آخر الأخبار

تكلفة اقتصادية باهظة قد تعرقل قرار احتلال غزة

شارك

من المقرر أن يجري في 17 أغسطس/آب الجاري أول إضراب عام في إسرائيل دعت إليه عائلات الأسرى، وعدد من المنظمات الأهلية للمطالبة بوقف الحرب. وكان مقررا أن تشارك النقابة العامة للعمال، الهستدروت، في هذا الإضراب، إلا أنها لاعتبارات مختلفة تخلفت عن المشاركة. ولا تتعلق الدعوة لإنهاء الحرب فقط بالحاجة إلى تحرير الأسرى، وإنما أيضا لتجنب المزيد من الخسائر الاقتصادية والاجتماعية. فالحرب ليست نزهة، وهي باهظة التكلفة وتزداد الرغبة في وقفها كلما طالت من ناحية، وكلما ازدادت أعباؤها على الجمهور. وما زاد الطين بلة في نظر الداعين للإضراب، كان قرار الكابينت الأسبوع الفائت احتلال مدينة غزة وتوسيع القتال في القطاع، بذريعة حسم الجرب وهزيمة حماس. وأشار كثيرون إلى أن على الجمهور الإسرائيلي، أن يدرك الآن أن هناك ثمنا باهظا سيدفعه في حرب احتلال غزة، حتى لو كان جزئيا في المرحلة الأولى. وستتطلب هذه الخطوة فرض رسوم وضرائب جديدة، وتمديد تجميد معدلات الضرائب، وتخفيضات واسعة وحادة في ميزانيات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والبنية التحتية وغيرها.

وتجري هذه الأيام في وزارة المالية الإسرائيلية عملية مراجعة حسابية، لمعرفة تكاليف العمليات الحربية وآخرها "عربات جدعون"، والتي أعلن عن انتهائها بعد أن كانت مقررة لـ3 شهور.

ويحاول الخبراء في وزارة المالية كبح الميل المتزايد من جانب وزير المالية، لاختراق أسقف الميزانية لصالح وزارة الحرب، بسبب قناعاته بضرورة استمرارها. وكانت النقاشات بين الجيش والمالية قد توصلت إلى اتفاق لاختراق الميزانية المخصصة لوزارة الحرب، ومنحها 42 مليار شيكل (12.2 مليار دولار تقريبا) إضافية في العامين 2025 و2026 منها 28 مليار شيكل للعام 2025. وخصصت هذه الإضافة لتغطية نفقات كل من عمليتي "عربات جدعون" في غزة، و"شعب كاللبؤة" ضد إيران . ولكن الحرب في غزة مستمرة، وهي تشهد محاولة لدفعها من جديد نحو تصعيد كبير، عبر احتلال غزة كمقدمة لاحتلال القطاع برمته.

مصدر الصورة مليار شيكل خصصت لتغطية تكاليف عملية "عربات جدعون" (رويترز)

مبالغ طائلة

وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية فإنه حتى الآن، لم يُناقش لا في الحكومة ولا في الكنيست، التكلفة الباهظة لاحتلال غزة، والتي قد تُثقل كاهل ميزانية الدولة والاقتصاد بشكل كبير، نظرا لتوقع تعبئة ربع مليون جندي احتياطي في غضون أشهر قليلة، قبل نهاية السنة المالية الحالية. ويتحدث كبار المسؤولين في وزارة المالية، ومسؤولين ماليين رفيعي المستوى سابقا في الجيش الإسرائيلي ، عن مبالغ طائلة لتغطية تكاليف توسيع الحرب واحتلال غزة. وكان الكابينت الإسرائيلي أقر الأمر من دون مناقشة التكلفة المالية إطلاقا، مركزا فقط على القلق البالغ من إصابة العديد من الجنود نتيجة توسيع الحرب.

إعلان

وفيما يناقش كثيرون ما يعرف بـ"التسونامي السياسي"، ومواقف دول العالم وخصوصا أوروبا كأحد العوائق أمام تنفيذ قرار الكابينت، ثمة من يرى أن العائق الاقتصادي ليس أقل أهمية. ولذلك بدأت الأصوات ترتفع بشأن التكلفة المادية المتوقعة، خصوصا في ظل انعدام الثقة بالقدرة السلسة على تحقيق أهداف هذه العملية. وفي هذا السياق في مقابلة مع صحيفة "كالكليست" يوضح العميد (احتياط) رام أميناخ، المستشار المالي السابق لرئيس الأركان، ورئيس قسم الميزانية في وزارة الحرب: "لفهم تكلفة احتلال غزة، يجب أولا فهم التعريف القانوني الدولي للاحتلال". ويضيف أميناخ أنه، ووفقا للمعاهدات التي وقّعتها دولة إسرائيل، هناك فرق واضح بين حالة قتال عنيف، إذ تنطبق قوانين الحرب، ويُلزم الجيش بتوفير الاحتياجات الأساسية والدنيا للسكان المحليين، وحالة انتهاء الحرب، إذ يُطبّق القانون الدولي على "السيادة".

في الحالة الثانية، ستُطلب من إسرائيل توفير جميع الخدمات المدنية لسكان غزة: الحفاظات، وسلة أدوية، ومستشفيات، ومياه، وكهرباء، وصرف صحي، وخدمات أساسية لا تُحصى تُقدم للمواطنين.

حسابات احتلال غزة

ويوضح أميناخ، المأزق الحتمي إذا تم الاحتلال: "من المستحيل تحصيل الضرائب من سكان غزة. لن تُساعد دول العالم في حال الاحتلال، بل على العكس تماما. كل هذا ونحن مدينون بالفعل بـ1.35 تريليون شيكل، وسندفع 57 مليار شيكل خدمة ديون هذا العام. نحن نُبخل في سلة أدوية المواطنين الإسرائيليين، فهل نبدأ بتمويل سلة أدوية لسكان غزة على حساب سلة أدويتنا؟". ويقول أميناخ إن "جميع الخدمات المدنية -التعليم والصحة والمواصلات- ستتنافس مع ميزانية مواطني إسرائيل أنفسهم. ولإنشاء مستشفى في غزة، سيتعين على إسرائيل إغلاق مستشفى قائم، أو زيادة الضرائب، أو زيادة الدين ودفع فوائد باهظة عليه، لا يوجد خيار آخر". وبحسب قوله، ثمة مشكلة أخرى في هذا السياق: "إذا مُنحت سكان غزة سلة أدوية كمواطن إسرائيلي، فستكون هناك اعتراضات، وخاصة من الوزراء الذين دعوا قبل فترة وجيزة إلى إبادة غزة. وإذا مُنحت ربع السلة، ومات أطفال غزة بسبب الزحار، فسيقول العالم إن هذا قتل متعمد، لأنك أعطيتهم سلة صغيرة جدا وكنت مدركا للمخاطر".

مصدر الصورة الخبير أميناخ: مدينون بـ1.35 تريليون شيكل (الفرنسية)

وبحسب القناة 12 في التلفزيون الإسرائيلي فإن التكلفة المتوقعة لتنفيذ العملية العسكرية التي قررها الكابينت لا تقل عن 45 مليار شيكل، إذا استمرت 3 شهور فقط. ويستند حساب التكلفة إلى ما هو معلوم في الجيش من واقع أن التكلفة الشهرية لجندي الاحتياط تبلغ 30 ألف شيكل. ورغم أن الحكومة قررت أن تضع تحت تصرف الجيش، استدعاء ما لا يقل عن 400 ألف جندي احتياط فإن التقديرات تتحدث عن أن الجيش لن يستدعي، أكثر من 250 ألف جندي استعدادا للعملية في غزة، وتحسبا لأي طارئ في الجبهات الأخرى. وبحساب بسيط فإن تكلفة استدعاء الاحتياطي بهذا العدد تصل إلى 7.5 مليارات شيكل شهريا.

ولكن الحرب ليست فقط استدعاء وحشد جنود، وإنما هناك نفقات تتصل بتكاليف الذخائر والوقود، وحتى المساعدات الإنسانية والتي تقدر جميعها بما بين 12-15 مليار شيكل شهريا. وإذا انتهت العملية فعلا بعد 3 شهور فإن التكلفة العامة تصل إلى ما لا يقل عن 45 مليار شيكل، ما يعني إضافة 2% إلى العجز العام في الميزانية وإلى تقليص ميزانية الدولة بما لا يقل عن 7%. وإذا أخذت مجريات عملية "عربات جدعون" بالحسبان، وهي التي بلغت تكاليفها ما لا يقل عن 25 مليار شيكل، فإن التقديرات لتكلفة العملية الجديدة ستزيد على 45 مليار شيكل.

إشكالية كبيرة

والحديث، وفق الخبراء الماليين الإسرائيليين، يدور فقط عن "السيطرة" على مدينة غزة واحتلالها وهو لا يغطي التكلفة المتوقعة لإدارة حكم عسكري، كما يطالب وزير المالية؛ فتغطية هذه التكلفة لا تقل سنويا على 20 مليار شيكل وفق حسابات وزارة الحرب الإسرائيلية. ولذلك فإنه من وجهة نظر المختصين في صحيفة "يديعوت" يمثل قرار الكابينت باحتلال غزة، إشكالية كبيرة خصوصا في ضوء التأخير الحادث في صياغة مشروع الميزانية للعام 2026.

إعلان

ويشير المختصون إلى أن ذلك يعني إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد الإسرائيلي. وقد صرح مسؤولون كبار في وزارة المالية والمؤسسة الأمنية بأن تكلفة تجنيد قوات الاحتياط تُقدر بحوالي 250 ألف جندي، وتكلفة استخدام الذخيرة والعتاد تُقدر بحوالي 350 مليون شيكل يوميا. وهذا يعني وفق حساباتهم أن التكلفة تبلغ حوالي 10-11 مليار شيكل شهريا، وحوالي 30-50 مليار شيكل بحلول نهاية عام 2025. كما أن هناك حاجة لزيادة التمويل الإنساني لغزة والمدن الإنسانية للنازحين من مدينة غزة، بتكلفة تُقدر بحوالي 3-4 مليارات شيكل. ومن المفترض أن يأتي كل هذا من جيوب دافعي الضرائب الإسرائيليين.

مصدر الصورة وزارة الحرب تقدر كلفة السيطرة على مدينة غزة واحتلالها بنحو 20 مليار شيكل (رويترز)

ويذهب الخبراء إلى حد القول إن التكلفة الإجمالية لتمويل الحملة قد تصل إلى مبلغ ضخم يتراوح بين 120 و180 مليار شيكل، ما سيؤدي على الأرجح إلى عبء ضريبي ثقيل، وتخفيضات شاملة في الوزارات الحكومية. وأضاف مسؤول كبير في وزارة المالية أن هذه النفقات من المتوقع أن تزيد العجز إلى ما بين 6% و7%، ومن المتوقع أن يزداد أكثر عام 2026. كما حذّر قائلا: "هناك قلق من أن شركات التصنيف الائتماني ، التي وضعت جميعها بالفعل توقعات سلبية لتصنيف إسرائيل، لن تتردد في خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل قريبا، إلى مستويات دول أكثر تخلفا من وضعنا الحالي، إذ يتساوى تصنيف بعض الشركات بالفعل مع دول متخلفة مثل بيرو وتايلند وكازاخستان".

عواقب خطيرة

وحذر المحلل الاقتصادي، حاغاي عميت، في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، من العواقب الخطيرة اقتصاديا لاحتلال كامل قطاع غزة . ولاحظ أن قرار الكابينت يعتبر "واحدا من القرارات الأكثر تكلفة ماليا التي اتخذتها الحكومة في الحرب الحالية". وأن هذا القرار قد يضيف عبئا اقتصاديا هائلا سيتحمله الاقتصاد الإسرائيلي. وفي نظره إذا كانت عملية "عربات جِدْعُون"‘ قد كلفت دافعي الضرائب حوالي 25 مليار شيكل في غضون شهرين، فإن السيطرة على القطاع بأكمله، التي من المتوقع أن تستمر 5 أشهر وتحتاج إلى حوالي 5 فرق عسكرية، ستكلف ضعف هذا المبلغ.

أما الصحفي غادي ليؤر في يديعوت فيتوقع "أن احتلال كامل قطاع غزة سيشكل ضربة جديدة للاقتصاد الإسرائيلي، بحيث يُتوقع أن يكلف القرار مبالغ ضخمة قد تتراوح بين 120 و180 مليار شيكل سنويا. ويحمل القرار تكلفة ثقيلة جدا على ميزانية الحكومة وسيؤثر اقتصاديا على جميع المواطنين في الدولة وعلى عشرات الآلاف من الشركات والأعمال في البلاد. وقد تؤدي هذه العوامل إلى تخفيض كبير في ميزانية الدولة العبرية هذا العام، وإلى فرض ضرائب جديدة مع بداية عام 2026.

ومن المتوقع أن تؤدي هذه النفقات، في حال تنفيذها بالفعل، إلى تخفيض آخر في التصنيف الائتماني لدولة إسرائيل، بعد تلك التي اتخذتها بالفعل وكالات التصنيف الائتماني الدولية منذ بدء الحرب على قطاع غزة. ويعني ذلك بالنسبة للمواطنين زيادة ملحوظة في العبء الضريبي، وتخفيضات في الخدمات الأساسية كالصحة والرعاية الاجتماعية والتعليم، وزيادة في العبء على جنود الاحتياط وعائلاتهم. فتكلفة الحرب حتى الآن لا تقل عن 300 مليار شيكل وهي تكلفة سيضطر المواطن الإسرائيلي لدفعها إن لم يكن اليوم ففي أقرب فرصة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا