في أعالي جبال الأنديز في الأرجنتين، اكتشف العلماء بقايا أحفورية نادرة لديناصور صغير قد يعيد كتابة فصول مهمة من تاريخ هذه الكائنات العملاقة.
الديناصور الجديد، الذي أطلق عليه العلماء اسم "هوايراكرسور جاجوينسيس" أي عدّاء الريح، عاش قبل نحو 231 مليون عام، ويعد من أقدم الأنواع المعروفة التي بدأت تظهر خصائص الديناصورات ذات العنق الطويل التي ظهرت لاحقا بحجم هائل مثل "براشيوسوروس وديبلودوكس".
الدراسة التي نشرتها مجلة "نيتشر" يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول، وأجراها فريق بحثي أرجنتيني، أوضحت أن هذا الاكتشاف يقدم دليلا جديدا على الكيفية التي بدأت بها الديناصورات الأولى في زيادة أحجامها وتمديد أعناقها مع بداية عصرها في أواخر العصر الثلاثي (الترياسي).
يوضح المؤلف الرئيسي للدراسة مارتن هيشنلايتنر -أستاذ الحفريات الفقارية المشارك في المركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا في الأرجنتين- أن خلال العصر الثلاثي المتأخر (منذ نحو 237 إلى 201 مليون سنة)، شهد كوكب الأرض تحولات بيئية كبيرة، فتبدلت المناخات وانقرضت أنواع كثيرة، مما فتح الطريق أمام صعود مجموعات جديدة من الكائنات مثل الديناصورات وأشباه الثدييات وأقارب التماسيح.
ويضيف الباحث في تصريحات للجزيرة نت أن "معظم ما يعرفه العلماء عن بدايات الديناصورات جاء من منطقتين رئيسيتين في أميركا الجنوبية: حوض إيسيجوالاستو في الأرجنتين وحوض بارانا في البرازيل".
لكن الاكتشاف الجديد جاء من مكان مختلف تماما، تشكيلة سانتو دومينجو الصخرية في منطقة نائية تعرف باسم "كويبريدا سانتو دومينجو" بجبال الأنديز شمال غربي الأرجنتين، على ارتفاع نحو 3 آلاف متر. ويقع الموقع ضمن حوض جيولوجي لم يكن معروفا من قبل، أطلق عليه العلماء اسم "حوض بريكورديليرا الشمالي".
ويقول الفريق إن هذا الاكتشاف لا يضيف فقط نوعا جديدا من الديناصورات، بل يوسع أيضا خريطتنا الجغرافية لفترة بداياتها، مشيرين إلى أن الديناصورات الأولى لم تعش في السهول المنخفضة فقط، بل وصلت أيضا إلى مناطق جبلية وعرة لم تستكشف من قبل.
كان "هوايراكرسور" ديناصورا صغير الحجم، طوله نحو متر ونصف ووزنه حوالي 18 كيلوغراما، أي بحجم ديك رومي كبير تقريبا.
ومع أنه كان يسير على قدمين ويعيش حياة سريعة ورشيقة، فإنه أظهر علامات مبكرة على التحول نحو الشكل العملاق المعروف لاحقًا في الديناصورات العاشبة، وفقا للمؤلف الرئيسي للدراسة.
يقول هيشنلايتنر "كانت فقراته العنقية أطول من أسلافه مثل "إيورابتور" و"ساتورناليا"، كما كانت عظام أطرافه أكثر قوة".
ويضيف أن هذه الخصائص إلى بدايات استطالة العنق وزيادة الكتلة الجسدية، هما سمتان أساسيتان في تكيفات الديناصورات ذات العنق الطويل التي كانت تتغذى على النباتات العالية في العصور اللاحقة.
ويعتقد الباحثون أن هذا النوع يمثل واحدة من أقدم الأدلة على أن زيادة الحجم وطول العنق حدثتا معا في المراحل الأولى من تاريخ هذه السلالة.
ويضيف: "كانت الديناصورات الأولى صغيرة وخفيفة، لا يتجاوز وزنها 10 كيلوغرامات، لكن خلال بضعة ملايين من السنين ظهرت أنواع مثل "هوايراكرسور" التي تضاعف حجمها وبدأت تمد أعناقها"
ويوضح: "وهذا يعني أن البنية الأساسية للعمالقة الذين سيطروا على الأرض لاحقا كانت قد بدأت بالتشكل في وقت مبكر جدا من تاريخ الديناصورات".
كما أظهرت الدراسة الجيولوجية أن الصخور التي دفن فيها هذا الكائن تختلف عن تلك الموجودة في المواقع المعروفة سابقا، مما يشير إلى أن هذه الحيوانات كانت قادرة على التكيف مع بيئات متنوعة، من الأودية المنخفضة إلى الجبال المرتفعة.