آخر الأخبار

لماذا توجد “أرقام تحكم” الكون؟ لغز علمي لا يزال بلا إجابة

شارك

يتساءل العلماء منذ عقود: لماذا توجد "أرقام أساسية تتحكم في الكون"، تعرف بـ"الثوابت الأساسية للطبيعة"، مثل سرعة الضوء وقوة الجاذبية وكتلة الإلكترون؟ هذه الأرقام ضرورية لفهم القوانين الفيزيائية، لكن ليس هناك تفسير واضح للقيم التي حددها العلم لكل منها.

تعتمد الفيزياء على المعادلات لوصف الظواهر الطبيعية والتنبؤ بسلوكها، من حركة الجسيمات الصغيرة جدا إلى تطور الكون كله.

اقرأ أيضا

list of 4 items
* list 1 of 4 هل تُخفي النقاط الحمراء الصغيرة أول الثقوب السوداء في الكون؟
* list 2 of 4 العلماء يكشفون عن أدق خريطة لتوزيع المادة في الكون
* list 3 of 4 التضخم الكوني وتفسيره للكون
* list 4 of 4 هل نشأ كوننا داخل ثقب أسود في كون آخر؟ end of list

لكن عند ربط هذه المعادلات بالواقع، يضطر العلماء إلى إدخال أرقام محددة وثابتة دون معرفة أصلها النظري. وهذا يفتح الباب أمام سؤال فلسفي عميق: هل هذه الأرقام مجرد "حقائق مصادفة" في كوننا، أم أنها دليل على بنية أعمق، ربما غير مرئية، تحكم كل شيء؟

مصدر الصورة رسم توضيحي لكيفية تشوه الزمكان بفعل جاذبية المجرة وفقا لنظرية النسبية العامة لأينشتاين (غيتي)

يبلغ عدد هذه الثوابت أكثر من 20 ثابتا تصف قوى الطبيعة الأربع (قوة الجاذبية والقوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية القوية والقوة النووية الضعيفة) وخصائص الجسيمات الأساسية، وبعض جوانب الزمان والمكان. والسؤال الكبير هو: هل هذه الأرقام ثابتة فعلا أم يمكن أن تتغير؟

رحلة البحث عن "تغيّر" في الثوابت

للإجابة عن هذه التساؤلات، يُجري العلماء تجارب دقيقة جدا للبحث عن أي انحراف محتمل في هذه القيم عبر الزمان أو المكان. ويستخدم الفلكيون "مختبرات سماوية" متمثلة في الكويزارات البعيدة؛ وهي مجرات تحوي ثقوبا سوداء عملاقة، يمثل ضوؤها القادم إلينا من مليارات السنين "سجلا تاريخيا" لقوانين الفيزياء القديمة.

وبينما تراقب الساعات الذرية فائقة الدقة أي تذبذب في الحاضر، تشير ملاحظات إشعاع الخلفية الكونية إلى ثبات مذهل. وحتى الآن ثبتت دقة بعض الثوابت إلى حد جزء واحد من مليار في السنة، ومع ذلك لا يمكن الجزم بنسبة 100% بأن هذه الأرقام ثابتة للأبد؛ فربما نحن نعيش في "فقرة" زمنية هادئة من تاريخ كون متطور.

مصدر الصورة

هل جاءت هذه الأرقام عبثا؟

تثير هذه "الثوابت" تساؤلات تتجاوز الفيزياء لتصل إلى جوهر الوجود، إذ يرى العلماء أن "الضبط الدقيق" (Fine-Tuning) للكون ليس مجرد مصادفة إحصائية. وهذه بعض الأمثلة التي تدلل على ذلك:

إعلان

* الكثافة الحرجة ومعدل توسع الكون

بعد الانفجار العظيم ظل الكون يتوسع بسرعة هائلة، ولو كان التوسع أسرع بنسبة ضئيلة جدا لتشتت المادة قبل أن تتمكن الجاذبية من تجميعها، ولما تولدت المجرات أو النجوم؛ ولكان الكون مجرد فراغ بارد يتوسع للأبد.

أما لو كان التوسع أبطأ بنسبة ضئيلة جدا، لانهار الكون على نفسه (Big Crunch) بفعل الجاذبية في غضون لحظات من نشأته، ولم يصل أبدا إلى مرحلة تكوين الحياة.

مصدر الصورة


* نسبة القوة الكهرومغناطيسية إلى الجاذبية

تزيد القوة الكهرومغناطيسية عن قوة الجاذبية بمقدار تريليون تريليون تريليون مرة (أو معادل ما يصطلح عليه في الرياضيات بـ10 قوة أو أُسّ 36) ولو كانت الجاذبية أقوى قليلا، فستكون النجوم أصغر حجما وأكثر كثافة، وسيكون ضغط الجاذبية بداخلها هائلا لدرجة أنها ستحرق وقودها النووي في غضون ملايين بدلا من مليارات السنين، وعليه فإن الحياة ستحتاج مليارات السنين لتتطور (مثل الأرض التي احتاجت 4 مليارات سنة فقط)، ولو كانت النجوم "قصيرة العمر" لما وُجدنا نحن الآن لنراقبها.


* الفرق بين كتلة البروتون والنيوترون

يزن النيوترون أكثر من البروتون (كلاهما داخل النواة) بنسبة ضئيلة جدا (حوالي 0.1%)، ولو كان النيوترون أخف قليلا، لتحولت كل البروتونات في الكون إلى نيوترونات فورا بعد الانفجار العظيم. وحينها لن توجد ذرات هيدروجين ومن دونها لن يوجد وقود للنجوم ولا ماء، وسيكون الكون مليئا بالنيوترونات الصامتة فقط.

مصدر الصورة


* رنين الكربون (الحالة المثارة لنواة الكربون)

لكي يتكون الكربون بداخل النجوم يجب أن تصطدم 3 أنوية هيليوم معا في وقت واحد تقريبا، وهذه العملية صعبة جدا فيزيائيا ولكنها تحدث بفضل وجود "رنين" (مستوى طاقة معين) محدد بدقة شديدة لنواة الكربون.

ولو تغير مستوى هذا الرنين بنسبة 4% فقط، فلن ينتج الكون أي كربون تقريبا، وعليه وبما أن كل أشكال الحياة المعروفة هي حياة "كربونية"، فإن هذا الضبط الطاقي هو الذي سمح بوجودنا. وهذا ما دفع الفيزيائي البريطاني فريد هويل (Fred Hoyle) إلى القول إن الكون يبدو وكأنه "عملية احتيال" مدبرة من قبل ذكاء فائق.


* ثابت القوة النووية القوية

هذه هي القوة التي تربط النواة ببعضها، ولو كانت أضعف بنسبة 1% لما تمكنت البروتونات والنيوترونات من الالتصاق ببعضها، ولما وجد في الكون سوى عنصر الهيدروجين فقط. ولو كانت أقوى بنسبة 1% لاحترق الهيدروجين بسرعة فائقة وتحول كله إلى هيليوم في بدايات الكون، ولَما وجدنا هيدروجينا لتكوين الماء أو وقود النجوم طويل الأمد.

مصدر الصورة

من يقف خلف هذا الضبط الدقيق؟

في هذا السياق، يشير الفيلسوف وعالم الفيزياء روبين كولينز إلى أن دقة الثوابت تجعل الكون معدا ليس فقط لوجود الحياة، بل لإمكانية اكتشافنا هذه القوانين نفسها، مما يجعل فكرة التصميم (خلق الكون) "حقيقة جديرة بالاهتمام".

أما الفيزيائي الكوني الشهير "بول ديفيز"، فيؤكد أن الكون يبدو "مضبوطا بشكل مناسب للحياة"، مما "يفتح المجال للتفكير بوجود سبب أعمق وراء ذلك التناغم".

نبوءة القادمين إلى الوجود

ولعل الاقتباس الأكثر إدهاشا هو ما صدر عن عالم الفيزياء والرياضيات البريطاني فريمان دايسون عندما قال "كلما فحصت الكون وتفاصيله، وجدت المزيد من الأدلة على أنه بطريقة ما كان يجب أن يعرف أننا قادمون".

هذا الطابع المذهل للثوابت يدعو إلى التأمل في إمكانية وجود قوة عظيمة وخالق حكيم يقف وراء هذا النظام المتناغم. وكما ختم بارو محاضراته، فإن أسرار الكون لم تُكشف بعد بالكامل؛ فالثوابت قد تكون "ظلالاً" لقوانين في أبعاد أعلى لا نراها بعد.

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار