تتمتع بأعلى المعدلات سابقًا.
وأفادت الوكالة التابعة للأمم المتحدة أن الانخفاض كان واضحًا بشكل خاص في الهند، وعزت ذلك جزئيًا إلى نهج يركز على تعليم الفتيات، والإنفاق الحكومي عليهن، وزيادة الوعي العام بعدم قانونية زواج الأطفال وأضراره.
أكّد العديد من الخبراء لـ CNN أن قصص ريانا، وديانا، وجين، فضلًا عن مئات الفتيات الأخريات اللواتي تمت مقابلتهن في تقرير "حال فتيات العالم لعام 2025" تُظهر أن انعدام الأمن الاقتصادي ومحدودية الفرص المتاحة للفتيات المراهقات، هما من العوامل الرئيسية لزواج الأطفال في جميع أنحاء العالم، وأن الحماية القانونية لا تُطبّق بشكل كافٍ لحماية حقوقهن.
من جهته، أشار أستاذ اقتصاديات التنمية بكلية "كينجز كوليدج" في لندن، زكي وهاج، إلى أن روايات الفتيات اللواتي قابلتهن CNN تكشف عن فشل الحكومات في حمايتهن.
وأوضح أن "جميع الدول الثلاث تتمتع بحد أدنى قانوني لسن الزواج، ولكن هذه الضمانات فشلت، وتم تجاوزها من خلال الزيجات غير الرسمية أو استخدام وثائق مزورة".
على سبيل المثال، لا تشير القوانين في الإكوادور، وبنغلاديش، وزامبيا بشكلٍ مباشر إلى الزيجات غير الرسمية.
وبينما قد يبلغ السن القانوني للزواج 18 عامًا في بنغلاديش، إلا أن هناك ثغرات تسمح بحدوث الزواج قبل ذلك، مثل قانون تقييد زواج الأطفال لعام 2017 الذي يسمح بزواج الأطفال بموافقة الوالدين والقضاء، إذا اعتُبر ذلك في مصلحة القاصر.
لم تستجب الجهات الحكومية في بنغلاديش، والإكوادور، وزامبيا لطلب CNN للتعليق.
من جهتها، رأت كبيرة مستشاري حماية الطفل في اليونيسف، فيرونيكا كامانغا نجيكو، أن البحث الجديد يساعد في تحديد ما هو مطلوب لتحسين حياة الفتيات مثل تحفيزهن للدراسة، ودعم الأسر اقتصاديًا، وتطبيق القوانين التي تحظر زواج الأطفال، والعمل مع المجتمعات المحلية لتغيير الأعراف الاجتماعية الضارة، مؤكدة أن "القوانين وحدها لا تكفي".