في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
موسكو- بينما لا يزال الاتحاد الأوروبي يسعى للتوصل إلى اتفاق بشأن الجولة 19 من العقوبات المفروضة على روسيا، تُواصل الولايات المتحدة محاولاتها لإخراج ما تبقى من النفط والغاز الروسيين من السوق الأوروبية وغيرها من الأسواق، واستبدالهما بإمدادات خاصة بها.
وتمارس واشنطن حاليا أقصى الضغوط على الهند ، وتطالبها بالتخلي تماما عن النفط الروسي تحت تهديد فرض رسوم جمركية بنسبة 50%، واحتمال فرض الاتحاد الأوروبي إجراءات إضافية.
وقدمت واشنطن وعودا للهند بأنه في حال توقفها التام عن استيراد النفط الروسي، ستُخفّض الرسوم الجمركية على توريد السلع الهندية إلى تجار التجزئة في الولايات المتحدة إلى النصف لتصل إلى 25%.
ويُعد هذا تخفيضا كبيرا بالنسبة لنيودلهي التي تشهد انخفاضا في الاستهلاك المحلي، لأن التأثير الرئيسي للرسوم الأميركية وقع على القطاعات التي يعمل فيها معظم السكان.
وفي ظل تزايد الضغوط الأميركية، حظرت مجموعة أداني، أكبر مشغل خاص للمواني، والتي تدير 14 ميناء في الهند، ناقلات النفط القادمة من الدول الخاضعة للعقوبات.
وهنا، بدأ المستوردون الهنود يطالبون البائعين الروس بزيادة خصوماتهم 5 أضعاف، مما دفع بعض الموردين إلى إعادة توجيه ناقلاتهم إلى الصين .
وفي الأثناء، أعلنت المفوضية الأوروبية عن وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستبدال النفط والغاز الروسيين بوقود أميركي، إذ ستشتري أوروبا طاقة بقيمة 750 مليار دولار أميركي من الولايات المتحدة على مدى 3 سنوات.
كما أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيتوقف تدريجيا عن استيراد النفط والغاز الروسيين بحلول عام 2027، كجزء من الاتفاقية مع الولايات المتحدة لخفض الرسوم الجمركية من 30% إلى 15%.
ولا ينطبق هذا فقط على دول الاتحاد الأوروبي والهند، بل أيضا على تركيا التي تحتل حاليا المرتبة الثانية في واردات الغاز الروسي ، والثالثة والرابعة في واردات النفط، والأولى في واردات المنتجات البترولية.
وعلى الرغم من حملات الضغوط هذه، يشكك الخبراء الروس في أن تقرر الهند وتركيا وحتى أوروبا التخلي تماما عن مواد الطاقة الروسية، فضلا عن تخلّي الصين عن إمدادات النفط الروسية، على الرغم من تهديد الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية مرتفعة.
ويقول الخبير الاقتصادي فيكتور لاشون إنه على الرغم من الصعوبات الحتمية المرتبطة بإيجاد سبل جديدة لتوفير الإمدادات الدولية، فإنه لم يعد من الممكن إزاحة موارد الطاقة الروسية من السوق العالمية.
وفي تعليق للجزيرة نت، يورد لاشون مثالا على أن النفط الصخري الأميركي، حتى بتكلفة منخفضة، يعد أغلى بكثير من نظيره الروسي.
لكنه في الوقت ذاته، يشير إلى روسيا التي تعد أكبر مورد للغاز لتركيا، ومع ذلك فقد برز بالفعل اتجاه نحو تقليل الاعتماد عليها في الأسواق التركية، موضحا أن حصة الغاز الروسي انخفضت في الواردات من حوالي 50% قبل بضع سنوات إلى نحو 40% حاليا.
ومع ذلك، يؤكد الخبير الاقتصادي أن التوقف التام للتعاون في مجال الغاز خلال السنوات الخمس إلى السبع المقبلة أمر مستحيل عمليا نظرا للقيود التعاقدية والبنية التحتية والاقتصادية.
لكنه يحذر من أنه على المدى الأبعد (بحلول عام 2035)، يُصبح هذا مُمكنا نظريا إذا نجحت تركيا في تنفيذ إستراتيجيتها للتنويع الاقتصادي من واردات الغاز، من أذربيجان والولايات المتحدة والجزائر، وزيادة إنتاجها الخاص من الغاز.
كما يشير المتحدث إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يستورد الفحم الروسي منذ عام 2022، إذ يخضع لحظر أوروبي، لكنه لا يزال يستورد كميات قليلة جدا من النفط الروس، أي 2% من إجمالي وارداته، معظمها إلى سلوفاكيا والمجر.
ويضيف أن واردات الغاز الروسي لا تخضع للعقوبات الأوروبية، خلافا للاعتقاد السائد، إذ لا تزال هذه الواردات كبيرة وتمثل 14% من إجمالي واردات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي في الربع الأول من عام 2025، و11% من الغاز المستورد عبر الأنابيب، و17% من الغاز الطبيعي المسال ، وفقا لبيانات المفوضية الأوروبية.
ويؤكد المتحدث أن روسيا في كل الأحوال بدأت تقف حاليا أمام اختبار لمدى قدراتها في مواجهة سعي الولايات المتحدة لاستبعاد موارد الطاقة الروسية من السوق الدولية.
من جانبه، يرى الباحث في الشؤون الاقتصادية أندريه زايتسيف أنه يمكن لروسيا، في مواجهة هذه الضغوطات، إيجاد أسواق إضافية للوقود الروسي في أفريقيا وآسيا.
ووفق حديثه للجزيرة نت، ينبغي أن تشكّل ضغوط العقوبات ومحاولات إقصاء النفط الروسي من الأسواق العالمية دافعا لتطوير صناعة تكرير النفط والصناعات الكيميائية في البلاد.
وبرأيه، لم يُطرح حتى الآن أي احتمال لحظر روسيا تماما من بيع نفطها في السوق العالمية، والسبب بسيط: فمع بلوغ حصة روسيا 12% من إنتاج النفط و17% من صادرات الغاز في عام 2024، فإن مثل هذا الحظر من شأنه أن يزعزع استقرار السوق العالمية ويتسبب في ارتفاع حاد في الأسعار، مما سيُثقل كاهل جميع الدول غير المنتجة.
ويتابع القول إن هذا سيؤثر بالطبع على أوروبا التي تستورد الآن تقريبا كل ما تستهلكه من غاز ونفط، كما سيؤثر أيضا على العديد من دول "الجنوب العالمي" التي يمكن أن تدفعها الضغوطات الأميركية إلى التحول بشكل حاسم إلى معسكر بكين وموسكو.
ويعتقد أن إصرار الرئيس ترامب على فرض حصار كامل على صادرات النفط الروسية، إلى حدّ الخلاف مع الهند، سيدفع الهند إلى أحضان بكين مما ينذر بتحول جيوسياسي قد لا يكون في مصلحة واشنطن، حسب تعبيره.
بالإضافة إلى ذلك، يكمن السبب الرئيسي في "الحملة" الأميركية ضد قطاع الطاقة الروسي في السياسة الداخلية الأميركية وأنصارها في عالم الأعمال من الشركات الخاصة الأميركية وليس ترامب.
ويوضح أن سعر النفط الحالي في السوق العالمية منخفض للغاية. ومع تسارع التباطؤ الاقتصادي العالمي، لا سيما بسبب حالة عدم اليقين التي أحدثتها الرسوم الجمركية الأميركية، شهد سعر النفط انخفاضا واضحا في السوق العالمية خلال الأشهر الأخيرة، إذ يقترب سعر برميل خام برنت بحر الشمال، الذي يُمثل معيارا، الآن من 60 دولارا، وهو السعر الذي فُرض على النفط الروسي.