منذ مطلع القرن الـ20 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية ، كانت البارجة الحربية تمثل ذروة القوة الوطنية في العالم، سفينة فولاذية جبارة تُجسد الصناعة والهيمنة البحرية، وتُرهب الخصوم بمدافعها العملاقة ودروعها الثقيلة.
بيد أن بزوغ فجر عصر الطيران والصواريخ الموجهة جعل تلك القلاع العائمة رموزا لمجد قد أفل. ففي تقرير موسّع نشرته مجلة ناشونال إنترست، استعرض الكاتب المختص في شؤون الدفاع والأمن القومي هاريسون كاس قائمة بأضخم 10 بوارج بُنيت في التاريخ، محددا كيف تجسدت في كل منها طموحات الدول العظمى وصراعاتها.
وفيما يلي نورد بشيء من التفصيل سمات كل بارجة بترتيب تنازلي:
جسدت هذه البارجة براعة البريطانيين في التصميم والتكيف مع القيود المفروضة بمعاهدات التسلح، إذ زُوّدت بـ10 مدافع عيار 14 بوصة ودروع متينة. وقد اشتركت مع البارجة الأشهر "برنس أوف ويلز" في إغراق البارجة الألمانية بسمارك.
لكن هذا النصر لم يدم طويلا، حيث نجحت الطائرات اليابانية في إغراق البارجة كينغ جورج نفسها، لتعلن نهاية عهد البوارج.
هذه بارجة مدمجة لكنها قوية، بلغت إزاحتها 44 ألفا و500 طن، ومزودة بـ9 مدافع عيار 16 بوصة ودروع كثيفة ونظام رادار متطور للتحكم بالنيران.
وقد شاركت في معارك المحيط الهادي ، وأظهرت فعالية أنظمة الرادار في تحديد الأهداف، مما مهد لحقبة جديدة من الحرب الإلكترونية.
هي تجسيد لطموح الزعيم الإيطالي بينيتو موسوليني في السيطرة على البحر الأبيض المتوسط . وبلغت سرعتها 30 عقدة، لكن حظوظها القتالية ظلت محدودة، وانتهى بها المطاف مصادرة بعد استسلام إيطاليا.
كانت عند تدشينها أكبر سفينة حربية في العالم، بقدرة إزاحة بلغت 47 ألفا و400 طن وطول 860 قدما. زُوّدت بـ8 مدافع عيار 15 بوصة وسرعة بلغت 32 عقدة، فكانت فخر البحرية الملكية البريطانية ورمز قوتها بين الحربين.
بيد أن قذيفة من البارجة الألمانية بسمارك دمّرتها في لحظات عام 1941، في واحدة من أكثر المآسي البحرية دموية.
كانت هذه بارجة متقدمة التصميم بإزاحة 49 ألف طن و8 مدافع رباعية فريدة عيار 15 بوصة. وقد بُنيت لمواجهة الأسطول الإيطالي، لكنها هربت إلى دكار عاصمة السنغال لتفادي الأسر بعد سقوط فرنسا .
ونجت بذلك من الاحتلال الألماني وانضمت لاحقا إلى قوات فرنسا الحرة، واستمرت في الخدمة حتى أواخر الستينيات.
كانت هذه من البوارج الضخمة بوزن 50 ألف طن و8 مدافع عيار 15 بوصة، ومثّلت ذروة الطموح الألماني لمنافسة بريطانيا في البحار.
وقد خاضت معركتها الأولى والأخيرة في مايو/أيار 1941 بإغراقها البارجة البريطانية "هود"، مما أثار غضبا عارما لدى البريطانيين دفعهم إلى مطاردتها بأكثر من 50 سفينة وعشرات الطائرات لمدة 9 أيام، وتمكنوا في النهاية من إغراقها في الشهر نفسه.
ورغم قصر عمرها، أصبحت البارجة بسمارك أسطورة بحرية خالدة.
بسمارك في مضيق نرويجي، 21 مايو 1941، قبيل انطلاقها في مهمة عبر المحيط الأطلسي (ويكيميديا-كومنز)تُعد هذه آخر البوارج الملكية وأكبرها حجما، إذ جمعت بين تقنيات الحرب الحديثة والمدافع القديمة، لكنها لم تخض أي معركة قبل تفكيكها عام 1960.
البارجة الحربية البريطانية فانغارد أثناء إبحارها، حوالي عامي 1946 و1948 (ويكيميديا كومنز)جمعت هذه البارجة بين القوة والسرعة والدقة، وخدمت في الحرب العالمية الثانية، وكوريا، بل حتى في حرب الخليج عام 1991 بإطلاق صواريخ توماهوك .
تُمثِّل هذه البارجة قمة التصميم الأميركي في عالم البوارج، إذ تتميز بإزاحة 57 ألفا و500 طن و9 مدافع عيار 16 بوصة وسرعة 33 عقدة.
ولقد تم تحويل 4 منها إلى متاحف لتكون شاهدة على عصر الهيمنة البحرية الأميركية.
إس إس آيوا (BB-61) تطلق نيرانها الجانبية الكاملة من تسعة أثناء تدريب على الهدف بسواحل بورتو ريكو (ويكيميديا كومنز)
كانت هذه أضخم بارجة في زمنها، مزودة بمدافع عيار 18.1 بوصة. وصُممت لتتفوق على أي خصم محتمل، لكنها غرقت في مهمة انتحارية إلى جزيرة أوكيناوا اليابانية عام 1945 دون وقود كافٍ للعودة، فهاجمتها الطائرات الأميركية بلا رحمة، حتى انفجرت وغرقت، وعلى متنها 3 آلاف بحار، لتطوي معها صفحة البوارج إلى الأبد.
البارجة الحربية اليابانية ياماتو تُجري تجارب كاملة في خليج سوكومو، 30 أكتوبر/تشرين الأول 1941 (ويكيميديا كومنز)موساشي هي البارجة التوأم لشقيقتها ياماتو، وكانت السفينة الحربية الأضخم في التاريخ البحري الحديث. وكانت تعد أثقل بارجة بُنيت على الإطلاق بإزاحة 72 ألفا و800 طن و9 مدافع عيار 18.1 بوصة.
وعند تدشينها، أزاحت من المياه كمية هائلة أغرقت القرية اليابانية المقابلة للميناء.
لكن الطائرات الأميركية أغرقتها في معركة خليج ليتِه عام 1944 بعد أن أصابتها عشرات القنابل والطوربيدات، في نهاية مأساوية لأقوى بارجة عرفها العالم.
نظام منجنيق السفينة الحربية اليابانية الغارقة موساشي في بحر سيبويان قبالة الفلبين (وكالة الأنباء الأوروبية)ويختتم كاس مقاله بالتأكيد على أن هذه البوارج لم تكن مجرد آلات قتال، بل رموزا لعصور بلغت فيها الصناعة العسكرية ذروتها.
ومع أن حاملات الطائرات حلت محلها، فإن تلك السفن الجبارة لا تزال حية في الذاكرة كأيقونات للهيبة والابتكار والعظمة الوطنية.