آخر الأخبار

إبراهيم المعلم في حوار شامل مع لميس الحديدي عن الحياة الثقافية: الإنسان هو جوهر التنمية.. والحالة الثقافية في مد وجزر

شارك

المعلم: مصر تمتلك إمكانات وقدرات هائلة في مجالات الإبداع والمعرفة
التحدي الحقيقي لا يكمن في غياب المواهب بل في توفر الظروف المحيطة ووجود منظومة داعمة
حينما يختار كبار الناشرين العالميين ناشر من مصر.. ويقولوا إنه ناشر استثنائي فهذا تقدير كبير
قيمة الصناعات الإبداعية عالميًا تصل إلى 7 تريليون دولار سنويًا ومصر لديها جميع المقومات لتطوير هذا القطاع
نعمل في دار الشروق على استكشاف كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في صناعة النشر
أحمد كمال أبو المجد.. رجل عائلة من الطراز الأول ومفكرا منفتحا ومجددا ورجل قانون لا يشق له غبار
كنت محظوظا بالتعاون مع عمالقة الفكر والأدب في مصر والعالم العربي
أردت أن يحصل نجيب محفوظ على حقوق تفوق قيمة جائزة نوبل فأعطيته مليون جنيه ونسبة من المبيعات

حل المهندس إبراهيم المعلم، رئيس مجلس ادارة مجموعة الشروق، ضيفًا على الإعلامية لميس الحديدي، في برنامج الصورة، المذاع على قناة النهار، في حوار استثنائي يمزج بين الثقافة والسياسة والرياضة. واللقاء كان بمثابة نافذة على تاريخ مصر الثقافي والفكري، وشهادة حية على تحولاتها الثقافية والرياضية والاجتماعي في العقود الاخيرة.

سرد المعلم خلال اللقاء ومضات من مسيرة ستة عقود شملت مجالات النشر الثقافة والرياضة وروى بعضًا من تجربته مع عمالقة الفكر والأدب، وتحدث عن الدور الحيوي الذي لعبته دار الشروق في حماية حرية النشر وحقوق الملكية الفكرية، إضافة إلى تأسيسه اتحاد الناشرين المصريين ومساهماته في صناعة النشر على الصعيد الدولي، مؤكدًا أن الثقافة هي القوة الناعمة الحقيقية لمصر.

وفي مستهل الحوار قالت الإعلامية لميس الحديدي في قناة النهار إن حوارها مع المهندس إبراهيم المعلم، يتجاوز كونه لقاءً ثقافيًا، ليجمع بين أبعاد سياسية واجتماعية ورياضية.
وأضافت أن المعلم ليس مجرد ناشر، بل شاهد على عصر كامل من الثقافة والعلم، عاصر كبار المفكرين والكتاب من مختلف الاتجاهات، من بينهم الأديب نجيب محفوظ، ومحمد حسنين هيكل، وعباس محمود العقاد، وأنيس منصور، وروجيه جارودي، وأحمد زويل، ومحمد البرادعي، ويوسف زيدان، وصلاح عبد الصبور، وغيرهم من الأسماء التي اختارت دار الشروق بوابةً للوصول إلى القارئ، منذ تجربة والده في دار القلم التي جرى تأميمها في ستينيات القرن الماضي، حتى تجربة دار الشروق، التي تأسست في بيروت عام 1968، ثم بعد ذلك بسنوات إطلاق جريدة الشروق، عكست دومًا انحياز إبراهيم المعلم لحرية النشر والتعبير وحماية حقوق الملكية الفكرية، وهو ما دفع به إلى خوض معارك سياسية وثقافية عديدة، تمسك خلالها بقيمه ومبادئه رغم فداحة التكلفة أحيانًا.

ولفتت إلى أن إبراهيم المعلم يعد ثاني من يحصل على جائزة «بطل الاتحاد الدولي للناشرين»، وهي جائزة تُعد بمثابة «نوبل النشر» عالميًا.

وأكدت أن الحوار يتناول قضايا الثقافة والنشر، والحالة الثقافية في مصر، والعلاقة بين الناشر والكاتب، إلى جانب الحديث عن النادي الأهلي، في ضوء علاقة إبراهيم المعلم التاريخية بالراحل صالح سليم، وشهادته على العصر الذهبي للنادي، حيث شغل منصب أمين الصندوق، إلى جانب كونه سباحًا سابقًا، ليأتي الحوار جامعًا بين الثقافة والرياضة.

وإلى نص الحوار:

حيثيات الفوز بجائزة بطل الاتحاد الدولي للناشرين

== أولًا مبروك الجائزة، أنا عارفة إن الجائزة فريدة من نوعها، وحضرتك ثاني شخص يحصل عليها».


= الجائزة أقرت لأول مرة منذ نحو عامين أو عامين ونصف، وتمنح مرة واحدة كل عامين، لا يتقدم أحد لها ولا يرشح نفسه، وإنما يختار مجلس إدارة اتحاد الناشرين الدولي الفائز بها من تلقاء نفسه، من بين من ساهموا مساهمة مؤثرة واستثنائية في تحقيق أهداف الاتحاد.


== لما قيل إن إبراهيم المعلم ساهم مساهمة مؤثرة واستثنائية، بماذا شعرت؟ وهل أحسست إنك عملت اللي كان نفسك تعمله من 57 سنة، عندما انضممت للعمل مع والدك الناشر الكبير محمد المعلم؟


= الجائزة كانت مفاجأة حقيقية بالنسبة لي، والتقدير كبير خاصة أنه لا يأتي من زملاء المهنة فقط، بل من أقطاب النشر العالميين الكبار، خاصة أن حجم العالم العربي في صناعة النشر لا يتجاوز نصف في المئة من حجم النشر العالمي. ولما كبار رجال النشر في العالم يقرروا يختاروا واحد من مصر، ويقولوا في حيثيات الجائزة إن هذا ناشر استثنائي، ساعد في إرساء وترسيخ والدفاع عن المبدأين الأساسيين في النشر، فده تقدير كبير.
والمبدأين هما حرية النشر وحرية التعبير، بما يشملهما من تداول المعلومات، والوصول إليها، وضمان سلامة المؤلف والناشر والقارئ معًا. الحرية لا يمكن تجزئتها. ما ينفعش أقول في كتاب بس ما يتصدرش، أو ما يستوردش، أو ما توصلش المعلومة، أو اللي يشتريه يحصل له مشكلة، لأن كل ده مرتبط ببعضه.
و الركيزة الثانية التي تقوم عليها صناعة النشر والإبداع في العالم هي حقوق الملكية الفكرية، وجوهرها يتمثل في ضمان حصول المؤلف والمبدع والمخترع والعالم والمنتج والناشر على حقهم العادل، بما يتيح لهم الاستمرار في إثراء الإنسانية بالمزيد من العلم والمعرفة والإبداع، دون احتكار. ده الملخص البسيط لمعنى الملكية الفكرية. و النقطة الثالثة التي أشار إليها اتحاد الناشرين الدولي في حيثيات الجائزة تتعلق بدوري داخل الاتحاد نفسه. والاتحاد الدولي للنشر تأسس عام 1896.
وكنت دائمًا بحاول أقول إن معاييركم مهمة وصحيحة، لكنكم اتحاد دولي، وفيه ناس بتشتغل بنفس المعايير لكن بثقافات مختلفة، فلازم نبص بعيون مفتوحة ونبقى أكثر انفتاحًا. والاتحاد خلص في النهاية إلى أني ساهمت بشكل واضح في تحويل اتحاد الناشرين الدولي من كيان يغلب عليه الطابع الأوروبي الغربي إلى اتحاد دولي حقيقي وعالمي بالفعل.
و هذا التحول انعكس في انضمام العالم العربي ومصر إلى قلب صناعة النشر العالمية، إلى جانب دخول دول من أوروبا الشرقية، ثم الصين التي لم تكن حاضرة من قبل، وكذلك عدد من دول آسيا، والحديث عن اتحاد دولي لا يقتصر على منطقة بعينها، بل يشمل العالم كله بكل تنوعه الثقافي والحضاري.

== وماذا عن الحالة الثقافية في مصر، وعما إذا كانت مسارات الثقافة والتنوير والمعرفة تسير في خط تصاعدي مستمر، أم أنها تمر بحالات من التعثر والانتعاش المتبادل، خاصة في ضوء تجربتك الطويلة التي بدأت بدراسة الهندسة ثم الانضمام للعمل مع الوالد منذ مطلع السبعينيات؟


= بداية عملي مع والدي كانت في القاهرة عام 1968، ثم انتقلت للعمل في بيروت خلال عامي 1969 و1970، و الحالة الثقافية في مصر، وخلال كل هذه السنوات، اتسمت دائمًا بحالة من المد والجزر. طول الوقت فيه إبداعات جديدة، وفيه شباب جديد، لكن دايمًا محتاجين الفرصة.


ومصر، في كل الفترات، تمتلك إمكانات وقدرات هائلة في مجالات الإبداع والمعرفة، لكن التحدي الحقيقي لا يكمن في غياب الموهبة، وإنما في توفر الظروف المحيطة التي تسمح بتحويل كاتب أو مبدع صاعد إلى اسم كبير ونجم مؤثر على الساحة الثقافية. و الوصول من مرحلة الإمكانات إلى مرحلة التأثير يتطلب منظومة داعمة تشمل النشر، والتوزيع، والاهتمام المؤسسي، وحرية الحركة.
بعض الدول لا يوجد بها وزير ثقافة بالمعنى التقليدي، بينما الدول الكبرى التي تحتفظ بهذا المنصب غالبًا ما تجمع بين الثقافة والصناعات الإبداعية في حقيبة وزارية واحدة، باعتبارها قطاعًا اقتصاديًا مؤثرًا لا يقل أهمية عن كونه نشاطًا فكريًا أو معرفيًا.


== حجم الصناعات الإبداعية عالميا

والصناعات الإبداعية تشمل مجالات متعددة مثل النشر، والسينما، والبرمجيات، والمسرح، والموسيقى، والإعلانات، والدراما التلفزيونية، والتصميمات الهندسية، وهذه القطاعات تمثل عالميًا نحو 7 إلى 9% من الإنتاج العالمي. وحجمها في مصر لا يعرفه أحد بدقة، رغم أن البلاد تمتلك تاريخًا عريقًا في هذه المجالات.
وقيمة الصناعات الإبداعية عالميًا تصل إلى نحو 7 تريليون دولار سنويًا، ومصر لديها جميع المقومات لتطوير هذا القطاع، من تاريخ وإرث ثقافي، وكوادر متميزة، وشباب مستمر في تقديم إبداعات جديدة. والحل يكمن في إنشاء ما يشبه هيئة قومية أو عليا للصناعات الإبداعية، تكون مهمتها حماية هذه الصناعات، والعمل على تطويرها وضمان ازدهارها. ومصر سباقة في السينما، والبرمجيات، والنشر، والهندسة، والمسرح، والموسيقى، وغيرها، وأن لديها ميزات نسبية واضحة تجعلها قادرة على المنافسة عالميًا إذا توفرت لها البيئة الداعمة.


== وماذا عن حالة النشر والكتاب في مصر، وما إذا كان لا يزال هناك إبداع حقيقي في الكتابة، أم أن المشهد الثقافي يعاني من حالة نضوب؟

= لا، دائمًا تأتي حالات ركود، لكنها سرعان ما تعود. الثقافة ليست ثابتة، هي عبارة عن مد وجزر».
ولو رجعنا للقرن العشرين، كان لدينا نجوم عالميون في الأدب، مثل أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وعباس العقاد، وطه حسين، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وصلاح عبد الصبور. هؤلاء كانوا نجومًا ساطعين على مستوى العالم، ورغم ذلك لم تكن هناك وزارة ثقافة، ولا تلفزيونات، ولكن كانت هناك حركة نقدية وحركة إيجابية حقيقية.
ومصر أحيانًا تظلم نفسها بعدم منح المواهب الجديدة حقها، مثل أم كلثوم. أنا لا أعرف إذا ظهرت أم كلثوم الآن، هل سيُطلق عليها لقب 'كوكب الشرق'؟.
والعقاد عندما حصل على جائزة الدولة التقديرية قال: «الشعوب التي تعرف قيمة أبنائها الموهوبين وتكرمهم هي شعوب تكافئ نفسها». نحن نظلم أنفسنا عندما لا نعطي من يستحق التقدير حقه. ولدينا الكثير من المواهب التي تحاول الإبداع، وعلينا أن ندعمها ونمنحها الفرص، والفرصة تعني الحرية، وحماية حقوق الملكية الفكرية، ووجود حركة نقدية حرة ونابضة بالحياة تساعد على نمو الإبداع».
وإلى جانب الحرية وحماية حقوق الملكية الفكرية ووجود حركة نقدية حرة، هناك عامل أساسي يجب الانتباه له، وهو أن جوهر التنمية لا يقتصر على المجالات الصناعية أو الزراعية أو الاقتصادية أو التكنولوجية، بل الإنسان هو الأساس والهدف الحقيقي لكل جهود التنمية. العنصر البشري في التنمية يتجسد في الثقافة والتعليم والعلوم والمعارف والمهارات، فهذا هو الأساس الذي تقوم عليه التنمية الحقيقية.
و الصناعات الإبداعية تمثل أحد أكثر القطاعات نموًا على مستوى العالم، لأنها ترتبط مباشرة بتفاعل المستهلك وإشباع رغباته، على عكس بعض الصناعات الأخرى مثل صناعة الدواء. وفي قطاع الإبداع، هناك اختراعات وفن وموسيقى وأدب وغيرها، ونحن في مصر لدينا ميزات نسبية هائلة في هذه المجالات، مع كوادر شابة ومواهب مستمرة في الابتكار والإبداع».


== التنوع أساس الحرية


==كل الأسماء التي تحدثت عنها برزت في مناخ سياسي لم يكن دائمًا حراً، بل على العكس، لم يكن هناك دائمًا مساحة واسعة للحرية التي يمكن أن تفرز كل هؤلاء المبدعين، ومع ذلك تمكنوا من الظهور والتميز.. هل يجب أن يكون المجتمع مقتنعًا بأن الفن والثقافة والإبداع يعنيان حرية وتنوع؟


= بالطبع، هذا جزء أساسي، ولكن دعينا نرى الوضع الحالي. ثقافة الأندرجراوند' موجودة الآن، من الرابرز إلى مهرجانات موسيقية، ومن شعراء جدد يحققون نجاحات كبيرة، بعض أغانيهم يشاهدها 60 إلى 80 مليون شخص في مصر والعالم العربي وحتى خارجها. المجتمع لم يقف ضدهم، بل خرجوا وبرزوا».
والحقيقة أن أي مجتمع حي يجب أن يكون متنوعًا، بمعنى أننا يجب أن نسمع أبو كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وفيروز، وكذلك نسمع ويجز، وكل أنواع الموسيقى والفن، فمش معنى أني بحب النوع ده أرفض ده. والتنوع هو أساس الحرية الثقافية».


== وماذا عن مستقبل الكتاب الورقي في ظل انتشار الوسائط الرقمية مثل البودكاست والأجهزة اللوحية؟

=في عام 2000، خلال اجتماع اتحاد الناشرين الدولي في الأرجنتين، كان هناك جدل كبير حول ما إذا كان الكتاب الإلكتروني سيحل محل الكتاب الورقي وهل سيختفي بالكامل. حينها قلنا إننا في النهاية ناشرون محتوى، وأي وسيلة جديدة تساعد في وصول الكتاب إلى أكبر عدد ممكن من القراء ستكون مفيدة».
والكتاب موجود منذ القدم، قبل اختراع الورق والمكن، كان على الحجر، ثم على أوراق من جلد الغزال أو الحيوانات، ثم البردي، وكل وسيلة جديدة في تاريخ الكتاب كانت تحسينًا للوصول إلى القارئ. وحتى الآن، الكتاب الورقي يظل الوسيلة الأكثر راحة وانتشارًا في العالم كله.
وحين حدثت أزمة كوفيد، زادت معدلات القراءة في الدول المتقدمة، وارتفعت القراءة حتى لدى من لا يقرؤون عادة، وحدثت طفرة كبيرة في استهلاك الكتب الورقية.
وحصة الكتاب الإلكتروني من إجمالي سوق النشر لا تتجاوز 20% في أمريكا، و5% في أوروبا، بينما في مصر لا تتعدى 1.5% من الإنتاج الكلي. ورأيي أن مصر بحاجة لدخول عالم النشر الرقمي بشكل أكبر بكثير، بعيدًا عن التركيز على الجيل القديم الذي اعتاد على الورق.
و إذا أردت أن يكون الكتاب مطبوعًا، يجب أن تتوفر طباعة، ورق، أحبار، غلاف، تعبئة، مخازن، موزعون، مكتبات، إيجار، كهرباء، تكييف، موظفون… هذه تكاليف هائلة. في حين أن نشر المحتوى إلكترونيًا يجعل الوصول أسهل بكثير للقراء، خصوصًا في بلدان لا تمتلك اقتصاديات متقدمة».
وبالنسبة للأجيال الجديدة، قد يكون الاتجاه نحو الرقمي أكثر عملية، أما بالنسبة لي شخصيًا فمن الطبيعي أن أحب استمرار الكتاب الورقي لأنه مرتبط بعملي في الطباعة والورق».


== دار الشروق والرقمنة
== ودار الشروق والتوجه نحو الرقمنة والتحول الرقمي؟


= نحن نحاول وبشدة أن نتطور ونواكب العصر، ونعمل على رقمنة عدد كبير من المحتوى الخاص بنا. والآن أصبح من الضروري أن نغوص أيضًا في عالم الذكاء الاصطناعي، لأن العالم كله يسير في هذا الاتجاه».


==وأيه دور الذكاء الاصطناعي في النشر؟


= نحن نعمل على استكشاف كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في صناعة النشر في مصر والعالم العربي. القطاع يحتاج اليوم إلى ثورة وتجديد، وإلا فلن يستطيع الاستمرار كما هو. الاستمرار بدون تطوير وتجديد سيكون صعبًا للغاية

== وأمتى بدأت دخول عالم النشر والعمل مع الناشر الكبير محمد المعلم؟


أنا كنت طالبًا في كلية الهندسة، واشتغلت في صحيفة الأهرام ثلاث سنوات، لكن والدي كان خائفًا أن أحب الصحافة وأترك الهندسة، فكان يوصي المسؤولين بعدم منحي مرتب. في أول سنة كان راتبي صفر، ثم ارتفع تدريجيًا إلى 4 جنيهات، ثم 8 جنيهات في السنة الثالثة».
وبعد التخرج فوجئت بأن الدكتور عزت سلامة، وزير التربية والتعليم وقتها، اتصل بصديق والدي وقال له إنه يريد خريج هندسة يفهم في النشر والصحافة، ويفضل أن يكون من قسم هندسة الإنتاج، وياريت يكون من تلامذتي، وكان كل هذا يخصني فقط، فلم يكن هناك أحد غيري».
بدأت العمل في مؤسسة تابعة لجامعة الدول العربية تُسمى «المركزية الصناعية للدول العربية» في مجال النشر والإعلام الصناعي. كانت مهمتنا متابعة أحدث الاكتشافات والمخترعات والطرق الحديثة في الصناعة، ونقلها إلى الصانعين العرب في كل الدول العربية. كان عملًا ممتعًا، وراتبي وقتها 60 جنيهًا، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت».


==إيه اللي وداك بيروت عند الوالد؟


=بعد تأميم دار القلم التي كان يملكها والدي الأستاذ محمد المعلم، كان والدي بدأ من الصفر في بيروت، وكل مساعديه السابقين لم يكونوا موجودين. وكنت وقتها أفكر أن أذهب للعمل في ألمانيا أو أمريكا أو إنجلترا، لكن رأيت أنه من واجبي أن أقف بجانبه. ومن هنا بدأت الرحلة التي استمرت حتى اليوم».


== وأيه اللي تعلمته خلال تلك المسيرة الطويلة التي امتدت لنحو 56 أو 57 سنة؟


= الحقيقة أنني كنت محظوظًا لأنني تعاملت مع عدد من عمالقة الفكر والأدب في مصر والعالم العربي، مثل العقاد، ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وحتى الشباب الصاعد وقتها كان قامات مثل مصطفى محمود، ويوسف إدريس، وصلاح عبد الصبور.
كما تعاملت مع الصحفيين مصطفى أمين وعلي أمين ومحمد حسنين هيكل، وجلال الحمامصي، وأنيس منصور، والدكتور الدكتور زكي نجيب محمود وغيرهم. هذا التعامل يمنحك فرصة حقيقية لمشاهدة العباقرة الحقيقيين، الذين يجمعون بين الإبداع، والعلم، والثقافة، والتجديد».

لكن حتى بعد بذل أقصى الجهود لإنتاج أفضل الكتب، يحدث أن يسرب الكتاب أو يسرق، فيحرم المؤلف والناشر من الجهد والسنوات التي بذلوها في هذا العمل.
و العالم العربي كان يضم حوالي 14 دولة، ولكل دولة رقابتها الخاصة، وحتى لو حصلت على موافقة الرقابة، كان من الممكن أن يمنع الكتاب في وقت لاحق أو يتهم صاحبه بأفكار مخالفة.
موسى صبري كتب كتابًا اسمه "50 عاما في قطار الصحافة" واعتُبر فكرًا إسلاميًا ظلاميًا، وغالي شكري كتب "الأقباط في عالم متغير" وواجه نفس الاتهام. حتى كتب توفيق الحكيم، مثل مسرحية "الحمير"، تم منعها في خمس دول عربية.
هذه التحديات توضح أن أي ناشر بمفرده لا يستطيع مواجهة مثل هذه المشكلات، لذا كان من الضروري وجود اتحاد للناشرين لدعم الحقوق وحماية الإبداع.

== وماذا عن الرقابة الذاتية على النشر؟


=لا، الثقافة والنشر إذا كانا قائمين على الرقابة الذاتية فذلك ليس نشرًا حقيقيًا. لم أرفض أي كتاب بشكل رقابي، لكن قد أرفضه إذا كان ضعيفًا أو المعلومات الموجودة فيه غير دقيقة، أو إذا لم يبذل المؤلف الجهد اللازم. أحيانًا يكون الكتاب كويس لكن قواعد اللغة العربية تحتاج إلى تصحيح، وهذا لا يقلل من قيمة العمل الفني.
جاءني مؤلف لديه رواية، لكنه لم يلتزم بقواعد اللغة. نصحته بتصحيحها، وطلب مني مهلة للتفكير لكنه في النهاية رفض وقال: ‘إنه إبداع، ولا يجب لأحد مسه’. ثم قرر طباعة الكتاب على حسابه في مطبعة، وبقيت الأخطاء اللغوية موجودة فيه.

==وايه أعلى الكتب مبيعًا في مسيرة دار الشروق، وعن قصة كتابي «عودة الوعي» لتوفيق الحكيم، والثقافة العربية أسبق من ثقافة اليونان والعبريين لعباس العقاد.


=بالنسبة للتاريخ، عندما كان والدي يدير دار القلم، كان هناك مشروع يُعرف بالمكتبة الثقافية بين دار القلم ووزارة الثقافة. وقرر والدي أن يكون الكتاب الأول للمكتبة للعقاد، نظرًا لأن هناك خلافًا فكريًا كبيرًا في مجمع اللغة العربية بين طه حسين والعقاد. طه حسين كان يرى أن الثقافة اليونانية والعبریة أسبق من الثقافة العربية، بينما كان رأي العقاد أن الثقافة العربية أسبق من الثقافتين اليونانية والعبرية. وكتب العقاد كتابًا حول هذا الموضوع، فقرر والدي أن يبدأ به المكتبة الثقافية نظرًا لأهميته كموضوع خلاف فكري بين قطبين كبيرين.
وكان مقررًا طباعة 40,000 نسخة، وكان عمري حوالي 14 سنة، وكان الجميع يقولون له إن هذه الكمية كبيرة جدًا وأنها لن تُباع، وستظل على الأرصفة. ولكن المفاجأة أن الكتب نفدت سريعًا وحققت نجاحًا كبيرًا.
أما بالنسبة لأعلى كتاب مبيعًا في مسيرة دار الشروق، فكتاب «المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل» لمحمد حسنين هيكل كان الأكثر مبيعًا، ويتكون من ثلاثة أجزاء، بأسعار وقتها 60 و80 جنيهًا، وهي أسعار مرتفعة جدًا في ذلك الوقت. وبعض الدول العربية منعت الكتاب، ليس لمحتواه، بل لأن هيكل شخصيًا كان ممنوعًا من الكتابة هناك. ومع ذلك، حقق الكتاب أعلى توزيع وأكبر عائد لمؤلف، حيث بيعت منه ما بين 400,000 إلى 600,000 نسخة، وهذا رقم لا يمكن تحقيقه في الوقت الحالي.

واليوم أعلى الكتب مبيعًا يحقق نحو 40,000 إلى 60,000 نسخة، مثل أعمال أحمد خالد توفيق، وأحمد مراد، ومحمد طه، وريم بسيوني، ونورا ناجي. هناك من يحققون هذه الأرقام، لكن عادةً على أكثر من طبعة، وليس طبعة واحدة.

==كيف توازن بين الدور التقليدي للناشر الذي يسعى لتحقيق أرباح وتغطية التكاليف، وفي نفس الوقت نشر قيمة حقيقية قد لا تحقق بالضرورة مبيعات كبيرة؟


= صحيح أن هذا تحدٍ صعب، لكن في دار الشروق عادة تفكيرنا يكون واضحًا: نريد القيمة أولًا. القيمة لا تعني بالضرورة أن تكون في برج عاجي، لكن نحرص أن لا نخسر ماليًا أيضًا. هذه هي خبرة الناشر الحقيقية: تحقيق التوازن بين الرسالة والأرباح».
على سبيل المثال، كتبنا أعمالًا لأسماء كبيرة مثل هيكل، وزكي نجيب محمود، وأحمد زويل، وهذه قيمة حقيقية، وحققت مبيعات هائلة. وأيضًا الشباب الذين يبرزون اليوم لديهم قيمة، صحيح أنهم ليسوا بعد على مستوى العمالقة، لأنهم في بداية حياتهم، لكنهم يمثلون المستقبل، ونحن نستثمر فيهم.


==هل تبقوا أصدقاء، هل يجب أن تحب كتابته، أم أنه ليس ضروريًا؟»


=يمكن أن أختلف مع الكاتب، لكن لا يوجد ناشر حقيقي ينشر فقط ما يعجبه وحده.


== مين اللي اختلفت معاه من الكتاب اللي نشرت لهم؟


= لم أختلف مع أفكارهم بل على مستوى العمق والجدية، أو مدى توفر العلم والموضوعية والاجتهاد في عملهم. نحن لا ننشر لمجرد أن أفكاري وحدها صحيحة، وإلا سأكون القارئ الوحيد أيضًا.
منذ أيام والدي، هناك تقليد في دار الشروق بأن الكتاب هم جزءًا من أسرة الشروق، ونحن أسرة واحدة تعمل بتكامل تام. لدينا دائمًا لجنة نشر ومستشارون، لكن مهما فعلت اللجنة، ستجد مواضيع تتجاوز اختصاصها. لذلك غالبية كتابنا هم أنفسهم مستشارون، وهم يشكلون اللجنة الموسعة للناشر، ما يضمن تنوع الرأي والرقابة المهنية المتعمقة.


== والعلاقة مع الأستاذ محمد حسنين هيكل؟


= أول مرة قابلته كنت أعمل في صحيفة الأهرام بالقسم الرياضي، وكان علي حمدي الجمال مدير التحرير. كانت تلك الفترة استعدادات دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو، وكان الأستاذ نجيب المستكاوي سافر. فقال لي علي حمدي الجمال: ‘أي شيء يخص الأولمبياد يأتي مباشرة إليك’. وكنت أنا المسؤول الوحيد عن تغطية الحدث.
في أحد الأيام كان هناك اجتماع الديسك الصباحي، ودخلت لا أدري ما هو المقصود، فتوجهت إلى علي حمدي الجمال لأقدم له المعلومة. لكنه نظر إلي بدهشة ولم يرد، فظننت أنه لم يسمعني، فشرعت في الكلام مرة أخرى. ثم لاحظت شيئًا غريبًا: لم يقل أحد شيئًا، وعندما نظرت وجدت أنني أقف خلف الأستاذ هيكل، وأنني دخلت الاجتماع بطريقة خاطئة وتحدثت، فجعلت الجميع يصمت. عندها أدركت الموقف وخرجت.
لم يعرف بهذا إلا بعد حوالي 20 سنة، حينما نشرنا كتاب مدافع آيات الله للأستاذ هيكل.


== وبدايات النشر؟


=في إحدى المرات ألقى هيكل محاضرة حول الإدارة في الإسكندرية، ووالدي أخبرني بأن الصحف نشرت تفاصيلها. وسألني قرأتها قلت: نعم وإنها ممتازة وجديدة وتحمل أفكارًا مهمة جدًا، فسألني: أنت ناشر أليس كذلك؟، فقلت له نعم. وفهمت المطلوب واتصلت بهيكل ومدحت المقالة وبدأنا نفكر في تحويل المحاضرة إلى كتاب، لكنه قال لي إن الشكل الحالي لن يصلح، فاقترحت عمله على شكل كراسات صغيرة. ووافق، وتم نحو إصدار ست كراسات لاحقًا.
وبعد ذلك لم تكن لديه كتب جديدة، فبدأت أشجعه، إلى أن أطلقنا مشروعًا بعنوان "المقالات اليابانية"، وهي المقالات التي كان ينشرها في إحدى الصحف اليابانية، ثم جاء كتاب أحاديث في العاصفة الذي ضم الأحاديث والمقابلات والآراء التي عبر عنها خلال تلك المرحلة. وبعدها بدأ يستعيد حماسه، وبدأنا في إصدار مجلة الكتب.. وجهات نظر.

==حلم مجلة الكتب وجهات نظر


وكان يجمعني والفنان حلمي التوني حلم مشترك؛ كنا نسافر ونلف العالم، ونحرص على حضور معرض فرانكفورت، وبعدين فوجئنا بأن المثقفين لدينا لم يكونوا على اطلاع كاف بأحدث الأبحاث والنظريات، كما أن المقالات والدراسات الجديدة لا تنشر ولا تترجم.


== ايه أبرز ما يميز محمد حسنين هيكل؟


= أولًا يتمتع بذكاء خارق، مع إتقان وتذوق كاملين للغة العربية. وثانيًا يعمل بجد واجتهاد ودقة، ويمتلك قدرة هائلة على المتابعة، إذ يطلع على كل ما يصدر من كتب وما يستجد من أحداث، ويلم بكافة التفاصيل. ومن الصعب أن نجد شخصًا يضاهيه في هذه القدرة؛ وتختلف معه، فأنا كنت أختلف معه، لكنه دائمًا يستمع ويحترم الرأي الآخر.
كبار الكتاب مثل محمد حسنين هيكل، والدكتور أحمد زكي، وزكي نجيب محمود، وغيرهم من العمالقة، يتعاملون بإيجابية مع أي اقتراح أو ملاحظة، ويستقبلونها بسعادة، لأنهم يدركون أن الناشر هو القارئ والناقد الأول والأحرص على نجاح الكتاب.
وعندما أصدر هيكل كتاب "العروش والجيوش"، كانت مقدمته لا تتجاوز صفحة ونصف. فقلت له: يا أستاذ هيكل، كثير من الأسماء والأحداث غير معروفة لدى الشباب والجيل الجديد، وناقشته في ذلك، فاستمع باهتمام، وفي النهاية تحولت المقدمة إلى 60 صفحة، لضمان أن يفهم القارئ الجديد كل التفاصيل».


==الأديب نجيب محفوظ؟


= كانت هناك صداقة قديمة بينه وبين والدي، كما كانت تجمعه زمالة وصداقة قوية مع خالي، الدكتور محمد عثمان نجاتي، الذي كان زميله في الكلية. وقد عمل الاثنان معًا في مكتب وزير الأوقاف آنذاك، الشيخ مصطفى عبد الرازق، ما أسس لعلاقة ود ممتدة بيننا».
وفي أحد الأيام تحمست وأقنعت والدي بضرورة إصدار كتب لنجيب محفوظ موجهة للأطفال، كما يحدث في العالم كله؛ فلا يوجد كاتب عالمي كبير مثل شكسبير إلا وتقدم أعماله في صيغ مبسطة للأطفال. اطلعنا على نماذج مختلفة، ودرسنا التجارب، ثم توجهنا إليه لعرض الفكرة.

نجيب محفوظ كان متحفظًا في البداية على فكرة تبسيط أعماله للأطفال. كان متهيب جدًا، ويردد: أنا حين أكتب لا أراعي أصول ولا مبادئ الكتابة للطفل، أنا أكتب للكبار. وإذا جرى تبسيط هذه الأعمال فلا بد أن تراعى قواعد ومبادئ كتابة أدب الطفل. وكان يقول لوالدي: أنت المسؤول، لأنه كان خائفًا من أن تخرج التجربة بشكل لا يليق، للدرجة التي جعلت والدي يتولى مهمة التبسيط، ثم اتفقنا معه في النهاية، وكان ذلك قبل حصوله على جائزة نوبل، أصدرنا بالفعل كتب نجيب محفوظ للأطفال، وكان سعيدًا بها جدًا، وبعد ذلك ظلت العلاقة في هذه الحدود».
وقمنا بنشر أحلام فترة النقاهة والتي نشرها في مجلة نصف الدنيا، وكان محفوظ سعيدًا به للغاية.


==التعدي على حقوق الملكية الفكرية


وفي إحدى المرات اتصل بي وقال: عندي مشكلة وأريد أن ألجأ إليك لتنصفني. هناك من يعتدي على حقوقي وأنا ما زلت حيًا. لم أكن أريد نشر كتاب أولاد حارتنا في ذلك الوقت، لكن ثلاثة هناك صحف قررت نشره رغماً عني.
والكتاب كان قد نُشر في الأهرام، لكنه لم يكن يريد تحويله إلى كتاب، خاصة أن الرئيس جمال عبد الناصر أرسل إليه حسن صبري الخولي وطلب منه ألا يصدره في كتاب، وكان حريصًا على الالتزام بهذا الوعد. لكن إحدى الصحف قررت النشر بدعوى أن العمل ملك لهم وليس للمؤلف، ووجدتني سعيد أنه اختارني أنا للوقوف بجانبه رغم أن هناك وزير الثقافة وعدة جهات أخرى كان من الممكن أن يطلب دعمها، فدخلنا في معركة حقيقية دفاعًا عن حقوق الملكية الفكرية، لأن القانون واضح: من حق الكاتب أن يقرر متى يُنشر عمله أو لا يُنشر، وأين يتم نشره.

== عقد المليون جنيهًا بين دار الشروق ونجيب محفوظ؟


= اتصل بي جمال الغيطاني وقال لي إن هناك مشكلة لا بد أن أتدخل لحلها. فقد اكتشف أستاذنا نجيب أنه باع جميع حقوقه الإلكترونية بمبلغ 56 ألف جنيه فقط، وبشكل نهائي وللأبد، ومحتاجين نقنع المؤسسة العربية التي اشترت الحقوق، بالتنازل، وأنا كدار الشروق أقدم له عرض جيد.
في عام 2000 أو 2001، كانت خريطة النشر الإلكتروني لم تعرف بعد. طبعًا نعرف أن النشر الإلكتروني قادم لا محالة، لكننا لم نكن نعرف متى سيأتي أو كيف، وكان تصوري أن هذا هو مستقبل النشر، وأن علينا أن نراهن عليه، ولذلك كان التفكير في تقديم عرض أفضل ضرورة ملحة، وبدأت أنا وجمال الغيطاني ومحمد سلماوي نناقش الأمر.

نجيب محفوظ كان قد حصل على جائزة نوبل، ورغم ذلك تعرض لهجوم في الحقيقة غير موضوعي وغير مبرر، وغير محترم. وكانت قيمة الجائزة وقتها، بحسب السعر الرسمي، نحو 400 ألف جنيه، وبسعر السوق الحرة تقارب 700 ألف جنيه. ومن هنا كان تفكيري واضحًا: أردت أن يحصل نجيب محفوظ من ناشر مصري على حقوق تفوق قيمة جائزة نوبل نفسها، فأعطيته مليون جنيه بالإضافة إلى نسبة من المبيعات لاحقًا.


== والعلاقة مع أحمد كمال أبو المجد؟

= هو أستاذنا جميعًا، وهو حماي ووالد زوجتي أميرة أبو المجد. وعلى المستوى الإنساني، كان أبًا ورجل أسرة من الطراز الأول، كأن حياته كلها اختزلت في دوره كأب ورب عائلة، شديد القرب من أسرته وإخوته.
أما على المستوى المهني، فهو محام دولي ودستوري كبير، يتمتع بمكانة دولية مرموقة، ولا يشق له غبار.
وكمفكر بصفة عامة، ومفكر ديني على وجه الخصوص، كان مفكرًا منفتحًا ومجددًا، ولا يشق له غبار أيضًا. وكان الدكتور حازم الببلاوي يصفه لي مازحًا بقوله: “ده مدفع رشاش بلاغة”، بينما كان أحمد بهجت يقول: الحمد لله إنه لا يكتب رواية ولا مقالات صحفية، وإلا كانت ضاعت علينا.


== والعلاقة الممتدة بالنادي الأهلى إذ شغلت مناصب عديدة، منها أمين الصندوق، ونائب رئيس النادي، ورئيس المكتب التنفيذي، ورئيس اللجنة العليا، وأشياء أخرى. بالإضافة إلى كونك سباح، ومن خلال الرياضة تعرف إلى الكابتن صالح سليم. ونظم احتفالية مئوية النادي، ولعب الأهلي أمام برشلونة ثم ريال مدريد2001؟
= بدأت في نادي هليوليدو الرياضي، حيث كان فريق كرة الماء فيه بطل مصر. وظروف النادي كانت صعبة، لم يكن هناك تمويل لجلب مدرب، فأنتقل فريق هليوليدو كله إلى النادي الأهلي. ولأننا كنا جميعًا نمارس الرياضة كنا كلنا مشجعين للأهلى وحينها تعرفت إلى الكابتن صالح سليم».
التقيت بصالح سليم لأول مرة أثناء عملي في جريدة الأهرام، حين كنت أحاول التواصل مع طارق سليم، فذهبت إلى صالح وهو من أوصلني به، بعد ذلك حدثت مشكلة في النادي الأهلي، وتم ترشيح عدد من الأشخاص، ومن ضمنهم أنا. في البداية شعرت بالتخوف من خوض انتخابات النادي الأهلى، خصوصًا في ظل معركة تأسيس اتحاد الناشرين المصري، وكانت فكرتي عنه مش واضحة ولأن فيلم "الشموع السوداء" كان مؤثر، فقلت سأدخل مجلسًا يترأسه شخص ديكتاتوري، وعلي أن أقرر إما أن أوافق وأشارك، أو أن أرفض وأقع في صراعات وخلافات».
وذهبت إلى الأستاذ نجيب المستكاوي أول رئيس لي، وسألته، فقال صالح سليم ليس له علاقة بالديكتاتورية، هو قوي الشخصية وهو نموذج للديمقراطية، ويحترم المجلس والاختصاصات. وأضاف أن النادي الأهلي قلعة من أهم معاقل الرياضة والوطنية في مصر، وإذا كان في أزمة ونادى على أحد أبناءه فجاهل النداء فهذا ليس خيانة للنادي فحسب، بل خيانة لمصر».
استشرت أيضًا كابتن عبد العزيز الشافعي، وأكد نفس الأمر، فذهبت إلى صالح سليم وقلت له أنا سألت عليك، وبعدها اتصاحبنا ودخلنا المجلس، وكان مجلس من المفترض أن يكون 9 شهور، فظل 12 عامًا.

== مصر قادرة على أن تكون قوة عظمى في الثقافة


رأيي أن مصر قادرة على أن تكون قوة عظمى في الثقافة، فالقوة الناعمة لمصر بالغة الأهمية، وأهم عناصر هذه القوة الناعمة هي الإنسان والثقافة. والدليل على ذلك أن أكبر مورد في الميزانية حاليًا هو تحويلات المصريين في الخارج، ما يؤكد أن الإنسان هو الأساس».
والصناعات الثقافية تمثل نحو 9% من الإنتاج العالمي، وهي في ازدياد مستمر.
ومصر تمتلك تاريخًا عريقًا، وكوادر مؤهلة، وميزات نسبية وقدرات كبيرة. ولذا يجب توسيع هذه الإمكانات من خلال مثلًا إنشاء لجنة عليا ولجان فرعية، لضمان أن تتوهج القدرات البشرية للإنسان المصري، وتنطلق، وتتألق، وتزدهر، ونحميها ونرعاها».


== ومذكرات الدكتور فاروق العقدة؟


= هذه هي أول مذكرات لمحافظ البنك المركزي، وقد بذل فيها جهدًا جبارًا، وكان لديه فريق لمراجعته، والآن انتهت المذكرات، وتبقى مرحلة اعتماده هو وتحديد توقيت نشرها النهائي.

الشروق المصدر: الشروق
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا