لطالما اعتقد العلماء أن تكوين الألماس يتطلب ظروفا قاسية للغاية تتضمن درجات حرارة مرتفعة وضغوطا هائلة في أعماق الأرض، أو في المختبرات باستخدام أفران خاصة وتقنيات معقدة.
لكنّ فريقا من جامعة طوكيو بقيادة البروفيسور إييتشي ناكامورا أثبت أن الطبيعة يمكن أن تُقلَّد بطريقة مختلفة تماما، وهي طريقة تعتمد على الإلكترونات لا على النار أو الضغط، بحسب الدراسة التي نشرها الفريق في دورية "ساينس" المرموقة.
فقد طور العلماء أسلوبا جديدا يسمح بصناعة ألماس نانوي في ظروف باردة ومنخفضة الضغط، مستخدمين فقط حزمة دقيقة من الإلكترونات لتغيير تركيب المادة. والأهم من ذلك أن هذه الطريقة لا تتلف المواد العضوية الحساسة، بل تساعدها على إعادة ترتيب ذراتها بطريقة منظمة ومدهشة.
تعتمد الطريقة على مركب صغير يعرف باسم الأدامانتان، وهو جزيء كربوني شكله ثلاثي الأبعاد، يحمل الهيكل الأساسي للألماس، لكنه يحتوي على ذرات هيدروجين تربطه معا.
ولتحويل الأدامانتان إلى ألماس، كان لا بد من إزالة روابط الكربون-هيدروجين واستبدالها بروابط كربون-كربون، وهي البنية التي تميّز الألماس الحقيقي.
كانت هذه الفكرة معروفة نظريا منذ سنوات، لكن لم يعتقد أحد أنها ممكنة عمليًا دون حرارة وضغط، حتى جاء ناكامورا وفريقه ليغيروا المعادلة.
استخدم الباحثون مجهرا إلكترونيا ناقلا، وهو أداة تستطيع رؤية الذرات نفسها، ووضعوا بلورات صغيرة من الأدامانتان داخل الجهاز، ثم عرّضوها لحزمة من الإلكترونات بطاقة تتراوح بين 80 و200 كيلوإلكترون فولت، وفي درجات حرارة منخفضة تتراوح بين 100 و296 كلفن، أي أبرد من درجة التجمد.
في غضون ثوانٍ معدودة، أعادت الجزيئات ترتيب نفسها تدريجيا، وتحولت السلاسل الكربونية إلى ألماس نانوي مكعب الشكل قطره نحو 10 نانومتر فقط.
وبحسب الدراسة، أظهرت صور المجهر الإلكتروني كيف تتشكل حبيبات الألماس الصغيرة واحدة تلو الأخرى، بينما ينفصل غاز الهيدروجين الناتج عن العملية.
كان العلماء يعتقدون أن حزم الإلكترونات تدمر الجزيئات العضوية، لأنها عادة ما تستخدم في التصوير المجهري وتؤدي إلى تآكل المادة، لكن تجربة ناكامورا أظهرت العكس تماما، فتحت ظروف معينة، يمكن للإلكترونات أن تحفز تفاعلات كيميائية دقيقة ومنظمة، وتساعد على بناء مواد جديدة بدلًا من تدميرها.
هذه النتائج لا تخص الألماس فحسب، كما يوضح بيان صحفي رسمي صدر من الجامعة، لكن الطريقة التي استخدمها الباحثون يمكن أن تغير أساليب العمل في مجالات كثيرة مثل المجاهر الإلكترونية، لأنها تتيح دراسة الجزيئات الحساسة دون تدميرها.
وكذلك يمكن أن يمتلك هذا الإنجاز في تطبيقات مثل الإلكترونيات الكمومية، إذ يمكن إنتاج "نقاط كمومية" من الألماس لاستخدامها في الحوسبة الكمية.
النقاط الكمومية هي جسيمات نانوية صغيرة جدا، لا يتجاوز قطرها بضعة نانومترات، تمتلك خصائص فريدة بسبب صِغر حجمها، حيث تبدأ الإلكترونات داخلها تتصرف بطريقة "كمّية"، أي لا يمكنها التحرك إلا في مستويات طاقة محددة، تماما كما يحدث داخل الذرات.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة