بعد أكثر من عقد من الغياب عن الأنظار داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، سلم الفنان اللبناني فضل شاكر نفسه أمس السبت إلى الجيش اللبناني، منهيا فصلا طويلا أثار جدلا واسعا في لبنان والعالم العربي.
ووفق شهود عيان لوكالة رويترز، فإن شاكر "مشى من مخيم عين الحلوة إلى حاجز للجيش قرب الحسبة في صيدا، وكان مرتاحا وغير مضطرب ويتحدث إلى أصحابه بتفاؤل".
وأضاف الشهود أن 3 ضباط من الجيش اللبناني تسلموه تمهيدا لبدء استجوابه لاحقا.
ويأتي هذا التسليم ليعيد قضيته مجددا إلى صدارة المشهدين الإعلامي والسياسي، خاصة أنه وخلال سنوات لجوئه في المخيم لم يتوقف عن نشاطه الفني، حيث أصدر عدة أغانٍ آخرها مثل "كيفك عفراقي" و"أحلى رسمة" التي لاقت صدى واسع بين جمهوره.
وقد أثار تسليم فضل شاكر نفسه موجة واسعة من الجدل في الأوساط اللبنانية والعربية، إذ تصدر وسم #فضل_شاكر منصات التواصل الاجتماعي، وتنوعت ردود الفعل بين مؤيد يرى في خطوته شجاعة وجرأة على المواجهة، ومعارض يعتبرها محاولة متأخرة لتبييض صفحة الماضي.
ورأى كثير من النشطاء أن الفنان فضل شاكر سلم نفسه للدولة اللبنانية ليس لأنه ضعيف، بل لأنه قوي بما يكفي ليواجه، ويعود بفنه وصوته الذي لم يتمكن أحد من إسكاته رغم كل المحاولات.
وأكد الفنان اللبناني صلاح الكردي أنه يعرف شاكر منذ 23 عاما، قائلا: "لم أرَ منه إلا الخير والاحترام، وفي جميع مكالماتي معه طوال هذه السنين لم يتغير موقفه رغم ما يمر به. ما شككت يوما بصدق ما يدعيه فضل، ولم أصدق ما قيل عنه".
وأشار نشطاء آخرون إلى ضرورة دعمه قضائيا وإعلاميا، معتبرين أن قضيته تسلط الضوء على تضارب أحكام العدالة في لبنان، وأن تسليمه نفسه ربما جاء بعد ترتيبات قانونية تمهد لتبرئته.
لما شفت وثائقي #فضل_شاكر وكيف حكى شو صار بالتفاصيل على لسانه، حسيت بالخيبة قديه انظلم كرمال كلمة حق ونصرة للمظلوم ونحن ماقدرنا نساعده!
أضعف الإيمان بعد خبر تسليم نفسه إنه السوريين يدعموه بالكلمة والضغط الإعلامي ودعم المحاميين الموكلين بالدفاع عنه.
فضل شاكر بيستاهل الوفاء مننا. pic.twitter.com/ncELk5DzNc— Maimouna Khotaba (@MaimounahK) October 4, 2025
كما عبر آخرون عن خيبة أملهم بعد مشاهدة وثائقي عن حياته يشرح فيه الظروف الصعبة والملابسات التي مر بها، مؤكدين أهمية دعم الفنان عبر الضغط الإعلامي وتوكيل محامين للدفاع عنه.
وأكد عدد من الصحفيين الذين غطوا أحداث عبرا عام 2013 أن شاكر لم يشارك في القتال ضد الجيش اللبناني وغادر موقع الاشتباكات عند بدايتها.
وقال الصحفي رامز القاضي عبر منصة إكس: "كنت من بين الصحفيين الذين غطوا معركة عبرا، وفضل شاكر لم يطلق أي رصاصة في وجه جنود الجيش. من يعرفه عن قرب يعلم أنه يستحق فرصة ثانية في هذا الشرق الذي غفر لمن خاضوا معارك حقيقية".
وتعود حكاية عبرا إلى 23 يونيو/حزيران 2013، إذ اندلعت اشتباكات دامية بين جماعة أحمد الأسير وجنود الجيش اللبناني، قتل فيها 19 جنديا مقابل 15 من جماعة الأسير، كما اعتقل العشرات منهم.
وفر الأسير واختفى لعامين، قبل أن تتمكن السلطات اللبنانية من اعتقاله أثناء محاولته الخروج من مطار بيروت متنكرا.
للتاريخ ولأكن منصفا" بشهادة حق كوني كنت من بين الصحافيين الذين قمنا بتغطية معركة عبرا فإن فضل شاكر لم يطلق أي رصاصة في وجه جنود الجيش وغادر لحظة بدء الاشتباكات وغير ذلك من يعرف فضل عن قرب يعرف أنه يستحق فرصة ثانية في هذا الشرق الذي غفر لمن أطلق ليس فقط العنان لتصريحات مستفزة بل… https://t.co/LLOyo0eVlU
— رامز القاضي (@ramezelkadi) October 4, 2025
كما تساءل مدونون عن العدالة في لبنان، قائلين: "كيف يمكن أن يُدان شخص ظلما، ولا يُحاسب القاضي الذي أصدر الحكم؟".
لو كان هناك جمهور في لبنان يساءل لطرح موضوع #القضاء في #لبنان، وأحكامه المتضاربة، من دون مسؤوليات واضحة أو نقصان الشفافية
كيف يمكن أن يدان #فضل_شاكر، ويدّعي ظلماً، ثم لا يُؤدّب #القاضي الذي ظلمه؟ بل تؤلّف له تخريجة بعد توليفة للملف
نعرفها هذه القضايا على مستويات مختلفة#فضل_شاكر— tarek kabalan (@kabalanetarek) October 5, 2025
وأشاروا إلى أن تسليم شاكر نفسه ربما تم بعد ترتيب أسباب محتملة لتبرئته، متوقعين أن تكون عودته الفنية قوية بفضل صوته المميز واستعداد بعض الشركات لتقديم عقود فنية كبيرة له.
في المقابل، اعتبر عدد من المدونين أن تمجيد شاكر بشكل مبالغ فيه غير مقبول، مشيرين إلى أن الوطنية في لبنان تتحول أحيانا إلى وجهة نظر طائفية أو شخصية.
وأكدوا أن على كل من تورط في التحريض أو دعم الفتنة أن يُحاسب على أفعاله، مشيرين إلى أن التحريض أخطر من القتل نفسه، وأن من شجع على العنف لا يقل مسؤولية عمن نفذه.
فاجأني في قضية فضل شاكر كيف انساق كثيرون، بينهم إعلاميون وفنانون، للدفاع عنه بذريعة أنه لم يُطلق رصاصة في معركة عبرا.
لا أعرف كيف تأكدوا من ذلك، لكن حتى لو صحّ، أليست الفتنة أشدّ من القتل؟ أليست عقوبة المُحرّض على القتل كعقوبة القاتل نفسه؟فضل شاكر لم يكن متفرجاً. كان شريكاً في…
— رُضوان (@radwanmortada) October 5, 2025
وأضاف المدونون أن شاكر لم يكن متفرجا، بل كان جزءا من الجو الذي مهد لسقوط دماء الجيش اللبناني، إذ لعب دورا فنيا وإعلاميا منح الشيخ المعتقل أحمد الأسير شرعية شعبية وجذب الناس إلى مشروعه.
وشدد آخرون على أن التوبة الحقيقية لا تكون أمام الكاميرات، بل بالاعتراف بالذنب، وإظهار الندم الصادق، وتقديم اعتذار علني لعائلات من تضرروا من تلك الأحداث.
وتساءل مغردون بعد هذه الخطوة إن كان فضل شاكر يفتح صفحة جديدة في مسيرته المليئة بالتقلبات، بين الملاحقات القضائية والنجاحات الفنية.
لعلّ الفنان #فضل_شاكر سلّم نفسه بعد أن استكملت أسباب ترتيب تبرئته ؟ ففي #لبنان ظواهر الأمور دائمًا غير بواطنها. وحين تتم تبرئته لن يكون مستغربًا ان يصبح سريعًا النجم الاول في أكبر المهرجانات وعلى الشاشات ليس لان قضيته غير عادية فحسب ، بل لان صوته استثنائي وثمة من بدأ تحضير…
— sami kleib (@samykleyb) October 5, 2025
وتبقى الأنظار متجهة نحو ما ستؤول إليه قضية فضل شاكر، وسط تساؤلات في الأوساط الفنية والقانونية عن مستقبله، وإمكانية عودته إلى الساحة الفنية بعد سنوات من العزلة والملاحقات.
وكان شاكر (56 عاما) قد أعلن اعتزاله الغناء عام 2012، قبل أن توجه إليه اتهامات بالمشاركة في أحداث عبرا عام 2013. وفي عام 2020، أصدرت المحكمة العسكرية حكما غيابيا بسجنه 22 عاما مع الأشغال الشاقة، ثم برأته في 2018 من بعض التهم المرتبطة بقتل عسكريين وتشكيل عصابة مسلحة.
وطوال سنوات لجوئه في المخيم، ظل شاكر محاطا بالجدل بين مسيرته الفنية وملاحقاته القضائية، مؤكدا في بيانات متكررة براءته من التهم، ومطالبا بتسوية قانونية بعيدة عن الحسابات السياسية. ورغم ذلك، لم يتوقف عن نشاطه الفني، إذ طرح مؤخرا أغاني مثل "كيفك عفراقي" و"أحلى رسمة" التي لاقت صدى واسعا بين جمهوره.
ويأتي تسليم شاكر نفسه بعد تصاعد تهديدات أمنية داخل المخيم وضغوط اجتماعية طالبت بوقف نشاطه الفني، مما دفعه إلى اختيار المسار القانوني عبر القضاء اللبناني.