آخر الأخبار

كينيا عاصمة السفاري.. حين تتنفس الأرض برّية الحياة

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في قلب شرق أفريقيا، حيث تتماوج السهول وتتناثر الأشجار كأنها نقاط في لوحة واسعة، يكتشف الزائر إلى كينيا أن كلمة "سفاري" ليست مجرد رحلة، بل تجربة حياة كاملة. فالسفاري هنا ليست نشاطًا سياحيًا عابرًا، بل لقاء مباشرًا بالبرية التي تتنفس بكل ما فيها من حيوانات وأساطير وأصوات الطبيعة.

السفاري في كينيا تتخذ وجهين؛ وجه مفتوح بلا حدود، حيث تتحرك الحيوانات بحرية في البراري الواسعة، ووجه آخر مغلق داخل محميات محمية بعناية، تُتيح للزوار الاقتراب من الكائنات المهددة وإعادة اكتشاف قيمة الحماية.

بين الانفتاح والحذر، تصوغ كينيا معادلة فريدة تُوازن بين حماية الطبيعة وجذب ملايين السياح كل عام.

مصدر الصورة رحلة سفاري في محمية ماساي مارا (غيتي)

سفاري مفتوحة.. حين تنصت للطبيعة بلا حدود

تتميز كينيا بمتنزهات طبيعية مفتوحة، هي الأكبر والأشهر في أفريقيا . متنزه "ماساي مارا" مثلًا، أشبه بمسرح طبيعي هائل، حيث تتحرك الحيوانات بلا أسوار، وتعيش في دورة حياة لا تعرف القيود.

هناك يتابع الزائر الهجرة الكبرى للحيوانات البرية، حين تعبر ملايين قطعان حمار الوحشي والغزلان نهر مارا نحو سهول سيرينغيتي المجاورة، مطاردةً الحشائش الخضراء، بينما يترصدها التمساح في الماء والأسود على اليابسة.

وفي أمبوسيلي، تتكامل الصورة حين يطل جبل كليمنجارو من خلف السهول، وتشتهر الحديقة بوجود قطعان ضخمة من الأفيال الأفريقية.

هذه السفاري المفتوحة تتيح للزائر أن يكون جزءًا من المشهد، يسمع صرير الأعشاب تحت وقع أقدام الأفيال، ويرى الغبار يتطاير من خلف قطعان الغزلان، ويشعر أن الحياة البرية لا تزال على فطرتها الأولى.

مصدر الصورة مئات آلاف طيور الفلامنغو الملونة تجعل المشهد لوحة طبيعية متحركة (موقع بحيرة ناكورو)

سفاري مغلقة.. حماية للحياة البرية

لكن كينيا لا تكتفي بفتح بواباتها على اتساعها. فهي تدرك أن بعض الكائنات تقف على حافة الخطر، لذلك أنشأت مراكز متخصصة تُعيد للحيوانات الأمل. في مركز "ديفيد شيلدريك" للأفيال الصغيرة، تجد الأفيال اليتيمة مأوى دافئًا، تُغذى بالرضاعات الكبيرة وتُدرَّب حتى تعود قادرة على مواجهة البرية.

إعلان

أما في مركز الزرافات في نيروبي ، فيمكن للزائر أن يمد يده مباشرة لإطعام زرافة، ويلتقط صورة معها، في تجربة تمزج بين المتعة والتوعية.

مصدر الصورة يمكن لزائر حديقة نيروبي الوطنية أن يطعم مباشرة زرافة (الجزيرة)

وتُعد حديقة نيروبي الوطنية، مثالا فريدا لحديقة محمية تحيط بها المدينة، حيث يمكن للزائر أن يرى وحيد القرن والأسود على بُعد دقائق فقط من ناطحات السحاب. إنها سفاري مغلقة بمعايير الحماية، لكنها مفتوحة بما يكفي لتمنح الناس فرصة نادرة لمعايشة البرية وسط صخب العاصمة.

وعلى بعد ساعات قليلة، تفتح بحيرة ناكورو ذراعيها للفلامينغو الوردي الذي يكسو سطحها. مئات الآلاف من الطيور الملونة تجعل المشهد لوحة طبيعية متحركة، تظل محفورة في ذاكرة كل من يراها.

مصدر الصورة الإقبال الكبير على رحلات السفاري جعلها مصدر دخل مهم لكينيا (الجزيرة)

أرقام تكشف الأهمية

وراء المشاهد الساحرة، تكمن أرقام تؤكد أن السفاري ليست ترفًا، بل اقتصاد قائم بذاته. في العام الأخير، استقبلت كينيا نحو 3.7 ملايين زائر في متنزهاتها ومحمياتها.

وحدها ماساي مارا جذبت ما يزيد على 300 ألف سائح، ووفرت أكثر من 2.5 مليار شلن كيني من الإيرادات (الدولار يساوي نحو 129 شلن كيني). أما أمبوسيلي فقد سجّل نحو 266 ألف زائر، في حين بلغ عدد زوار متنزه نيروبي الوطني أكثر من 430 ألفًا، ليصبح من أكثر الحدائق استقطابًا.

هذه الأرقام تكشف حجم الرهان الكيني على السياحة البيئية، لكنها أيضًا تضع أمامها تحديات كبيرة: كيف تحافظ على التجربة نقية في مواجهة الاكتظاظ، وكيف تحمي الحيوانات من الضغط المتزايد للزوار والسيارات التي تملأ السهول؟

مصدر الصورة زائر حديقة نيروبي الوطنية يشاهد الفهد وغيره من الحيوانات (الجزيرة)

بين الاكتظاظ والاستدامة

في موسم الهجرة الكبرى، تتحول طرقات ماساي مارا إلى طوابير طويلة من سيارات السفاري، كل منها يلاحق مشهدًا قد لا يتكرر.

وبينما ينشغل الزوار بالتصوير، تتأثر الحيوانات بالضجيج والقرب المفرط. لهذا بدأت السلطات الكينية التفكير في فرض حد أقصى لعدد الزوار في بعض المتنزهات، مع تطبيق أنظمة حجز إلكترونية تُنظم الدخول وتوزع الزيارات عبر الموسم.

التوازن هنا ليس سهلًا: السياحة تمثل مصدر دخل رئيسي للدولة وللمجتمعات المحلية، لكنها إن لم تُدر بعناية قد تتحول إلى عبء على البيئة. ومن ثمّ، فإن المستقبل مرهون بقدرة كينيا على جعل سفاريها مستدامة، تُحافظ على البرية وتُلهم الزوار في آن واحد.

يجمع عالم السفاري الكيني بين وجهين: المغامرة الحرة في المساحات المفتوحة، والتجربة التفاعلية داخل المحميات المغلقة. كلتاهما تعكس فلسفة عميقة في علاقة الكينيين بالطبيعة: المحافظة على البرية لتبقى حية للأجيال القادمة، وإتاحة فرصة التماس المباشر للزائر مع هذا الكنز الطبيعي.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا