آخر الأخبار

الهجرة المعاكسة: فرنسيون يغادرون بلادهم بسبب أصولهم الجزائرية

شارك
مصدر الصورة

فرنسيون من أصول جزائرية يهاجرون من فرنسا إلى أمريكا وكندا ودول أوروبا، وبعضهم قرروا الاستقرار في بلاد أجدادهم. إنها ظاهرة "الهجرة المعاكسة". يقولون إنها تتوسع بسبب انتشار العنصرية والكراهية الموجهة ضدهم.

في مطلع عام 2025، أعلن وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، صراحة اعتماد بلاده استراتيجية "توازن القوى" في التعامل مع الجزائر. ومنذ ذلك الحين، لا تكاد العاصفة الدبلوماسية بين البلدين تهدأ لتعود مرة أخرى، أكثر شدة وتعقيداً.

يجمع المراقبون في الجانبين على أن الأزمة الحالية بين باريس والجزائر وصلت إلى درجة غير مسبوقة من التوتر. بدأت بالاتهامات المتبادلة وطرد الدبلوماسيين، وانتهت إلى تعليق باريس العمل باتفاق إعفاء الرسميين من التأشيرة، ثم تنصل الجزائر منه تماماً.

الواقع أن العلاقات بين فرنسا والجزائر لم تكن أبداً مستقرة. فهي متقلبة باستمرار. يحركها مزاج السياسيين تارة، وتداول الحكومات تارة أخرى. والسبب في ذلك الملفات التاريخية العالقة والتعقيدات الاجتماعية والسياسية بين البلدين.

فالمسؤولون الفرنسيون يتهمون الجزائر "بخرق الاتفاقيات"، و"عدم احترام القوانين"، ومحاولة "إذلال" فرنسا. ويتهم الجزائريون من جهتهم فرنسا "بالتنصل من مسؤوليتها"، و"بإهانة" الجزائريين، و"الاعتداء" عليهم، والعمل على "زعزعة استقرار" بلادهم.

"كراهية الأجانب"

مصدر الصورة

بعيداً عن الدبلوماسيين والسياسيين في الجانبين، يواجه المهاجرون الجزائريون في فرنسا والفرنسيون من أصول جزائرية "أزمة مجتمعية" تتفاقم في البلاد منذ سنوات. ويتحدثون عن تصاعد غير مسبوق "للعنصرية وكراهية الأجانب، والجزائريين تحديداً".

ففي سبتمبر أيلول الماضي، عثر المصلون في أحياء، بوسط فرنسا، على 9 رؤوس خنازير أمام أبواب مساجدهم. وفتحت الشرطة تحقيقاً جنائياً في الحادث، الذي وصفته بأنه "تحريض على الكراهية، وتمييز على أساس عرقي أو ديني".

ونددت عمدة باريس، آن هيدالغو، بهذه "الأعمال العنصرية". وعبرت عن تضامنها مع المسلمين في فرنسا. وأعلنت أن مدينة باريس رفعت قضية على المشتبه فيهم أمام العدالة. ولم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض فيها المساجد لمثل هذه الأعمال "العدائية".

وكتب زعيم حزب الاشتراكي، أوليفيي فور، على حسابه بموقع أكس، تعليقاً على الحادث: "بدأ الفاشيون بالتحامل على المهاجرين غير الشرعيين، ثم هاجموا بعدها المهاجرين الموجودين بطريقة قانونية، ثم استهدفوا مزدوجي الجنسية، وهاهم اليوم يهاجمون الفرنسيين المسلمين، في أماكن العبادة".

مصدر الصورة

وعلق منسق حزب "فرنسا الأبية"، مانويل بومبار، قائلاً في منشور على موقع أكس: "معاداة المسلمين سرطان ينخر المجتمع الفرنسي. أعبر عن تضامني مع مواطنينا المسلمين المستهدفين".

وفي أغسطس آب 2024، لقي جمال بن جاب الله، وهو فرنسي من أصول جزائرية، حتفه، قرب مدينة دانكيرك، شمالي فرنسا، عندما دهسه، جيروم ديكوفور، بسيارته مرتين. وكان جمال مربياً يبلغ من العمر 43 سنة. وترك طفلة عمرها 10 سنوات.

أما ديكوفور فينتمي، حسب تحقيقات الشرطة، إلى جماعة يمينية متطرفة، تدعى "الكتبية القومية الفرنسية". وكان يحتفظ في بيته بأسلحة نارية ومواد متفجرة. وسبق أن هدد الضحية، ثلاث مرات، بعبارات عنصرية، ومعادية للأجانب.

وقبلها في شهر مايو أيار من السنة نفسها، أطلق كريستوف بيلجومب، النار على هشام ميراوي، وهو حلاق من أصول تونسية، عمره 45 عاماً، فأرداه قتيلاً. وأصاب في العملية نفسها جاره التركي، عاكف بدور، بجروح خطيرة في يده.

كان هشام أمام بيته، جنوبي فرنسا، يتحدث مع أمه على الهاتف، عندما تعرض لعدة طلقات نارية، فلفظ أنفاسه على الفور. ويعرف كريستوف بانتمائه إلى اليمين المتطرف. ونشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات يتباهى فيها بآرائه العنصرية، ويتوعد من يسميهم بالأجانب بالقتل.

وفي مدينة أليس، جنوبي فرنسا أيضاً، قتل أبو بكر سيسي، وهو شاب من مالي، عمره 22 عاماً، في أبريل نسيان. طعنه أوليفيي أدزوفيتش 57 طعنة بالخنجر في قاعة الصلاة، داخل مسجد خديجة في منطقة لوغرون كوم. وبعد ثلاثة أيام سلم نفسه للشرطة في إيطاليا.

ووصف مراد بطيخ، محامي عائلة سيسي القتل بأنه "عمل إرهابي". ودعا إلى "حماية المسلمين في فرنسا، ومعاملتهم مثلما يعامل غيرهم من الفرنسيين".

"تمجيد هتلر"

وفي أغسطس آب 2015 فتحت السلطات القضائية الفرنسية تحقيقا في تصريحات نشرتها مجموعة على موقع فيسبوك مقربة من اليمين المتطرف، ينتمي إليها 9 نواب من حزب التجمع الوطني، بزعامة مارين لوبان وجوردان بارديلا. وتحرض المنشورات بالكراهية على العرب واليهود، وتمجد زعيم النازية أدولف هتلر.

ومما جاء في هذه المنشورات "أُطردوا العرب"، و"فرنسا يقودها اليهود"، و"نحن بحاجة إلى رجل له شوارب صغيرة". "المعذرة نسيت اسمه". "فرنسا بقيادة جوردان بارديلا". وكان حزب التجمع الوطني طلب من نوابه الانسحاب من المجموعة التي نشرت هذه التصريحات.

وسجلت فرنسا في 2024، وفق الإحصائيات الحكومية، 9350 جريمة دوافعها العنصرية أو معاداة الأجانب أو الكراهية الدينية. وهو ارتفاع بنسبة 11 في المئة مقارنة بالسنة التي قبلها.

"الجزائريون تحديداً"

مصدر الصورة

يعتقد الجزائريون المقيمون في فرنسا والفرنسيون من أصول جزائرية أنهم أصبحوا هدفاً رئيسياً "للحملات العنصرية"، التي يقودها اليمين المتطرف، و"لخطاب الكراهية والتحريض" في وسائل الإعلام، فضلاً عن "الاعتداءات"، التي يتعرض لها الأجانب في البلاد.

وتلقت النائبة الفرنسية عن حزب البيئة، صابرينة صبايحي، يوم 11 مارس أذار الماضي سلسلة من التهديدات بالقتل، بعد انتقادها لتصريحات وزير الداخلية، برونو روتايو، بخصوص الأزمة مع الجزائر، واستجوابها لوزير الخارجية بشأن موقف فرنسا من الحرب في غزة.

وقالت صابرينة، وهي نائبة في البرلمان الفرنسي من أصول جزائرية، إنها بعد 24 ساعة من توليها منصب نائبة رئيس لجنة الصداقة الجزائرية الفرنسية في البرلمان في مارس أذار تلقت 1000 رسالة بين التهديد بالقتل والإهانة.

ويندد النائب الأوروبي السابق، كريم زريبي، بما يسمه "هوس السياسيين الفرنسيين بالإسلام والجزائر". ويقول إن بعضهم "يجدون متعة في التطرق إلى مسائل الحجاب واللحم الحلال، ومنع الحديث بالعربية في المؤسسات الحكومية". ويغفلون المشاكل الحقيقية في المجتمع.

ويتهم زريبي في أحاديثه لوسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وزير الداخلية، برونو روتايو، "بإثارة الأزمة مع الجزائر"، و"استغلال هذا الخلاف لأغراض سياسية شخصية". ويدعوه إلى "الاهتمام بالأمن في فرنسا بدل الإنشغال بالجزائر".

تهديد بالقتل بسبب الكسكس

وبلغ عمدة مرسيليا، بونوا بايون، يوم 10 سبتمبر أيلول الماضي، عن تهديدات بالقتل تلقاها، بعدما نشر صور فيديو يظهر فيها وهو يتناول الكسكس في مهرجان للطبخ المغاربي بالمدينة. ووصفته رسائل التهديد، وعددها 25 رسالة، بأنه "أحمق وعميل للإخوان المسلمين".

يتحدث المهاجرون الجزائريون والفرنسيون من أصول جزائرية عن مناخ من الكراهية والعنصرية يعيشون فيه. يتفاقم هذا المناخ من سنة لأخرى. ويدفع بعضهم إلى مغادرة فرنسا، إما إلى الجزائر أو إلى بلدان أخرى يجدون فيها ظروفا اجتماعية ونفسية أفضل.

الهجرة من فرنسا

منذ سنتين انتقلت سكينة، وهي خبيرة في المحاسبة والمالية، من فرنسا إلى بريطانيا. ولدت سكينة في ضواحي باريس. هاجرت عائلتها من الجزائر في الثمانينات. وهي اليوم في منتصف الثلاثينات من العمر تعمل وتعيش في لندن.

تقول إنها لم تغادر بلدها "بحثا عن العمل، أو من أجل تحسين ظروف المعيشة"، بل هرباً من الضغط النفسي ومن "العنصرية والكراهية".

"كنت موظفة في مصرف كبير في باريس. أتقاضى راتباً محترماً. ولكن حياتي تحولت إلى جحيم. ضغط نفسي رهيب في كل مكان. في الشارع، في مكان العمل، في وسائل الإعلام. لا حديث إلا عن المهاجرين والمسلمين والجزائريين تحديداً".

ياسين من الذين يعرفون بالمهاجرين من الجيل الثالث. فهو مولود في فرنسا وأبوه أيضاً مولود فيها في الخمسينات. ومع ذلك "يقولون عني مهاجر". يرى أنه هذه التسمية "سخيفة وعنصرية". فهو لم يهاجر إلى فرنسا، ولا أبوه. فكيف "يسمونني مهاجراً"؟

ولا تطلق هذه التسمية اجتماعياً على أبناء المهاجرين الأوروبيين، من البرتغاليين، والبولنديين، والإسبان والإيطاليين المولودين في فرنسا. بل تخص العرب والأفارقة، الذين يبقون، حسب ياسين مهاجرين مدى الحياة، ولو كانوا من الجيل الثالث أو الرابع.

"أنت جزائري، أنت مشبوه"

كان ياسين، البالغ من العمر 35 سنة، ينتقل بين فرنسا وبلجيكا بحكم عمله في شركة دولية للتسويق الرقمي. ولكنه قرر الاستقرار نهائياً في بلجيكا، لأنه وجد حرية أكثر هناك. الطبقة السياسية ووسائل الإعلام، على حد تعبيره، "ليس لها هوس بالجزائر والجزائريين، مثلما في فرنسا".

مصدر الصورة

يقول: "في فرنسا أنت مشبوه لمجرد أنك جزائري. لون بشرتك، اسمك، لباسك، عقيدتك، قناعاتك، كلها عوائق تحول دون وصولك إلى أهدافك في الحياة". ويضيف أنه لا يعامل على أنه "فرنسي كامل" إلا عندما يكون خارج فرنسا. ولذلك قرر الاستقرار نهائيا في بلجيكا.

من جنوب فرنسا الدافئ، حيث ولدت ونشأت وتعلمت، شدت تسعديت، العام الماضي، الرحال إلى صقيع كندا، لتستقر هناك نهائياً. تقول إنها لم تتردد لحظة واحدة عندما أتيحت لها الفرصة. "كنت في الجامعة عندما ترسخت فكرة الهجرة في ذهني".

تعمل تسعديت، البالغة من العمر 24 عاماً، قابلة في أحد مستشفيات تورنتو. حرصت على تعلم الانجليزية في الجامعة. وساعدها أحد أقاربها في البحث عن الوظيفة. تقول إنها مرتاحة في كندا خاصة من الناحية النفسية.

"في كندا لا أحد ينزعج من الخمار الذي أغطي به شعري. ولا يقضي السياسيون وقتهم في مناقشة حظر ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة، ومنع الأطفال في المدارس من تناول الوجبات الحلال. في كندا أنا فرنسية. أما في فرنسا فأنا من أصول جزائرية".

الكثير من الفرنسيين من أصول عربية وأفريقية، وعلى رأسهم الجزائريون غادروا البلاد أو يفكرون في الهجرة إلى بلاد أخرى. والسبب تصاعد خطاب العداء للأجانب في وسائل الإعلام، وتزايد جرائم العنصرية، وتوسع التمييز ضد المسلمين في السنوات الأخيرة.

ويرى المراقبون للشأن الفرنسي أن المشهد السياسي في البلاد مال فعلاً إلى اليمين. فأصبحت الأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل التجمع الوطني بزعامة، مارين لوبان، كتلة برلمانية رئيسية مؤثرة في صناعة القرار وصياغة السياسات العامة.

ويعتقد الجزائريون أن الأحزاب اليمينية هي التي تشن حملة تحريض وكراهية على الجزائريين. والهدف منها كسب أصوات المتطرفين في الإنتخابات الرئاسية لعام 2027. ويشيرون إلى وزير الداخلية، برونو روتايو، على أنه قائد هذه الحملة.

وتسميه وسائل الإعلام الجزائرية "وزير الكراهية"، بسبب تصريحاته "العدائية" المتكررة عن الجزائر والجزائريين. ويتهمه خصومه السياسيون في فرنسا بتأجيج الخلاف بين البلدين. ويرون أنه يستغل الأزمة الدبلوماسية لتحقيق مكاسب سياسية شخصية.

ويتزعم روتايو حزب "الجمهوريون" اليميني. ويسعى إلى كسب أصوات اليمين المتطرف لدعم ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، في 2027. وأفضل طريقة تجعله يحقق أهدافه الانتخابية هي إعلان "الحرب" على المهاجرين، والجزائريين تحديدا.

ما أسباب الخلاف؟

وصلت العلاقات بين فرنسا والجزائر إلى أدنى مستوياتها منذ عقود. وليس هناك أي مؤشر على تحسنها في المستقبل القريب على الأقل. وما يعقد مهمة التخفيف من حدة التوتر بين البلدين هو الأزمة السياسية العميقة، التي تمر بها فرنسا، منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة.

عرفت فرنسا 5 رؤساء حكومات منذ إعادة انتخاب، إيمانيول ماكرون، لفترة رئاسية ثانية. أولهم أليزابيت بورن، ثم غابريال أتال، وميشال بارنيي، وبعده فرانسوا بايرو، ثم سيباستيان لوكورني. كلهم فشلوا في كسب تأييد برلمان مفتت سياسيا.

ولا يتوقع أن تصمد حكومة لوكورني الجديدة أمام الاحتجاجات والغضب الشعبي المتزايد من سياسات ماكرون الاقتصادية. وتطالب تيارات سياسية قوية بحل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية. وتدفع أخرى نحو إجبار ماكرون على الاستقالة، وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة.

الخلافات السياسية بين فرنسا والجزائر كثيرة، وتعود إلى سنين طويلة. ولكن يمكن إجمال أسباب الأزمة الدبلوماسية الأخيرة في ثلاث قضايا رئيسية:

الصحراء الغربية

كان أعلان الرئيس، إيمانويل ماكرون، في يوليو تموز 2024، اعتراف بلاده "بسيادة المغرب" على الصحراء الغربية عاملاً في تفجير الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، ولكنه لم يكن السبب الوحيد. كما أن الجزائر كانت تتوقع خطوة باريس منذ فترة طويلة.

الصحراء الغربية مستعمرة إسبانية سابقة، أدرجتها الأمم المتحدة، منذ 1963، ضمن مجموعة من الأقاليم "غير المتمتعة بالحكم الذاتي". ولا تزال، منذ 1975 إلى اليوم، إقليما متنازعاً عليه، بين المغرب والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، بوليساريو.

وتدعم الجزائر مطالب جبهة بوليساريو، وتعترف بدولة الجمهورية العربية الصحراوية الديقمراطية، التي أعلنتها في فبراير شباط 1976، على الأراضي الصحراوية. ويسيطر المغرب على 80 في المئة من الإقليم، ويدعي السيادة عليه كاملاً.

الهجرة غير الشرعية

اتهم روتايو السلطات الجزائرية "بعدم احترام القانون"، و"بإذلال" فرنسا، لأنها رفضت استلام مواطنيها المرحلين. ويطالب الجزائريون فرنسا بالتخلي عن أسلوب "التهديد والوعيد"، وعن لغة "الإملاءات" في التعامل مع الجزائر.

ويتهمون بدورهم المسؤولين الفرنسيين، في اليمين واليمين المتطرف، مثل روتايو، "بالحنين إلى الاستعمار"، ومعاملة الجزائريين "بالتمييز والعنصرية". وتتمسك السلطات الجزائرية بمواقفها بخصوص المهاجرين، وتؤكد أنها "ملتزمة بالقوانين والاتفاقيات".

التاريخ الاستعماري

تعرضت الجزائر للاستعمار الفرنسي 132 عاماً. وخاضت حرباً استمرت أكثر من 7 سنوات لطرد المحتلين، قتل فيها 1.5 مليون جزائري، و25 ألف فرنسي. ولكن فرنسا لم تعترف رسميا "بحرب الجزائر" إلا يوم 18 أكتوبر تشرين الأول 1999.

وكانت الدولة الفرنسية، على امتداد عقود من الزمن، تسمي عمليات جيوشها البرية والبحرية والجوية في الجزائر، من 1954 إلى 1962، "عمليات حفظ النظام". أما الجزائريون فيطالبون فرنسا "ليس بالاعتراف فحسب بل بالاعتذار والتعويض".

"6 ملايين جزائري في فرنسا"

من المعلومات الرائجة، التي يرددها اليمين المتطرف، في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أن عدد المهاجرين الجزائريين في فرنسا يصل إلى 6 ملايين شخص. وهذا في الواقع رقم غير دقيق، وهو أبعد ما يكون عن الحقيقة.

فأرقام المعهد الفرنسي للإحصاء تبين أن عدد المهاجرين المقيمين في فرنسا من جميع الجنسيات بلغ 7،3 مليون شخص في عام 2023. حصل 2،5 مليون منهم على الجنسية الفرنسية. وبقي عدد الأجانب الذين يحملون جنسيات أجنبية في فرنسا 4،8 مليون شخص.

ويوضح المعهد أن 47،7 في المئة من المهاجرين في فرنسا جاءوا من أفريقيا. و32،3 في المئة من الدول الأوروبية. ويشكل الجزائريون نسبة 12،2 في المئة من المهاجرين. بينما جاءت نسبة 11،7 في المئة من المغرب، و7،9 في المئة من البرتغال. ثم تونس بنسبة 4،8 في المئة.

من أين جاء رقم 6 ملايين؟

المغالطة الأولى في تعريف المهاجر. وهو عند خبراء الإحصاء الفرنسيين كل شخص مولود في بلد أجنبي لأبوين أجنبيين. وعليه فإن المولودين في فرنسا من أصول أجنبية لا يمكن اعتبارهم مهاجرين. وأشهر أفراد هذه الفئة الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، المولود لأبوين من المجر.

أما أصل رقم 6 ملايين فيعود إلى تقديرات ذكرها مؤرخون وباحثون في تاريخ الاستعمار الفرنسي في الجزائر. تقول هذه التقديرات إن عدد الأشخاص، الذين يعيشون في فرنسا اليوم، ولهم ارتباطات تاريخية بالجزائر قد يصل إلى 6 ملايين أو يزيد قليلاً.

ويشمل هذا التوصيف المهاجرين، والفرنسيين من أصول جزائرية، والفرنسيين المدنيين الذين غادروا الجزائر بخروج الاستعمار الفرنسي، ويعرفون باسم الأقدام السوداء، والجنود الفرنسيين الذين عملوا في الجزائر، والجزائريين، الذين تعاونوا مع الاستعمار، ويعرفون باسم الحركى.

ماذا يقول اليمين المتطرف عن الجزائر والجزائريين؟

أشهر زعماء اليمين المتطرف في فرنسا هو جون ماري لوبان، مؤسس حزب الجبهة الوطنية، الذي تحول على يد ابنته، مارين لوبان، إلى حزب التجمع الوطني. وهو من ضباط الجيش الفرنسي، الذين مارسوا التعذيب على الجزائريين أثناء حرب التحرير.

وكان جون ماري لوبان لعقود من الزمن، خلال مسيرته السياسية، في خطاباته وتصريحاته الإعلامية يقلل من "جرائم النازية". ويعرف بمقولة وصف فيها محرقة اليهود، في الحرب العالمية الثانية، بأنها "تفصيل غير مهم" في التاريخ.

وتتهم مارين لوبان، الرئيس ماكرون "بالركوع" للجزائر. وتتعهد بالصرامة والقوة في التعامل مع "النظام الجزائري". وتقول إنها ستفرض إجراءات ضريبية على الجزائر لإرغامها على استقبال المهاجرين المرحلين، مثلما فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع كولومبيا.

ومن السياسيين الفرنسيين الأكثر "عدائية" في تصريحاته عن الجزائر والجزائريين، نجد المرشح الرئاسي إيريك زمور، رئيس حزب "الاستعادة". وهو من عائلة يهودية من بربر الجزائر. هاجرت إلى فرنسا في 1952. وكلمة زمور تعني الزيتون بلغة البربر.

وكتب زمور على موقع أكس، رداً على النائبة الفرنسية الفلسطينية ريما حسن، التي تحدث عن "جرائم الاستعمار الفرنسي" في الجزائر، قائلاً: " ريما حسن لا تعرف شيئاً عن التاريخ. الجزائر لم تكن أبداً أمة. ولم تكن أبداً شعباً. ولم تكن أبداً دولة. ولم تكن لها أبداً سيادة".

وفي 2022، أدانته محكمة فرنسية بالتحريض على الكراهية، وفرضت عليه غرامة مالية قدرها 10 آلاف يورو. وتعود الوقائع إلى تعليق وصف فيه الأطفال المهاجرين العرب والمسلمين بأنهم مجرمون ومغتصبون وقتلة. ودعا إلى ترحيلهم من فرنسا.

وتعهد زمور في حملته للانتخابات الرئاسية بمنع الفرنسيين من أصول عربية من تسمية أبنائهم بأسماء عربية أو إسلامية. وانتقد وزيرة الثقافة، رشيدة داتي، لأنها سمت ابنتها زهرة. وقال إنه سيعيد العمل بقانون 1803 الذي يمنع تسجيل المواليد بأسماء غير فرنسية.

ورداً على هذه التصريحات المثيرة للجدل، تحدث العديد من السياسيين والمثقفين الفرنسيين في اليسار واليمين عن ارتباطهم الاجتماعي أو العائلي بالجزائر. واعتبروا خطابات زمور "تحريضاً على الكراهية والعنصرية" ضد العرب والجزائريين تحديداً.

وكشف وزير العدل، جيرالد دارمنان، أن اسمه الكامل هو جيرالد موسى دارمنان، وأن أمه سمته على جده الجزائري، موسى وكيد، أحد أبطال المقاومة الفرنسية، في الحرب العالمية الثانية. وقال إنه يتباهى بأن له خالة اسمها سعدة.

ويفتخر وزير الاقتصاد السابق، أرنو مونتبور، في كل مناسبة، بأن جده لأمه عربي من غرب الجزائر، اسمه كرميش ولد القاضي. وأنه كان يتكلم العربية في بيته. ويقول مونتبور إنه يعتز اعتزاز كبيرًا باسم أمه ليلى ولد القاضي.

"كراهية الجزائر ريع انتخابي"

اتهم وزير الداخلية برونو روتايو أكثر من مرة السلطات الجزائرية "بعدم احترام القانون" و"بإذلال" فرنسا لأنها ترفض استقبال مواطنيها المرحلين بسبب إقامتهم غير الشرعية في فرنسا. ودعا حكومته إلى تصعيد موقفها تجاه الجزائر لهذا السبب.

وبدوره أعطى رئيس الحكومة السابق، فرانسوا بايرو، في فبراير شباط مهلة للجزائر لاستقبال عدد من المهاجرين غير الشرعيين، وإلا فإن فرنسا "ستُعيد النظر" في اتفاق 1968، الذي ينظم هجرة الجزائريين إلى فرنسا والإقامة فيها.

وعلق عضو مجلس الشيوخ الفرنسي، عن الحزب الشيوعي، إيان بروسا، على تصريحات روتايو وبايرو في تدخل بالمجلس قائلا: "أصبحت كراهية الجزائر والجزائريين ريعاً انتخابياً يستغله المسؤولون السياسيون الفاشلون في إقناع الناس بأفكارهم".

هل ترفض الجزائر استقبال مواطنيها؟

يتعلق الأمر بالمهاجرين غير الشرعيين، الذين صدر في حقهم إلزام بمغادرة التراب الفرنسي. تجبرهم السلطات الفرنسية على ركوب الطائرة باتجاه الجزائر، بعد التحقق من هوياتهم. وإذا لم يكن معهم جواز سفر، فيحتاجون إلى ترخيص قنصلي للمغادرة.

الواقع أن عملية ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى الجزائر لم تتوقف تماماً. فأرقام الحكومة الفرنسية تقول إنها في عام 2024 رحلت 2500 مهاجر غير شرعي إلى الجزائر. وبلغت الترحيلات إلى الجزائر 2562 شخصاً، في عام 2023.

وبذلك تكون الجزائر استقبلت عدداً أكبر من المهاجرين المرحلين، مقارنة بالمغرب، الذي استقبل في الفترة نفسها 1104 مهاجرين غير شرعيين. أما تونس فاستقبلت 887 مهاجراً غير شرعي، صدر في حقه إلزام بمغادرة التراب الفرنسي.

ولكن المسؤولين الجزائريين يقولون إنهم لا يتعاونون مع السلطات الفرنسية في فئات معينة تحتوي عليها قوائم الترحيل التي تعرض عليهم. وحجتهم في ذلك أن الجزائر "لا تريد استقبال أشخاص لهم سوابق إجرامية خطيرة أو مدانين بأعمال إرهابية".

والفئة الثانية، التي ترفض الجزائر تماماً منحها تراخيص لدخول البلاد، تشمل مزدوجي الجنسية، الذين سحبت منهم فرنسا جنسيتها بهدف ترحيلهم إلى الجزائر. وهذه بالنسبة للجزائريين "حيلة" تستعملها فرنسا "للتخلص من المجرمين الخطيرين والمدانين بالإرهاب".

ويرى المسؤولون الجزائريون أن هؤلاء الأشخاص " بلادهم فرنسا. نشأوا فيها. وانحرفوا فيها، ولا علاقة لهم بالجزائر. لا يتحدثون لغتها، ولا يعرفون عادات أهلها. وبعضهم لم يزرها في حياته كلها". وعليه "لا يمكن أن تستقبلهم وتتحمل أعمالهم بعدما تخلت عنهم بلادهم".

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا