آخر الأخبار

كيف تحوّلت جمجمة كرتونية إلى رمز للتحدّي في إندونيسيا؟

شارك
مصدر الصورة

في مسلسل الأنمي، أو الرسوم المتحركة اليابانية، الشهير "ون بيس"، يرفع قراصنة مشاكسون أعلاماً سوداء تحمل جمجمة تعتمر قبعة قش، في مسعاهم لمواجهة نظام قمعي والنضال من أجل الحرية.

لكن في يوليو/تموز، بدأت هذه الرموز بالظهور في أنحاء إندونيسيا – عند مداخل البيوت، وعلى ظهر السيارات، وعلى الجدران.

بالنسبة لكثيرين، جاءت هذه الخطوة كرد على دعوة الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو المواطنين إلى رفع علم البلاد الأحمر والأبيض قبيل عيد الاستقلال في 17 أغسطس/آب.

بعض الإندونيسيين اختاروا بدلاً من ذلك رفع أعلام القراصنة، المعروفة باسم "جولي روجر" الاسم التقليدي لعلم القراصنة الأسود الذي يحمل جمجمة وعظمتين متقاطعتين، كرمز لسخطهم، منتقدين ما يقولون إنه تزايد في مركزية الحكم بقيادة برابوو.

غير أن هذه الحركة لم تلقَ استحسان الجميع. إذ انتقد نائب رئيس مجلس النواب الإندونيسي في الأسبوع الماضي رفع هذه الأعلام، واصفاً ذلك بأنه "محاولة لشق صف الأمة". بينما ذهب مشرع آخر إلى حد وصفها بالخيانة.

نُشر "ون بيس" لأول مرة عام 1997 كـ مانغا، -القصص المصوّرة اليابانية-، من تأليف إييتشيرو أودا، ويُعد من أشهر الأعمال الفنية في العالم. وبيعت منه أكثر من 520 مليون نسخة، فيما تجاوز عدد حلقات المسلسل التلفزيوني 1,100 حلقة.

وللمسلسل قاعدة جماهيرية واسعة ومخلصة في إندونيسيا، إذ تحظى الأنمي اليابانية بشعبية كبيرة.

وكما يرفع القراصنة في المسلسل، بقيادة مونكي دي. لوفي (وهو شخصية خيالية وبطل "ون بيس"، ويقود طاقم القراصنة)، أعلام "جولي روجر" كرمز للحرية في مواجهة حكومتهم، يقول بعض الإندونيسيين إن رفعهم لهذه الأعلام هو "رمز لحبنا لهذا الوطن، رغم أننا لا نتفق كلياً مع سياساته".

وقال علي مولانا، من سكان مدينة جايابورا في إقليم بابوا، إن الأنمي يعكس الظلم وانعدام المساواة الذي يعيشه كثير من الإندونيسيين.

وأضاف لبي بي سي "رغم أن البلاد مستقلة رسمياً، إلا أن كثيراً منا لم يختبر الحرية الحقيقية في حياته اليومية".

وبالنسبة له ولغيره، كان قرار رفع العلم رداً مباشراً على خطاب للرئيس برابوو في أواخر يوليو/تموز.

وقال برابوو في خطابه: "ارفعوا العلم الأحمر والأبيض حيثما كنتم. الأحمر يرمز إلى الدماء التي أُريقت من أجل استقلالنا، والأبيض يرمز إلى نقاء أرواحنا".

وقال ديندي كريستانتو، صاحب متجر "ويك ويك" للملابس في جاوة الوسطى، إنه تلقى "آلاف الطلبات" لهذه الأعلام بعد خطاب الرئيس.

وأضاف لصحيفة "جاكرتا بوست"، وهي صحيفة إندونيسية تصدر باللغة الإنجليزية: "منذ نهاية يوليو/تموز، بدأت أتلقى مئات الطلبات يومياً من مختلف أنحاء إندونيسيا".

لكن بعض كبار المسؤولين أبدوا انزعاجهم من الأمر.

وصف نائب رئيس مجلس النواب، سوفمي داسكو أحمد، المعروف على نطاق واسع بأنه الذراع اليمنى لبرابوو، الحركة بأنها "محاولة منسّقة لشق صف الأمة".

وقال الأسبوع الماضي: "علينا جميعاً مقاومة مثل هذه الأفعال".

أما فيرمان سوباجيو، النائب عن حزب غولكار، وهو من أحزاب يمين الوسط ، فيرى أن رفع هذه الأعلام قد يُعد خيانة.

لكن يوم الثلاثاء، قال وزير شؤون الدولة براسيتيو هادي إن الرئيس "لا يعارض" رفع الأعلام كنوع من "التعبير الإبداعي".

وجاء في بيان صادر عن مكتبه: "لكن لا ينبغي استخدام ذلك للطعن في أهمية العلم الأحمر والأبيض أو التقليل من شأنه. ويجب ألا توضع الأعلام جنباً إلى جنب بطريقة توحي بالمقارنة أو تثير الخلاف".

ولا توجد في إندونيسيا قوانين تقيّد عرض الأعلام الخيالية، لكن القانون ينص على أنه إذا رُفعت إلى جانب العلم الوطني الأحمر والأبيض، يجب أن يكون العلم الوطني مرفوعاً في موضع أعلى.

وقالت الشرطة في العاصمة جاكرتا إنها "تراقب استخدام الأعلام والرموز غير الوطنية التي لا تنسجم مع روح الوطنية، بما في ذلك الأعلام ذات الطابع القرصاني أو الخيالي".

"تهديد للأمن القومي"

مصدر الصورة

تواجه الديمقراطية الإندونيسية، وهي ثالث أكبر ديمقراطية في العالم، تحديات متزايدة في السنوات الأخيرة.

وتولى الرئيس السابق جوكو ويدودو السلطة باعتباره ديمقراطياً واعداً، لكنه فقد بعضاً من بريقه في أواخر ولايته الثانية، حين أعاد العمل بعقوبة الإعدام بحق تجار المخدرات، وعيّن الجنرال السابق المثير للجدل برابوو وزيراً للدفاع.

وتصاعد غضب الشارع منذ أن تولّى برابوو الرئاسة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ففي فبراير/شباط، خرج الآلاف إلى الشوارع احتجاجاً على تخفيضات في الميزانية وتعديلات تشريعية تسمح للجيش بلعب دور أكبر في الحكومة.

وجاء في منشور على إنستغرام حظي بانتشار واسع: "الأعلام الحمراء والبيضاء باتت مقدسة أكثر من أن نرفعها الآن".

ورغم انتقادات بعض المشرعين لرفع أعلام "جولي روجر"، فإن آخرين يرون أنها شكل مقبول من التعبير الشعبي.

وقال نائب وزير الداخلية، بيما آريا سوغيارطو، إن هذه الأعلام تمثّل وسيلة للناس لـ"للتعبير عن تطلعاتهم".

وأضاف: "مثل هذا الشكل من التعبير ظاهرة طبيعية في ظل الديمقراطية".

أما ديدي يفري سيتوروس، من حزب النضال الديمقراطي المعارض، فقال: "هذا النوع من الأفعال الرمزية أفضل من احتجاجات الشوارع التي قد تتحول إلى العنف".

وبفضل الشعبية الواسعة لـ"ون بيس" بين مختلف الفئات العمرية في إندونيسيا، فإن الأعلام توفر وسيلة لـ"رفع الوعي حول القضايا السياسية بطريقة مختلفة وفريدة"، حسبما قال دومينيك نيكي فاهريزال، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

وبالنسبة لبعض الإندونيسيين، فإن الرد الملتبس من الحكومة على أعلام "جولي روجر" يعكس قوة هذا الرمز.

وكتب فرحان رزق الله على منصة "ميديوم"، وهي منصة نشر إلكترونية عالمية للمقالات والمدونات: "من خلال تعاملهم مع علم كرتوني كتهديد للأمن القومي، أضفوا شرعية من حيث لا يدرون على مبررات الاحتجاج برمّتها".

وأضاف: "أظهروا أن حلم مونكي دي. لوفي، ذاك الطموح البسيط والثابت للحرية، هو الشيء الوحيد الذي يخشونه حقاً".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا