كابل- أقرت حركة طالبان في أفغانستان قانونا جديدا للمحاسبة المالية يهدف إلى "ضمان الشفافية وترسيخ الانضباط المالي في مؤسسات الدولة"، لكن مراقبين يرون أن القانون يعكس رغبة الحركة في تعزيز قبضتها على موارد البلاد وتنظيم الاقتصاد وفق رؤيتها الخاصة، وأنه يُجرّد جميع الإدارات والمؤسسات الحكومية في كابل من صلاحياتها المالية ويجعلها تابعة.
لكن المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد نفى في حديث مع الجزيرة نت هذه المزاعم وقال إن قانون المحاسبة المالية "دوّن لأجل الشفافية والنزاهة، ولا يتعلق بالأمور المعتادة أو الروتينية التي تقوم بها وزارة المالية أو البنك الوطني، ونرفض اتهامات من يدعي أنه يرسخ هيمنة زعيم الإمارة الإسلامية".
وقال إن القانون يضع "أسسا محاسبية موحدة" لجميع مؤسسات الدولة، بما في ذلك الوزارات والإدارات المحلية والهيئات المستقلة، مع إلزامها بتقديم تقارير مالية دورية تُراجع مركزيا من قبل " الإدارة المالية المركزية"
وتوصف خطوة إقرار القانون بأنها الأجرأ منذ استعادة طالبان الحكم عام 2021، ويحتوي على مقدمة وفصل و20 مادة.
صدر القانون بمرسوم من زعيم حركة طالبان الشيخ هبة الله آخوند زاده، ويأتي في وقت تواجه فيه أفغانستان أزمة اقتصادية غير مسبوقة نتيجة العقوبات الدولية وتجميد نحو 9 مليارات دولار من الأصول الأفغانية في الولايات المتحدة وسويسرا.
ويقول مسؤول في الوزارة تحدث مع الجزيرة نت بشرط عدم الكشف عن هويته، إن القانون "يشمل للمرة الأولى إجراءات تفصيلية لتوثيق الإيرادات الحكومية، وتدقيق النفقات، وإعادة هيكلة نظام المشتريات العامة وفق معايير إسلامية".
ترى أوساط اقتصادية في كابل أن القانون يمثل محاولة مزدوجة من طالبان لإقناع الداخل بقدرتها على إدارة الدولة، وإرسال رسالة للخارج بأنها تسعى لبناء مؤسسات حكومية "منضبطة وشفافة".
ويرى الخبير الاقتصادي عبد الحميد جليلي في حديثه معه الجزيرة نت أن "طالبان تدرك أن أي انفتاح اقتصادي مستقبلي أو تعاون مع المنظمات الدولية يتطلب إظهار حد أدنى من الشفافية المالية"، مضيفا أن "هذا القانون هو خطوة رمزية في هذا الاتجاه، حتى لو ظل التطبيق الفعلي محدودا".
وأضاف جليلي أن "التشريعات وحدها لا تكفي، فغياب الكفاءات المالية، واستمرار عزلة النظام، وافتقار المؤسسات إلى الرقابة المستقلة، كلها تحديات قد تجعل من القانون حبرا على ورق".
يتضمن القانون عددا من البنود التي أثارت الجدل، منها:
ويرى مراقبون أن هذه البنود تُظهر رغبة الحركة في فرض مركزية مالية صارمة، وتضييق هامش الاستقلال المالي الذي كانت تتمتع به بعض الإدارات المحلية قبل 2021.
في الشارع الأفغاني، تتباين المواقف إزاء القانون الجديد، فيقول الموظف السابق في وزارة المالية محمد آصف "وجود قانون محاسبة خطوة إيجابية من حيث المبدأ، لكن المشكلة في من سيطبقه، وهل ثمة شفافية حقيقية، أم مجرد رقابة داخلية بيد طالبان؟ وهذه الطريقة التقليدية لن تُؤدي فقط إلى انتشار الفساد والتجاوزات، بل ستُعيق بشكل خطير عملية تقديم الخدمات لعامة الناس".
في المقابل ترى سيدة الأعمال نسرين أحمد، التي تدير شركة صغيرة في كابل، أن "القانون قد يسهم في تنظيم المعاملات الحكومية"، لكنها تخشى من أن "تتحول الإجراءات البيروقراطية الجديدة إلى وسيلة لتعقيد الأعمال أو فرض رسوم إضافية".
منذ عودتها إلى الحكم، تحاول طالبان إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس "إسلامية" تراها بديلا للنماذج الغربية السابقة، وقد شرعت الحركة في إقرار عدد من التشريعات المالية الجديدة، تشمل قوانين الضرائب، والجمارك، والمعادن، والزكاة، والخراج، في محاولة لتطبيق إطار اقتصادي واحد.
ويرى محللون أن قانون المحاسبة المالية يأتي ضمن هذه الرؤية الأشمل، التي تسعى إلى جعل الدولة أكثر اعتمادا على مواردها الداخلية وتقليل ارتباطها بالمساعدات الأجنبية.
ويقول الخبير الاقتصادي داود زمان في حديث مع الجزيرة نت "يعكس قانون المحاسبة المالية الجديد، اقتصادا سياسيا قائما على نماذج إدارة مالية قديمة، ولا يوجد فيه أي إشارة للمعايير الحديثة للشفافية والمساءلة واستخدام التكنولوجيا والحوكمة الاقتصادية.
ويضيف "المساءلة والشفافية بموجب هذا القانون تعني ببساطة إلزام جميع الإدارات بتقديم تقاريرها المالية إلى مكتب زعيم طالبان. وقد قدّم زعيم طالبان هذه الآلية كأداة لمنع الفساد، لكن الواقع هو أن هذه المركزية تسمح له بإدارة مليارات الدولارات من الإيرادات العامة".
رغم الطموحات التي تراهن عليها طالبان، يبقى تنفيذ القانون رهنا بقدرة مؤسساتها على إدارة نظام محاسبي حديث، في ظل مغادرة الكثير من الكوادر الفنية والإدارية البلاد بعد أغسطس/آب 2021، في حين لم يتم حتى الآن تعيين مجلس تدقيق مستقل أو نشر تقارير مالية رسمية.
ويقول وزير المالية الأفغاني السابق أنوار الحق أحدي للجزيرة نت، إن القانون الجديد "قد يحقق بعض الانضباط المالي على المدى القصير، لكنه يستبعد أن ينجح في مكافحة الفساد أو تعزيز الشفافية ما لم تُنشر البيانات للعلن ويُسمح برقابة مدنية أو مستقلة، لأن طالبان لا تعلن الميزانية العامة ولا موارد صرفها، وهذه محاولة لتكريس السيطرة الكاملة على مفاصل الاقتصاد الأفغاني".