في لحظة سياسية نادرة، بدا أنّ اللبنانيين على اختلاف مشاربهم الطائفية والمناطقية والسياسية قد اجتمعوا على مطلب واحد: أن يكون السلاح حكرا على الدولة.
قرار الحكومة الأخير بحصر السلاح بيد المؤسّسات الشرعية لم يأتِ من فراغ، بل جاء على وقع انهيار اقتصادي واجتماعي وأمني متراكم، وفي ظل إدراك جماعي أنّ استمرار تعدّد مصادر القوة المسلحة يعني استمرار الفوضى، وربما سقوط ما تبقّى من كيان الدولة.
ومنذ اتفاق الطائف، ظلّ ملف السلاح خارج الدولة معلقًا بين النصوص والنيات، لكنّ الفارق هذه المرّة أنّ المزاج الشعبي يميل بوضوح إلى التنفيذ.
النائب فراس حمدان يرى أنّ هذا الالتفاف الشعبي هو ثمرة التزام الحكومة الصريح بتطبيق اتفاق الطائف، واتفاق وقف إطلاق النار، وتنفيذ ما جاء في خطاب القسم والبيان الوزاري. ويضيف أنّ اللبنانيين باتوا يلمسون بوضوح أنّ كلفة أي حرب جديدة ستكون مدمّرة على الجميع، وأنّ التجربة أثبتت أنّ الخيار العسكري خارج مؤسّسات الدولة لم يحفظ مصالحهم ولا حمى حدودهم.
لكنّ مشهد الشارع ليلاً يحمل وجهًا آخر للصراع: مسيرات دراجات نارية تجوب بعض المناطق، تحمل أعلام “حزب الله”، وتطلق هتافات اعتراضية على القرار الحكومي.
هذه الاستعراضات الليلية، التي تذكّر اللبنانيين بأحداث أمنية سابقة، توحي بأن التحدّي لن يكون سياسيا فقط، بل ميدانيًا أيضًا، في ظل محاولة فرض مشهد قوة مضاد على الأرض.
في السياق عينه يرى المحلل السياسي أسعد بشارة في حديث مع موقع سكاي نيوز عربية أن " الاتفاف حول الحكومة سيزداد أكثر فأكثر "
ويقول" بالتأكيد هناك التفاف شعبي من أغلبية وازنة من اللبنانيين حول الحكومة ورئيس الجمهورية، لأن اللبنانيين باتوا يدركون أن مجرد استمرار لبنان كمسرح تُستعمله إيران، سيعني استمرار تعرضهم للكوارث، والحروب، والدمار الاقتصادي، والقلق، وانعدام الاطمئنان، والفوضى، والعنف."
يضيف بشارة" هذه الأغلبية الوازنة يمكن أن تظهر في استفتاء حول مَن يريد وجود السلاح ضمن الدولة، ومن يؤيد السلاح خارج الدولة. وعندها، ستظهر النتائج. بعض الممانعين قاموا بإجراء استطلاعات رأي مفبركة لدعم نظريتهم بأن أغلبية اللبنانيين يقفون إلى جانب السلاح تحت عنوان "المقاومة"، وهذا أمر غير حقيقي إطلاقًا.
ويتابع" بالتأكيد، هذا الدعم يرفد الحكومة بالقدرة على الاستمرار في مسار تطبيق القرارات الدولية، واتفاق الطائف، واتفاق وقف إطلاق النار، وسحب إسرائيل، وعودة الأسرى، والبدء بالإعمار، وغير ذلك. فإن لم يحصل هذا، فإن الوضع اللبناني سيتحول إلى الأسوأ والأصعب."
ويختم"لدى اللبنانيين وعي طبيعي إلى خطورة المرحلة، وهذا الدعم الارتكازي سيكون ككرة الثلج، وسيزداد أكثر فأكثر، لا سيما أن شرائح معينة، كانت تتعرض للخداع، قد تحولت عن أي دعم لأي مشروع يهدد بقاء الدولة ويهدد السيادة."
جولة على الشارع
في جولة لموقع سكاي نيوز عربية على آراء الشارع برزت أصوات تعبّر عن توق اللبنانيين إلى دولة تحميهم، لا أحزاب تتنازع على أرضهم
يقول سامي عيتاني موظّف في بيروت "أنهكتنا الحروب، ونريد أن نعيش في بلد يكون السلاح فيه بيد الجيش وحده، لا بيد الفصائل والأحزاب”.
وتؤكّد رنا حبال ، وهي معلّمة من صيدا“لسنا معنيين بالجدل السياسي، ما يهمّنا هو أمان أولادنا، وإذا أصبح السلاح بيد الدولة، فقد يكون لنا مستقبل أكثر أمانًا”.
أمّا أبو طارق الحلبي ، تاجر في طرابلس، فيختصر الموقف بقوله“كلما اندلعت مواجهة في أي منطقة، ندفع نحن الثمن. حان الوقت لحلّ جذري يوقف هذه الدوامة”.
تعب من الفوضى
وبدوره يرى المحلل السياسي بشارة خير الله في حديث خاص لموقع سكاي نيوز عربية أنّ "التعب من الفوضى والسعي وراء الاستقرار هما السبب الجوهري لهذا الالتفاف الشعبي، "موضحًا أنّ اللبناني “خارج منظومة حزب الله والبيئة الحاضنة له” يبحث عن الهدوء.
ويشير إلى أنّ الحزب استفاد طويلاً من سطوة السلاح ومزايا السلطة، لكنه أدخل البلاد في مسار تراجعي منذ عام 2000: بدءاً من اغتيال الرئيس الأسبق رفيق الحريري، إلى حرب تموز، مرورًا بأحداث 7 أيار، وانخراطه في الحرب السورية، محذّرًا من أن استمرار هذا النهج قد يفتح الباب أمام دمار إضافي إذا اندلعت مواجهة مع إسرائيل."
يختم خير الله "اليوم، يقف لبنان أمام مفترق طرق حاسم: الالتفاف الشعبي يمنح الحكومة زخمًا استثنائيًا، لكنه في الوقت ذاته يضعها أمام اختبار بالغ الصعوبة.
فهل تتمكّن من ترجمة هذا التأييد العابر للطوائف والمناطق إلى خطوات عملية، أم أنّ القرار سينضمّ إلى سلسلة من الوعود المؤجّلة، تاركًا اللبنانيين مجدّدًا في مواجهة الإحباط والانقسام"