في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في شوارع كوبنهاغن الباردة لا تتأخر الناشطة الدانماركية أنابيث كرستنسن عن المشاركة في أي مظاهرة تنظم من أجل مناصرة القضية الفلسطينية والتضامن مع قطاع غزة ، حيث تجدها في كل فعالية تحمل العلم الفلسطيني وتردد بصوت لا يعرف التعب "فلسطين حرة".
كرستنسن امرأة في الـ80 من عمرها، وظهرت في مقابلة مع الجزيرة نت وهي تعتمر قبعة صوفية بألوان العلم الفلسطيني، ولم تنس أن تضع الكوفية الفلسطينية حول عنقها، مرتدية نظارة طبية تظهر من خلفها عينان تحملان بريق عزيمة لا تخبو رغم السنين.
لكن القصة لم تبدأ في كوبنهاغن، بل في مزارع الزيتون بمدينة نابلس ، حيث قضت أنابيث 15 عاما في الضفة الغربية، وهناك عملت متطوعة ضمن فريق الصليب الأحمر الدانماركي، وفي المدارس الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، وضمن فرق مساعدات الكنيسة الشعبية والتعاون الدولي.
وتقول عن هذه الفترة أنابيث وكأنها تستعيد كل لحظة عاشتها هناك "زرعت أشجار الزيتون وقطفته في المنطقة (ج)، حيث لم يتمكن المزارعون المحليون من القيام بذلك بسبب هجمات ومضايقات المستوطنين الإسرائيليين في نابلس".
والمنطقة "ج" تُعد أكبر مناطق الضفة الغربية ، وتشكلت وفق التقسيم الذي أفرزته اتفاقية أوسلو الثانية عام 1995، وتمثل 61% من مجموع أراضي الضفة، وتسيطر السلطات الإسرائيلية على الإدارة المدنية والأمنية فيها، الأمر الذي مكنها من استغلال المنطقة من أجل التوسع في مشاريعها الاستيطانية، والتضييق على التجمعات السكانية الفلسطينية.
وكانت كرستنسن شاهدة على المعاناة الفلسطينية، حيث لا يستطيع أصحاب الأرض الوصول إليها، فكانت هي تزرع وتقطف نيابة عنهم.
ولذلك تقول للجزيرة نت "شهدت كيف يُجبر الفلسطينيون على العيش تحت الاحتلال الإسرائيلي ".
وفي كل مرة كانت تعود فيها إلى الدانمارك كانت تحمل معها قصصا من الظلم اليومي الذي يعيشه الفلسطينيون، وهي قصص حُفرت في ذاكرتها وقلبها.
وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 شنت إسرائيل عدوانا على قطاع غزة استمر عامين، وأسفر عن استشهاد أكثر من 70 ألف فلسطيني وإصابة نحو 170 ألفا وتدمير 90% من البنية التحتية بالقطاع، مما أثار الرأي العام العالمي، وخرجت مظاهرات واحتجاجات عديدة تناصر الشعب الفلسطيني وتدعو إلى وقف الحرب.
ومنذ ذلك التاريخ لم تُتح لأنابيث فرصة العودة إلى فلسطين، ومع ذلك تؤكد بحزم "لكن التزامي بقضية الفلسطينيين قد تعزز".
وعلى فيسبوك، لدى أنابيث صفحة يتابعها 100 ألف دانماركي من أجل وقف إطلاق النار في غزة، حيث يتبادل المتضامنون المعرفة والنقاش ويعلنون عن الفعاليات التي ينظمونها تضامنا مع فلسطين، كما تتابع منصة "نبض 48" التي تنشر الأخبار المهمة المتعلقة بفلسطين.
وتقول بإصرار واضح "أنا أتابع كل ذلك"، وهذه الصفحات أصبحت نافذتها اليومية على فلسطين التي لا تستطيع العودة إليها، لكنها تعيش في قلبها كل لحظة.
وفي العديد من الأماكن بالدانمارك تشكلت مجموعات صغيرة داعمة لفلسطين، تبذل جهدا كبيرا لزيادة الوعي وتحفيز المشاركة في القضية الفلسطينية، وتعددت المبادرات التي تشارك فيها كرستنسن، وتضرب مثلا بمجموعة "كلنا في الشارع من أجل فلسطين حرة"، أو "مجموعة أعلام" التي تقف كل أسبوعين في موقع مروري مزدحم حاملة الأعلام الفلسطينية واللافتات، أو مجموعة "أبواق من أجل فلسطين"، حيث تتفاعل جميع السيارات المارة بإطلاق نفيرها من أجل الإعلان عن التضامن مع القضية الفلسطينية.
ونتيجة لكل هذا النشاط والتفاعل المجتمعي تقول كرستنسن لقد "تمكن بعض أعضاء المجموعة من إقناع بلديتنا بسحب استثماراتها من الشركات التي تدعم الاستيطان والمستوطنين".
ولم يقف إبداع المجموعات التي تشارك فيها أنابيث، فهناك مجموعة "الأنشطة الصغيرة" التي تهدف إلى لفت الانتباه إلى القضية الفلسطينية والتحدث إلى الناس العاديين، مبينة "نحن نرفع اللافتات ونقوم بعروض في الأماكن العامة ونتحدث مع المارة".
وتشرح ما تقوم به "نصنع مقاطع فيديو قصيرة مليئة بروح الدعابة بشأن مشاكل خطيرة، ونروج للمبادرات الجيدة، مثل صندوق "حنظلة" الذي يساعد في إطلاق المشاريع، ونحدّث الناس عن فلسطين، ونبحر بأعلام فلسطين إلى باقي أنحاء المدينة".
ثم تتوقف قليلا، وتضيف بنبرة يمتزج فيها الحزن بالأمل: نحن "نقرع القدور الفارغة لجذب الانتباه إلى القدور الفارغة في غزة"، إنها صورة مؤلمة ورمزية في آن واحد، حيث قدور فارغة تقرع في شوارع كوبنهاغن الباردة، تذكيرا بالجوع الذي يعتصر أهل غزة، مضيفة "نقوم بأشياء يمكن لأي شخص أن يقلدها، ونلمس تعاطفا متزايدا مع فلسطين".
ومن المبادرات التي تثير إعجاب أنابيث بشكل خاص "حركة السلام في الدانمارك من أجل فلسطين"، حيث يشارك الحمام في المظاهرات، ويُسمح للمشاركين بالتقاط الصور معه، ثم يُطيّرونه بعيدا ناقلين رسالة عن فلسطين الحرة.
وفي غرفة معيشتها البسيطة تتراص خلفها الملصقات واللافتات، مثل "فلسطين حرة"، و"حنظلة"، و"أعيدوهم إلى بيوتهم"، وأثناء المقابلة تحمل أنابيث مجسما صغيرا لحمامة بيضاء مزينة بألوان العلم الفلسطيني.
ما تفعله أنابيث ورفاقها في الدانمارك هو جزء من موجة عالمية غير مسبوقة، إذ وثق المركز الأوروبي الفلسطيني للإعلام (إيبال) أكثر من 45 ألف مظاهرة وفعالية في نحو 800 مدينة في 25 دولة أوروبية، وذلك خلال عامين من الإبادة الجماعية التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
وتقول أنابيث بصوت يرتجف قليلا من الانفعال "عندما أشارك في فعاليات صغيرة أو كبيرة أشعر بأنني جزء من حركة أكبر لدعم فلسطين"، مضيفة "وأؤمن بأن جهودي وجهود الآخرين تُحدث فرقا".
ولعل هذا الإيمان هو ما يدفعها إلى الخروج في كل مظاهرة رغم البرد القارس أو المطر الشديد، ورغم 80 عاما التي ربما تثقل جسدها فإنها لا تثقل الروح الساكنة فيه.
وعن موقف الحكومة في الدانمارك الرسمي، تقول أنابيث "للأسف، الحكومة ومعظم السياسيين لا يقفون في نفس الصف بشأن قضية فلسطين كما يفعل جزء كبير من الشعب الدانماركي".
لكنها لا تعرف اليأس، وتضيف "احتجاجاتنا تُحدث فرقا، نحن لا نستسلم أبدا، ونستمر في دعمنا"، ثم ترفع قبضتها وتردد بصوت عال "فلسطين حرة، فلسطين حرة".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة