الشرقية- ياسمين عزت:
لم يكن "محمد صلاح"، يحلم بأكثر من لقمة عيش حلال، ذلك الشاب في الثانية والثلاثين من عمره، من مدينة منيا القمح التابعة لمحافظة الشرقية، إذ أنه أب لثلاثة أطفال صغار لم يتعلموا بعد معنى الفقد، ولا يعرفون أن اليُتم قد كُتب عليهم قبل أن يحفظوا ملامح أبيهم جيدًا.
"محمد وزوجته جهاد"، 27 عامًا، كانا يبدآن يومهما معًا خلف ماكينة تصوير مستندات صغيرة، ورثا عنها التعب قبل الربح، يقفان جنبًا إلى جنب، يبتسمان للزبائن، ويحسبان الرزق بالجنيه لا يزيد ولا ينقص.
في ذلك اليوم، دخل رجل يطلب تصوير مستند وإستخراج جواب محاجر وتصوير مستندات بـ100 جنيه فقط، وهو مبلغ بسيط، لكنه كان الشرارة التي أشعلت النار.
في المكان المجاور، تعمل سيدة تُدعى "أم وحيد"، بنفس المهنة، يساعدها أبناؤها الثلاثة، لم يعجب نجلها أن يُنجز "محمد" العمل قبلهم، فاشتعل الخلاف من خلال كلمات قاسية ونظرات حقد، إذ انتهى اليوم على توتر مكتوم لكن الحقد لم ينتهِ.
اليوم التالي، تحولت الكلمات إلى سكاكين، بدأت المشاجرة من جديد وهذه المرة لم تكن مجرد صراخ، إذ تقدمت "أم وحيد" وأبناؤها وطُعنت "جهاد" في كتفها بسلاح أبيض، مما تسبب في سقوطها على الأرض تصرخ وتنزف وتستغيث.
"محمد" سمع صوت زوجته، ركض دون تفكير وخوف، دون أن يتذكر أبناءه الثلاثة، وكل ما رآه هو زوجته ملقاة على الأرض حملها بين ذراعيه، وفي لحظة إنسانية خالصة تلقى الطعنة طعنة واحدة نافذة.
سقط "محمد" وهو ينزف والدم يختلط بالتراب وأحلامه تختفي، لم يقاوم ولم يضرب، فقط كان يحاول إنقاذ زوجته، كانت المفارقة القاسية أن من طعنته هي نفسها من استغاثت بالشرطة.
وصلت قوات الأمن سريعًا، وتم ضبط جميع الأطراف، لكن الوقت كان قد فات، فأمام مركز شرطة منيا القمح، لفظ "محمد صلاح" أنفاسه الأخيرة، ليس في بيته ولا بين أطفاله بل على عتبة العدالة.
رحل "محمد"، وبقيت "جهاد" جريحة، تحمل في جسدها أثر السكين، وفي قلبها أثر الفقد، خرجت من المستشفى لتواجه الحياة وحدها، بثلاثة أطفال يسألون :"بابا فين؟".
مات "محمد" من أجل 100 جنيه كانت ثمن الورق، لكنها لم تكن ثمن الدم، واليوم يعيش ثلاثة أطفال أيتام وزوجة مكسورة وماكينة تصوير صامتة، تقف شاهدة على أن الرزق الحلال لا يحمي صاحبه دائمًا، وأن الغضب الأعمى قد يقتل إنسانًا ويُيتم أسرة كاملة بلا رجعة.
تحرر محضر بالواقعة حمل رقم 44967 جنح شرطة منيا القمح، واتخذت مباحث منيا القمح إجراءاتها القانونية حيال الواقعة، وتم التحفظ على جثة المجني عليه قبل أن يتم التصريح بالدفن.
ألقي القبض على الأطراف المتسببة في الواقعة، وعرضوا على النيابة العامة لبيان أسبابها واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيالها.
المصدر:
مصراوي