آخر الأخبار

النفط الخفي في العراق.. طيات جيولوجية تبشر بخزانات جديدة

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

عندما تهم بفتح زجاجة مياه غازية، يكون ثاني أكسيد الكربون محبوسا تحت الضغط داخل السائل، وبمجرد فتح الغطاء فجأة، يهرب الغاز بسرعة، ويحدث صوت "الفرقعة" المعتاد.

هذا المشهد البسيط صورة مصغرة لما يحدث في باطن الأرض، فالنفط والغاز يتصاعدان من الصخور المولدة، التي تحولت فيها المواد العضوية إلى هيدروكربونات (نفط وغاز طبيعي)، نتيجة الضغط والحرارة في أعماق الأرض مع مرور الزمن، ليصلا إلى صخور الخزان، التي تحتوي على مسام لتخزين النفط، ثم تأتي صخور الغطاء، التي تشبه غطاء زجاجة المياه الغازية التي تمنع النفط من التسرب للأعلى، وعندما تُحفر الآبار الاستكشافية، يتحرر هذا المخزون كما يتحرر الغاز عند فتح الزجاجة.

مصدر الصورة الطيات المحدبة تعرف بأنها انثناءات في الطبقات الصخرية تتخذ شكل قبة أو قوس إلى أعلى (شترستوك)

البحث عن الطيات

والسؤال الذي تبحث شركات النفط والغاز دوما عن إجابته هو: أين تحفر هذه الآبار الاستكشافية؟ ويمثل العثور على ما تعرف بـ"الطيات الجيولوجية المحدبة" مقدمة للإجابة التي تبحث عنها تلك الشركات، وهذه قيمة الدراسة الجيولوجية المنشورة بدورية "جورنال أوف أفريكان إرث ساينسز"، التي تناولت إحدى مناطق كردستان العراق.

وتعرف الطيات المحدبة بأنها انثناءات في الطبقات الصخرية تتخذ شكل قبة أو قوس إلى أعلى، وغالبا ما تجتمع فيها الصخور المولدة للنفط، وصخور الخزان التي تخزنه، وتغطيها صخور الغطاء التي تمنع تسربه.

وكانت المنطقة الواقعة جنوب مدينة عقرة بإقليم كردستان العراق، تعرف سابقا بوجود 4 طيات فقط (بيجيل، وروفيا، وسارتا، وباواخان)، لكن الدراسة الجديدة، التي أعدها فريق بحثي مشترك بين باحثين من جامعات بالعراق وكندا والمجر وهولندا، أضافت طيتين جديدتين هما "ماماندوك" و"كرداشين"، وهو ما قد يعني زيادة فرص العثور على حقول نفطية جديدة في المنطقة.

إعلان

وهذه المنطقة التي تقع على بعد نحو 47 كيلومترا شمال غربي أربيل ليست جديدة على خريطة النفط، إذ تضم حقل بيجيل النفطي و البئر الاستكشافي "سارتا-1″، ويمنح اكتشاف الطيات الجديدة، مع تحديد مواقعها بدقة، شركات الاستكشاف فرصة ذهبية لزيادة الإنتاج وربما العثور على مكامن نفطية لم تُستغل بعد.

مصدر الصورة النفط والغاز يتصاعدان من الصخور المولدة (رويترز)

تضافر 3 أدوات

وتطلب اكتشاف هذه الطيات المحدبة، وما تحمله من وعود باحتمالات وجود آبار نفطية جديدة، رحلة طويلة من البحث بدأت فوق سطح الأرض وانتهت في أعماقها.

وبدأت الحكاية -حسبما يوضحها الباحثون في دراستهم- من الصخور المكشوفة في منطقة عقرة، وتحديدا تكوين "باي حسن" البارز على السطح، الذي أخذ اسمه من المنطقة التي يوجد بها في كردستان العراق، ويعود إلى العصرين البليوسيني و البلايستوسيني (أي منذ حوالي 5 ملايين إلى 2.5 مليون سنة).

هذا التكوين الجيولوجي يتكون بشكل رئيسي من رمال وحصى وطين تراكمت نتيجة الأنهار القديمة والجريان السطحي في بيئة قارية (ليست بحرية)، وهذه الترسيبات جاءت من عمليات التعرية التي حملت الفتات الصخري من الجبال المجاورة ورسبته في الأحواض، لذلك، هو تكوين غني بالمواد الرسوبية الخشنة التي تعكس نشاطا جيولوجيا شديدا في ذلك الزمن.

وأظهرت صور الأقمار الصناعية العالية الدقة -التي فحصها الباحثون- خطوطا وانحناءات بهذا التكوين أشبه بتجاعيد بارزة في جلد الأرض، توحي بأن تحتها أسرارا لم تُكشف بعد، وكانت هذه الانحناءات بالنسبة للباحثين، ليس مجرد مشهد جيولوجي عابر، بل علامة أولى على وجود طيات محدبة قد تكون خزائن طبيعية للنفط والغاز.

ولمزيد من التأكيد، كان لا بد من الدليل من باطن الأرض نفسه، وهنا جاء دور بئر "سارتا-1″، الذي حُفر في واحدة من الطيات المحدبة المعروفة مسبقا، حيث كان البئر أشبه بفتح نافذة إلى أعماق الأرض، ومن هذه النافذة خرجت عينات صخرية روت القصة كاملة، ففي القاع، ظهرت طبقات قديمة وغنية بالمواد العضوية، تعمل كمطبخ طبيعي تولد فيه الطاقة منذ ملايين السنين.

وفوقها مباشرة وُجدت طبقات مسامية تصلح أن تكون خزانات للنفط، تعلوها طبقات صماء مثل الفتحة تغلق هذا المخزن بإحكام، وأعطى هذا البئر للباحثين الثقة بأن الطيات المحدبة ليست مجرد تشكيلات جيولوجية على الورق، بل مصايد حقيقية قد تخفي ثروات نفطية، مما يفتح شهية الاستكشاف في الطيات الجديدة مثل ماماندوك وغرداشين.

لكن حتى هذا لم يكن كافيا، ففي المختبرات، خضعت عينات تم جمعها ميدانيا لتحاليل جيوكيميائية دقيقة، حيث أراد العلماء أن يعرفوا إذا ما كانت المواد العضوية الموجودة ناضجة بما يكفي لإنتاج النفط، وهل الخزانات المسامية قادرة على استيعاب كميات تجارية، وهل الأغطية الصخرية متماسكة بما يكفي لمنع الهيدروكربونات من الهروب، والنتائج كانت واعدة، مؤكدة أن المنطقة تضم عناصر نظام بترولي متكامل، وهو مصدر وخزان وغطاء.

وماذا بعد؟

وإذا كانت هناك قاعدة جيولوجية تقول إن "السطح مفتاح لما تحت السطح"، فإن ما أثبته الباحثون هو مؤشر قوي على وجود نفط وغاز، لكن ذلك لن يتأكد إلا بمزيد من الدراسات، كما يقول عبد العزيز محمد عبد العزيز، أستاذ هندسة الاستكشاف وتقييم الطبقات بقسم هندسة البترول في كلية الهندسة بجامعة القاهرة، في تصريحات للجزيرة نت.

إعلان

ويوضح أن ظهور طية محدبة على السطح يجعل الجيولوجي يتوقع أن هناك امتدادا لهذه الطية تحت الأرض، وقد تحتوي على خزانات نفطية أو غازية في الطبقات الرسوبية المرتبطة بها، وهذه النتائج الأولية أشبه بقراءة غلاف كتاب يوحي بمحتوى مهم، لكن لمعرفة القصة كاملة يجب فتح الصفحات والتمعن في التفاصيل.

و يشرح عبد العزيز أن التمعن في التفاصيل يحتاج إلى دراسات أخرى، تبدأ بالمسح الزلزالي الثلاثي الأبعاد، وفكرته أنه يتم إرسال موجات اهتزازية إلى باطن الأرض، إما بواسطة متفجرات صغيرة أو أجهزة اهتزاز ضخمة تُسمى" فايبروسايز".

وهذه الموجات تنتقل عبر الصخور وتنعكس عائدة إلى السطح حسب اختلاف كثافة الصخور ونوعها، لتستقبلها أجهزة استقبال حساسة جدا تقوم بتسجيل هذه الانعكاسات، وبعد معالجتها بالحاسوب، تتحول إلى صور مقطعية ثلاثية الأبعاد تُشبه صورة "الأشعة السينية" للأرض، لتكشف شكل الطيات وسمك الطبقات، بل وأحيانا تُظهر تجمعات محتملة للنفط أو الغاز.

بعدها يأتي دور الحفر الاستكشافي، وهو الخطوة الحاسمة التي تنقل التوقعات من مجرد نماذج ورسوم بيانية إلى نتائج ملموسة، وكما حدث في بئر "سارتا-1 " سابقا، يتم في هذه المرحلة جلب عينات صخرية من أعماق مختلفة، لتأكيد وجود الصخور المولدة والخازنة والمانعة للتسرب، والتأكد من أن النفط أو الغاز ما زال محفوظا داخل النظام البترولي.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار